يوماً بعد آخر يزداد حجم القلق الاجتماعي من اتساع ظاهرة الطلاق في الأردن وبأرقام كبيرة ترجمت أخيراً إلى ازدحام مشهود في أروقة المحاكم الشرعية بعموم أنحاء البلاد التي حلت في المرتبة الثالثة عربياً.
خلال العامين الماضيين ألقى مراقبون ومتخصصون باللائمة على جائحة كورونا، لكن العام الحالي شهد ارتفاعاً في عدد حالات الطلاق على رغم انحسار الجائحة إذ إن أكثر من ثلث الزيجات تنتهي بالطلاق.
اليوم لم تعد الأسباب التقليدية المؤدية إلى الطلاق كتردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المهور وزيادة الكلف وظاهرة الزواج من أجنبيات هي السائدة، إذ انضمت إليها عوامل أخرى كتسهيل إجراءات تقديم المرأة لطلب الطلاق وعمل المرأة واستقلالها المادي وتراجع تأثير الأهل.
وبينما كانت المرأة الأردنية التي تطلب الطلاق إلى عهد قريب موضع انتقاد ونظرة اجتماعية سلبية، فإنها اليوم تتحدى التقاليد والأعراف وتقارع الرجال بالقانون في أروقة المحاكم.
طلاق الشباب الأعلى
وتشير الجمعية العامة للمحامين الشرعيين في الأردن بقلق إلى أرقام ترصد ارتفاعاً بحالات الطلاق في الفئة العمرية ما بين 20 و29 سنة بسبب عدم الوعي والثقافة الشاملة للمقبلين على الزواج.
المقلق أكثر بالنسبة إلى الجهات المعنية هو أن الطلاق المبكر الذي يأتي بعد أقل من عام من الزواج يشكل نحو 25 في المئة من مجمل حالات الانفصال.
وفقاً لقاضي القضاة فإن المعدل السنوي لحالات الطلاق نحو 14 ألف حالة، لكن ثمة ارتفاعاً لافتاً وبنسبة 12 في المئة بحالات الزواج هذا العام بالتزامن مع انخفاض نسب زواج القاصرات (دون 18سنة).
ويشير التقرير الإحصائي السنوي إلى أن نسبة قضايا التفريق القضائي 23 في المئة من إجمالي حالات الطلاق، من بينها 8 آلاف حالة قبل الدخول، على رغم الجهود التي تبذلها مكاتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري داخل المحاكم الشرعية والتي أثمرت عن نحو 25 ألف حالة إصلاح.
مؤسسة الزواج في خطر
قبل أعوام حذر معهد "تضامن النساء" الأردني من تداعيات وجود نحو مليون امرأة عزباء و44 ألف مطلقة في البلاد، مشيراً إلى مخاوف من تداعي أركان مؤسسة "الزواج" في المملكة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فمنذ عام 1979 وحتى الآن يرتفع معدل العنوسة وتتضاعف أعداد الفتيات اللاتي تجاوزت أعمارهن الـ30 من دون أن يسبق لهن الزواج، وعلى رغم ذلك فإن كثيراً من حالات الزواج تنتهي بالطلاق.
يزيد عدد حالات الطلاق اليومية على 70 حالة، وهو ما دفع الجهات المعنية إلى تنفيذ دورات تأهيل المقبلين على الزواج في الأردن وبشكل إلزامي في محاولة للتقليل من تلك الظاهرة.
أسباب اقتصادية واجتماعية
وتقول رئيسة الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان فاطمة الدباس إن أسباب الطلاق اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية، وتضيف "عصفت ظروف سياسية بالمنطقة أدت إلى لجوء السوريين إلى دول عدة من بينها الأردن، ونتجت من ذلك زيادة حالات زواج الأردنيين من سوريات بدليل أن أكثر المدن الأردنية التي شهدت أعلى نسب طلاق هي مدن الشمال التي تأثرت بنسبة لجوء عالية من قبل السوريين".
ولا تقلل الدباس من شأن زواج القاصرات باعتباره أحد أسباب الطلاق غير أن الخبير الأسري عصام طراد يرى أن "معظم أسباب الطلاق في عصرنا الحالي نتيجة الإنترنت والإدمان على أجهزة الموبايل"، مضيفاً أنه استمع إلى حالات خلال جلسات الإصلاح الأسري في دائرة قاضي القضاة كانت الأسباب فيها إدمان أحد الزوجين للأفلام الإباحية وتمضية معظم الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعزو الخبير النفسي وليد سرحان زيادة معدلات الطلاق في الأردن وفي كثير من الدول العربية إلى عوامل مختلفة من بينها ما هو مسكوت عنه، كالعلاقة الجنسية وفتورها والتعثر الجنسي خلال الأيام الأولى من الزواج.
ولا يقلل سرحان من أهمية الحال المادية للأزواج وعدم الإنجاب والعنف والمرض وعوامل أخرى تسهم في رفع نسب الطلاق.
ثقافة الطلاق
في الأثناء تتسلل إلى بيوت الأردنيين ثقافة جديدة تتمثل في ظاهرة الاحتفال بالطلاق بين شريحة واسعة من المواطنين خلال الفترة الأخيرة في مؤشر يعزوه مراقبون ومتخصصون اجتماعيون إلى التحولات التي يمر بها المجتمع الأردني والتي غيرت كثيراً من المفاهيم والعادات السائدة، فبعد عقود طويلة من اعتبار طلاق المرأة وصمة عار اجتماعية أصبح "أبغض الحلال" اليوم وبات بالنسبة إلى كثيرين مناسبة للاحتفال والتباهي والإشهار.
واليوم ثمة تجارة قائمة بحد ذاتها تقدم خدماتها للراغبين في الاحتفال بالطلاق والخلاص من الرباط الزوجي وتحت عنوان "حفلات الطلاق" يعرض متعهدو حفلات خدماتهم.
ويقول أحمد أبو رمان المتخصص الاجتماعي "بدأنا نرصد هذه الظاهرة في الأردن منذ ثلاثة أعوام، تحديداً في بعض محاكم التوثيقات التي يتم فيها الطلاق سريعاً وبالاتفاق".
ويضيف "تظهر حفلات الطلاق عادة في القضايا التي فيها نزاع شديد وانتقام، وهو أمر متوقع لكنه مرفوض اجتماعاً ولا يمكن تبريره لكنه يعبر عن مدى ضغط أحد الشريكين في الحياة الزوجية".
ويشير أبو رمان إلى صدمة ما بعد الطلاق التي تتم فيها المقارنات داعياً الأزواج إلى ما يسمى "الطلاق الحضاري".