إلى جانب تصدر قضايا الأمن والسلم العالمي التي تمثل فيها الحرب الروسية - الأوكرانية مقدمة الهموم تجيء قضية الجوع كإحدى القضايا الشاغلة للعالم حالياً أثناء انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهل تمثل قضية الغذاء والجوع في الدول الفقيرة أولوية لعالم منشغل بهموم التنافس؟ وهل تلفت الإنذارات المتكررة للمنظمات الدولية المتخصصة الدول الكبرى لأخذ كارثة الجوع مأخذ الجد؟.
انشغال بهموم قريبة
انشغل العالم ضمن الاجتماعات الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 لعام 2022 في قضايا الصراعات ومستجدات التنافس العالمي، فإلى جانب ما تشكله قضية الحرب الروسية - الأوكرانية من تطور خطر في ما يعانيه العالم حالياً من خلاف وانقسامات حادة واستقطاب، تمثل قضايا شائكة ومعلقة تنقل عاماً بعد عام إلى دورات الجمعية الأممية كالقضية الفلسطينية وملف إيران النووي والحروب الأهلية سواء في الصومال أو ليبيا أو جنوب السودان أو اليمن قضايا ذات أثر مباشر في مناقشات المجتمع الدولي إلى جانب مناقشات التنافس والكسب السياسي في غياب الشفافية الدولية تجاه كثير من القضايا.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة تصدت عام 2020 لجائحة كورونا التي وصفت آنذاك كأهم التحديات التي واجهت العالم حديثاً واستطاعت المنظمة الدولية عبر وسائل مختلفة التخفيف من انتشار الوباء والتقليل من آثاره بما اتخذته الدول الكبرى من قرارات واعتمدته الجمعية العامة من تدابير.
ويشير المحللون إلى أن وباء كورونا بما عكسه من تحد خطر تطلب من المجتمع الدولي إظهار "وحدة عالمية" ليس هو القضية الوحيدة التي يواجهها العالم، فإلى جانب تحديات جمة سواء كانت بفعل الطبيعة أو البشر، كقضايا تغير المناخ والفقر والصراع المسلح وما تمثله حرب أوكرانيا من تهديد، تبرز حالياً قضية الجوع كأهم وأخطر التحديات التي تواجه العالم وتتطلب عملاً مشتركاً لتجنب الأخطار المحدقة بإنسان الدول الفقيرة في أفريقيا أو آسيا وبقية أصقاع العالم.
في أتون الجوع
ودعا ما يزيد على 200 منظمة دولية متخصصة في تأمين الغذاء قادة العالم المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إلى اتخاذ إجراء حازم لمعالجة أزمة الغذاء العالمية التي تهدد عدداً من المجتمعات وقال بيان أصدرته تلك المنظمات "إن شخصاً واحداً يموت من الجوع كل أربع ثوان".
وفي رسالتها المفتوحة بتاريخ 22 سبتمبر (أيلول) الحالي حثت المنظمات قادة العالم المجتمعين على إنقاذ أرواح البشر في الدول الفقيرة، وقالت إن "قرابة 350 مليون شخص يعانون الآن من جوع حاد وهو ضعف العدد الذي سجل قبل ثلاثة أعوام، إلى جانب 50 مليون شخص يعيشون على حافة المجاعة"، وأضافت أن "عوامل مشتركة من الفقر وعدم المساواة والصراعات والتغير المناخي والصدمات الاقتصادية تفاقمت بفعل وباء كورونا والحرب في أوكرانيا".
وفي تقرير أممي جديد أشار عدد من المنظمات الدولية إلى أن "أزمة الغذاء العالمية تضيق الخناق على 19 بؤرة جوع ساخنة تواجه فيها ست دول ظروفاً كارثية"، حيث يستمر ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم بسرعة نتيجة تزايد الصراعات والظواهر المناخية القاسية وعدم الاستقرار الاقتصادي الذي تفاقم نتيجة الجائحة والآثار المتتالية للأزمة في أوكرانيا.
ويدعو التقرير الجديد الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة "فاو" وبرنامج الأغذية العالمي إلى اتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة لإنقاذ الأرواح وتوفير سبل العيش ومنع المجاعة.
وأشار المدير العام لـ"فاو" شو دونيو في بيان صحافي إلى أن "الجفاف الشديد الذي يواجه القرن الأفريقي دفع الناس إلى حافة المجاعة، بحيث دمر المحاصيل وقتل الماشية التي يعتمدون عليها".
وأوضح المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي أن هذه هي المرة الثالثة خلال عشرة أعوام التي يتعرض فيها الصومال للتهديد بمجاعة مدمرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما سلط التقرير الضوء على المجاعة التي تلوح في أفق القرن الأفريقي، حيث من المتوقع "أن تستمر أطول موجة جفاف منذ أكثر من 40 عاماً" بسبب شح المياه وانخفاض معدلات الحصاد ونفوق الماشية، إذ إن موجة الجفاف أجبرت مئات آلاف الأشخاص على ترك أراضيهم، إلى جانب ازدياد أخطار الصراع على الموارد بين المجتمعات المحلية.
ويشير التقرير إلى أن ما يصل إلى 26 مليون شخص من المتوقع أن يواجهوا أزمة انعدام الأمن الغذائي في الصومال وجنوب إثيوبيا وشرقها وشمال كينيا وشرقها مع تعرض المساعدات الإنسانية لخطر الانخفاض بسبب نقص التمويل.
ويضيف أن "شبح الوفيات يلوح على نطاق واسع بسبب الجوع في أفق الصومال بشكل كبير، كما من المرجح أن تنتشر المجاعة في مقاطعتي بيدوا وبوركابا في منطقة باي بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل".
ويتابع التقرير "من دون استجابة إنسانية كافية يتوقع بحلول شهر ديسمبر (كانون الأول) أن يموت تباعاً أربعة أطفال أو راشدين من كل عشرة آلاف شخص كل يوم ويواجه مئات الآلاف المجاعة اليوم بالفعل مع توقع مستويات مذهلة لسوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة".
وشدد التقرير الحديث على أن المساعدات الإنسانية ضرورية لإنقاذ الأرواح ومنع المجاعة والموت والانهيار التام لسبل العيش، وأشار إلى أن انعدام الأمن والعوائق الإدارية والبيروقراطية والقيود المفروضة على الحركة والحواجز المادية تحد من وصول العمال الإنسانيين إلى الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد.
سلة غذاء للعالم
وفي ما يتعلق بأولويات المسائل الإنسانية وإن كانت تأخذ حيزاً مطلوباً لدى المجتمع الدولي بعد النداءات المتكررة للمنظمات الإنسانية العاملة في شأن الغذاء، يقول رئيس "المركز الأفريقي للدراسات" معتصم عبدالقادر الحسن إن "من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الدول الكبرى الاهتمام بقضية الغذاء كونها قضية حيوية تمس العالم أجمع في سلامته واستقراره، وما يشهده العالم حالياً من أخطار لا بد من إرجاعه إلى مسبباته في تقصير المجتمع الدولي، والدول الكبرى بخاصة، بسبب الأنانية والانشغال بالتنافس الجوسياسي وتحقيق المصالح الاقتصادية في أطر ضيقة بدلاً من الاهتمام بتوسيع إمكانات العالم في خلق كيانات اقتصادية قائمة على التعاضد والنظرة الشمولية لمصالح جميع الدول، بخاصة الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا".
ويشير الحسن إلى أن "كثيراً من الدول في القارة الأفريقية ذات إمكانات زراعية وغذائية تحتاج فقط إلى رؤوس الأموال في استزراع أراض شاسعة من الممكن أن تكفي حاجة العالم في الغذاء وتكون مصادر مربحة لأية أنشطة في استثمار جانب الغذاء في تلك الدول والعالم أجمع".
ويضيف "بدلاً من اعتماد الدول الفقيرة على الإعانات غير المنتظمة من الدول الغنية ينبغي على العالم خلق واقع جديد تعمل فيه الأمم المتحدة والدول الكبرى على انتهاج سياسة دعم مستقبلي لمشاريع كبرى في الدول الفقيرة، سواء بإشراف محلي أو دولي تستغل فيه جميع الإمكانات بما يحقق فوائد مشتركة بين الدول الأفريقية ودول العالم الأخرى".
ويؤكد أن "ما أظهرته الحرب في أوكرانيا من حقيقة اعتماد العالم في غذائه على دولتين كروسيا وأوكرانيا ينبغي أن يكون منطلقاً لاستراتيجية جديدة ينشغل بها العالم ويتبناها المجتمع الدولي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بغية خلق بدائل غذائية قارية تؤمن غذاء العالم وتلعب دوراً حيوياً في استقراره حيال أهم مسألة وهي قضية الغذاء، بدلاً من الاعتماد على دولتين أو ثلاث"، ويضيف "كما على المنظمات العاملة في تأمين الغذاء كمنظمة الغذاء العالمية وغيرها أن تتبنى سياسات جديدة في أنشطتها، فبدلاً من التركيز على عمليات التنبؤ وقياسات الغذاء العالمي ينبغي عليها أن تلعب أدواراً جديدة في رسم سياسات عملية لتوطين الغذاء في قارات العالم المتأثرة كأفريقيا وآسيا والاستفادة من الدول ذات الإمكانات الزراعية الشاملة كالسودان وباكستان وغيرهما من دول متعددة الإمكانات".
على مستوى إنساني كان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن دعا إلى تضافر جهود المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في زيادة المساعدات للنازحين داخلياً الذين أجبروا على الفرار من ديارهم بسبب الصراع والجفاف، وأكد خلال لقائه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة على ضرورة ترسيخ التعاون بين إثيوبيا ومفوضية اللاجئين والمنظمات الأخرى المعنية في هذا المجال، واستعرض مكونن جهود الحكومة الإثيوبية في مجال تقديم المساعدات الإغاثية إلى النازحين والتخفيف من معاناتهم في المخيمات وإعادتهم إلى مناطق سكنهم وتوفير البيئة الآمنة لهم.