مع صدور نتائج الانتخابات التي أوضحت بما لا شك فيه أن حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف (فراتيللي ديتاليا) سيتولى قيادة ائتلاف شعبوي متطرف، رفعت رئيسة الحزب جورجيا ميلوني لافتة شكر كتبت عليها عبارة "شكراً إيطاليا". ومن المنصف القول بأن أغلبية الدول الأوروبية الأخرى غير ممتنة بهذا القدر لظهورها السياسي.
فحزبها، الذي غالباً ما يوصف بأنه "فاشي" أو من "الفاشية الجديدة"، يستمد بعض جذوره فعلاً من عصر الفاشية الإيطالية الفجة التي سادت بعد الحرب العالمية الأولى، بالتالي من ديكتاتورية بينيتو موسوليني الكارثية. لكن من أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في الائتلاف الحاكم هو الطريقة التي سيختار أن يحكم بها بالتحديد، وفي أية لحظة سيخضع للواقع، وفي أي مجال سيتجه للمساومة مع الاتحاد الأوروبي، الذي قد لا يتماشى "نظامه الأساسي" بشكل دائم مع خطط الحكومة الإيطالية الجديدة، نظراً إلى أن السيدة ميلوني ستضطر إلى محاولة تشكيل حكومة قوية وصلبة تشمل زعيم حزب "فورتسا إيطاليا" سيلفيو برلسكوني، البالغ من العمر 85 سنة، وزعيم "حزب الرابطة" (ليغا) ماتيو سالفيني.
لا شك في أنه سيتبنى مواقف اجتماعية محافظة في قضايا مثل حقوق مجتمع الميم والتبني، وسيعارض الهجرة بشراسة ولكن خلاف ذلك، يبدو المشهد السياسي المستقبلي مبهماً.
مثلاً، تتضمن المخاطر الفورية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والعالم الأوسع الموقف الذي ستتخذه السيدة ميلوني، ووزير خارجيتها الذي لم تختره بعد، في موضوع أوكرانيا. يبدو أن السيدة ميلوني نفسها ملتزمة بالسياسة الغربية العريضة المتعلقة بفرض العقوبات، والمساعدة العسكرية والمالية. لكن إيطاليا تعتمد جزئياً على إمدادات الطاقة من روسيا، وتربط بين بيرلوسكوني وفلاديمير بوتين علاقة وثيقة منذ سنوات. خلال الأسابيع القليلة الماضية، أدلى ببعض التصريحات المتعاطفة بشأن الغزو، ملمحاً إلى أن بوتين أجبر على اتخاذ هذه الخطوة وأن "العملية الخاصة" بحسب تعبيره، صممت للاستيلاء على كييف و"استبدال حكومة زيلينسكي بأشخاص محترمين". لاحقاً، أوضح بيرلوسكوني موقفه، فيما أعرب سالفيني، زعيم حزب الرابطة (المعروف سابقاً برابطة الشمال [ليغا نورد]) أيضاً عن إعجابه بالرئيس بوتين. لذلك، فمن يدري ما يحدث؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما يتوقع أن تصبح علاقة إيطاليا بالاتحاد الأوروبي غير مريحة بالقدر الذي كانت عليه في ظل حكم التكنوقراطي ماريو دراغي، الذي تولى سابقاً منصب محافظ البنك الأوروبي المركزي، لكن إلى أية درجة؟ شنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، هجوماً استباقياً نوعاً ما، عندما ذكرت إيطاليا بأن بروكسيل تمتلك "أدوات" للتعامل مع أي انتهاك للقواعد الديمقراطية من جانب الحكومة في روما.
في هذه الأثناء، سارعت فرنسا لتحذير إيطاليا من إلغاء حقوق المثليين أو منع إتاحة الإجهاض للنساء. وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، إن الاتحاد الأوروبي عليه أن يصون بعض القيم، مثل تلك المتعلقة بالإجهاض وحقوق الإنسان. وصرحت لقناة فرنسية بقولها "سوف نركز اهتمامنا، مع رئيسة المفوضية الأوروبية، على احترام الجميع لهذه القيم المتعلقة بحقوق الإنسان واحترام الآخر ولا سيما احترام الحق في الإجهاض. لدينا بعض القيم في أوروبا وسوف نظل متأهبين طبعاً".
إن نظرنا إلى الوضع قياساً إلى الحال مع هنغاريا وبولندا، اللتين تقعان أيضاً تحت حكم عناصر قومية يمينية، فهذا يعني أن العلاقة بين إيطاليا وبروكسيل ستستقر أيضاً على شبه حرب باردة غير مريحة في القضايا الاجتماعية – من دون أن يرغب أي من الطرفين بتصعيد العداء.
فخلاصة الموضوع مع كل الدول المتمردة هو أن أياً منها لا يظهر أية حماسة لمغادرة الاتحاد الأوروبي على نمط بريكست [الخروج البريطاني]، فيما يظهر الاتحاد الأوروبي في أغلب الأحيان، استعداداً للتكيف مع معظم خصوصياتها، مثلما فعل مع فيكتور أوربان الذي تبنى موقفاً أكثر تساهلاً في هنغاريا تجاه العقوبات المفروضة على روسيا. وفي حال إيطاليا، لا تحظى فكرة مغادرة الاتحاد الأوروبي بدعم كبير، على الرغم من الاستياء من الهجرة وطريقة تعاطي الاتحاد الأوروبي مع جائحة كوفيد. فإيطاليا بحاجة كبيرة للموارد الأوروبية من أجل دعم مصارفها ودينها السيادي، والحصول على استثمارات في بنيتها التحتية. بعبارات أخرى، صحيح أن السيدة فون دير لاين لديها أدوات للتأثير في إيطاليا. سوف تقع بعض المشاجرات لكن لن يكون أياً منها مميتاً.
يجب أن يذكر صعود ميلوني باقي أوروبا بأن اليمين المتطرف الشعبوي لم يختف، وأنه ما يزال قوة لا يستهان بها. فالركود والتضخم والهجرة المتواصلة تخلق الظروف المناسبة تماماً لإيصال مجموعات صغيرة منشقة مثل "أخوة إيطاليا" إلى مواقع السلطة، غالباً بمساعدة أنظمة اقتراع نسبية بحواصل انتخابية متدنية [نسبة محددة من الأصوات تضمن التمثيل البرلماني] تيسر الفوز بتمثيل برلماني. تحاول المجموعات المتمردة على الدوام أن تتغلب على بعضها بعضاً وتستبدل بعضها بعضاً، غالباً على حساب الأحزاب السياسية الراسخة على اليسار واليمين. ويعد وصول حزب "البديل من أجل ألمانيا" AfD، والدعم القوي نسبياً لحزب الديمقراطيين السويديينSweden Democrats كما حزب الجبهة الوطنية التابع لمارين لوبين، أمثلة أخرى على أن اليمين قادر على شق طريق له، حتى في أكثر الدول ازدهاراً وليبرالية. ما عادت إيطاليا استثناء إذاً.
نُشر في اندبندنت بتاريخ 27 سبتمبر 2022
© The Independent