الأقمار الاصطناعية هي أجسام من صنع البشر يتم إرسالها إلى الفضاء لتدور حول الأرض في مدارات محددة وتقوم بمهمات متنوعة عادة ما تتضمن إرسال واستقبال إشارات من محطات أرضية إضافة إلى مهمات متخصصة.
وتتفاوت الأقمار الاصطناعية من حيث الحجم والمهمات بشكل كبير للغاية فبعضها لا يزن سوى مئات عدة من الغرامات، بينما يزن بعضها الآخر الأطنان وفي حين تكون مهمات بعضها بسيطة مثل أقمار الدراسات العلمية، يتعامل بعضها مع كم هائل من البيانات كأقمار البث التلفزيوني أو أقمار الاتصالات والإنترنت.
عموماً من الصعب وضع تعريف يشمل الأقمار الاصطناعية إذ إن تنوعها وكونها تبنى بشكل مخصص لاستخداماتها يجعل اختلافاتها جذرية وجمعها في خانة واحدة أشبه بوضع عربة الأطفال رباعية العجلات والسيارات الكهربائية الحديثة ضمن التصنيف ذاته.
يقول موقع "ستاتيستا" Statista لجمع البيانات إن عدد الأقمار الاصطناعية النشيطة التي تدور حول الأرض وصل إلى 4852 قمراً لغاية الأول من يناير (كانون الثاني) 2022 وتمتلك الولايات المتحدة أكبر عدد منها كدولة واحدة وهو 2944، بينما تمتلك أقرب منافسة لها وهي الصين 499 فقط، وتأتي روسيا في المركز الثالث بـ169 قمراً، فيما لدى بقية دول العالم مجتمعة 1240 قمراً.
أنواع الأقمار الاصطناعية
منذ إطلاق أول قمر اصطناعي من قبل الاتحاد السوفياتي عام 1957 تم إرسال أكثر من 5000 منها لمجموعة متنوعة من الأهداف إذ تستخدم هذه الأجسام لرصد الأرض للأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء، لكنها تصنف بحسب موقعها ضمن فئتين:
- الأقمار الاصطناعية المتزامنة مع الأرض التي توضع في مدار يصل إلى 35800 كيلومتر عن سطح الأرض وتدور في الاتجاه ذاته يومياً حول الكوكب من الشرق إلى الغرب وبسبب هذا النوع من الحركة تظهر ثابتة بالنسبة إلى من يراقبها من الأرض وتستخدم في الاتصالات ودراسة الطقس.
-الأقمار الاصطناعية القطبية التي تدور حول الأرض من الشمال إلى الجنوب بين القطبين وتتمتع بأهمية كبيرة في ما يتعلق بتكوين تصور عن حال الكوكب الأرض، إذ تستخدم في دراسة الطقس والكوارث الطبيعية وتزود الأرض بمعلومات حول الحالات الطارئة وبيانات الحرارة والضغط والرطوبة الخاصة بالغلاف الجوي. كما تستعمل الأقمار الاصطناعية القطبية كمحطات فضائية كما هي الحال في محطة الفضاء الدولية التي وصلت إلى مدارها عام 1998 ويمكن رصدها من سطح الأرض في الليالي الصافية، كما أن الأقمار الاصطناعية القطبية تظهر في الموضع ذاته مرتين يومياً، مرة في النهار ومرة في الليل.
أما من الناحية الوظيفية، فأبرز الأقمار الاصطناعية هي:
- أقمار الاتصالات: تعد واحدة من الأكثر انتشاراً اليوم وتتزايد الحاجة إليها بشكل مستمر بحيث تتضمن الاتصالات أموراً مثل البث التلفزيوني والمكالمات الهاتفية والاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، وتستخدم معظم الأقمار الاصطناعية المخصصة للاتصالات المدار الأرضي المنخفض فهو أنسب للمكالمات والتعامل مع الأجهزة المحمولة، بينما تستعمل أقمار البث التلفزيوني المدار المتزامن مع الأرض لتغطية البقعة الجغرافية ذاتها بشكل مستمر.
- المراصد الفلكية: مع ازدياد التلوث البيئي وحتى التلوث الضوئي والراديوي على الأرض باتت عملية مراقبة الفضاء أصعب بكثير، لذا تم إطلاق عدد من الأقمار الاصطناعية التي تعمل كتلسكوبات فضائية على المدار الأرضي المنخفض والميزة الأساسية لهذه الأقمار الاصطناعية هي كونها خارج الغلاف الجوي، بالتالي تستطيع رصد الفضاء بشكل أفضل من المراصد الأرضية ويعود الفضل إلى هذه التلسكوبات الفضائية في اكتشافات علمية عدة خلال العقود الأخيرة.
- أقمار مراقبة الأرض: عادة ما تستخدم هذه الأقمار أدنى مدارات ممكنة حول الأرض مع هدف موحد هو المراقبة لأغراض مدنية وبالأخص في ما يتعلق بالتغيرات السريعة والكوارث الطبيعية وتتضمن هذه الفئة الأقمار الاصطناعية الخاصة بالطقس التي تتزايد أهميتها باستمرار، كما أن بعضها مصمم لرسم الخرائط الجوية وتحديثها بشكل دوري، وفي كثير من الحالات تفيد هذه الأقمار الاصطناعية في التحذير المبكر من الأعاصير أو البراكين الثائرة.
- الأقمار الاصطناعية العسكرية: بسبب طبيعة استخدامها فمن الطبيعي وجود شح كبير في المعلومات عن هذا النوع من الأقمار، لكن معظمها على الأرجح يركز على مراقبة الأرض ورسم الخرائط والتجسس وهناك كثير من الشائعات المتداولة عن أقمار اصطناعية تحمل أسلحة دمار شامل أو أنها قادرة على تدمير الأقمار الاصطناعية الأخرى، لكن لا دليل على وجود مثل هذه الأقمار الذي كان سيشعل أزمات دبلوماسية كبرى بسبب المعاهدات الدولية التي تمنع وضع الأسلحة في الفضاء.
- أقمار التوجيه والملاحة: حالياً توجد منظومات عالمية عدة للملاحة وتحديد المواقع تتضمن كلاً من "جي بي إس" الشهيرة و"غلوناس" الروسية و"غاليليو" الأوروبية، عدا عن أنظمة ملاحة محلية لبعض البلدان مثل الصين واليابان، وتتضمن جميع منظومات الملاحة أقماراً اصطناعية عدة تستخدم المدار الأرضي المتوسط بحيث تدور على ارتفاع قرابة 20 ألف كيلومتر فوق سطح الأرض.
- الأقمار الاصطناعية المصغرة: تكون هذه الأقمار الاصطناعية أصغر من المعتاد عموماً وتستخدم في الغالب لأغراض بحثية محدودة ويصنع كثير منها في الجامعات كمشاريع طلابية ويتم تجميعها من مواد موجودة مسبقاً. عادة ما تصنف الأقمار الاصطناعية التي تزن أقل من ألف كيلوغرام على أنها مصغرة وهناك تقسيمات أحدث تضع الأقمار بين وزني 500 غرام و1000 كيلوغرام تحت تسمية "ميني ساتلايت" وتلك التي يقل وزنها عن 100 كيلوغرام باسم "مايكرو ساتلايت" وتسمى التي لا يتجاوز وزنها 10 كيلوغرامات "نانو ساتلايت".
- محطات الفضاء المختلفة: من حيث المبدأ تعد محطات الفضاء أقماراً اصطناعية في الواقع، لكن الاختلاف هنا هو أنها أكبر من الأقمار الاصطناعية المعتادة، كما أنها مصممة بحيث تكون صالحة للسكن البشري وتستخدم كمختبر ومرصد ومحطة هبوط للحملات الاستكشافية وملجأ لها.
تدور مع محطات الفضاء في المدار الأرضي المنخفض على بعد مئات عدة من الكيلومترات فقط.
عبر التاريخ تم إطلاق محطات فضاء عدة إلى المدار حول الأرض حيث كان معظمها أميركياً أو سوفياتياً، لكن اليوم لا يوجد في المدار سوى محطة الفضاء الدولية المأهولة بشكل متواصل بسبعة رواد فضاء منذ عام 2000 ومحطة الفضاء الصينية "تيانغونغ" غير المكتملة التي أطلقت وحدتها الرئيسة الأولى في أبريل (نيسان) 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أهمية الأقمار الاصطناعية
يبرز دور الأقمار الاصطناعية في مجالات عدة، أهمها:
- توسعة مدى تصوير الأرض، مما يسمح بجمع البيانات بشكل أسرع وأكثر فاعلية من الأجهزة الموجودة على سطح الأرض.
- زيادة مجال الرؤية في الفضاء، بالتالي تسهيل دراسة الفضاء بشكل أكبر بسبب تجاوز العوائق التي تحجب الرؤية من الأرض والمتمثلة في الغيوم والغبار بالغلاف الجوي.
- تعزيز مدى إشارات التلفزة، إذ لم تكن تصل إلى مدى كبير قبل البدء باستعمال الأقمار الاصطناعية في البث التلفزيوني وتحسين جودة الإشارة بسبب تجاوز معيقات البث التي كانت تواجه البث الأرضي والمتمثلة في الجبال والأبنية العالية.
- زيادة مدى الاتصالات اللاسلكية ووضوح الاتصالات.
تسارع في صناعة الفضاء
في السنوات ما بين عامي 2008 و2020 تضاعفت الأموال المنفقة على صناعة الأقمار الاصطناعية العالمية تقريباً لتصل إلى 271 مليار دولار أميركي، ويتم توليد الإيرادات من بنائها وإطلاقها وتشغيلها، وفي حين أن الشركات الخاصة كانت تمتلك القدرة على بنائها وتشغيلها منذ الستينيات غير أنها لم تتمكن من ذلك إلا في الثمانينيات ومن المتوقع أن يزداد انتشار الشركات الخاصة في هذا القطاع خلال العقود المقبلة، فعلى سبيل المثال أطلقت شركة "سبايس إكس" التي يمتلكها إيلون ماسك 52 قمراً من طراز "ستارلينك" إلى الفضاء ضمن مخططها لتغطية الكرة الأرضية كلها بشبكة الإنترنت السريع وذلك بفضل نشر كمية كبيرة من الأقمار الاصطناعية الخفيفة في مدار الأرض لا يزيد وزن كل واحد منها على 500 كيلوغرام ويصل عددها الإجمالي إلى 3 آلاف قمر وستحقق الشركة ذلك عن طريق زيادة عدد عمليات الإطلاق أربع مرات بين عامي 2020 و2040.
العرب والأقمار الاصطناعية
منذ بداية ظهور الأقمار الاصطناعية بشكل حقيقي لم تنجح سوى 12 دولة في إرسال أقمار اصطناعية إلى الفضاء، لو اعتبرنا روسيا وأوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق ومن بين هذه الدول لا توجد أية دولة عربية حتى اليوم. مع أن البلدان العربية اليوم تمتلك أقماراً اصطناعية عدة في المدار، أهمها السعودية ومصر (تم إطلاق أول قمر اصطناعي عربي هو "نايل سات 101" المصري عام 1998)، فإنه لم يتم إطلاق أي من هذه الأقمار من قبل بلد أو شركة عربية والغالبية العظمى منها تم شراؤها عربياً فقط من دون الإسهام في تصميمها أو تصنيعها.
على العموم هناك أقمار اصطناعية عدة مصممة عربياً، إذ هناك القمر الاصطناعي العراقي "تيغريسات" الذي صنعه طلبة عراقيون في العاصمة الإيطالية روما والقمر الاصطناعي الأردني "جيه واي 1 سات" من تصميم طلبة من جامعات أردنية عدة. وبعد أعوام من التدريب في كوريا الجنوبية تمكن فريق من المهندسين الإماراتيين من بناء أول قمر اصطناعي عربي حقيقي، فقمر "خليفة سات" ليس مصغراً، بل يزن 300 كيلوغرام وهو مصمم لمراقبة الأرض وتم بناؤه في "مركز محمد بن راشد للفضاء" بدبي. وتم إطلاق القمر الاصطناعي من اليابان في خريف عام 2018 ويتوقع أن تمتد مهمته لخمس سنوات وهو الآن موجود في مدار متزامن مع الشمس ويدور حول الأرض بشكل رأسي.
وعام 2021 تمكن صاروخ روسي من حمل أول قمر اصطناعي مصنوع بأياد تونسية بالكامل واسمه "تحدي" إلى الفضاء انطلاقاً من كازخستان لينفذ مهماته المتعلقة بالإنترنت.
ما هو مصير الأقمار الاصطناعية بعد انتهاء مهماتها؟
عندما بدأ السباق نحو الفضاء في خمسينيات القرن الماضي لم يكن أحد مهتماً حقاً بما سيحصل للأقمار الاصطناعية التي أرسلت. بالنتيجة لا يزال هناك مئات من الأقمار الاصطناعية التي انتهى عمرها التشغيلي منذ زمن، لكنها مستمرة في الدوران ضمن مداراتها.
الآن ومع وجود آلاف الأقمار الاصطناعية بات من الضروري إيجاد طريقة آمنة وصديقة للبيئة لإنهاء حياتها من دون البقاء في مداراتها، بحيث أنها تشغل المدارات المطلوبة من جهة وتشكل من جهة أخرى خطراً كبيراً باحتمال اصطدامها أو تحطمها وتطاير شظاياها التي من الممكن أن تدمر عدداً من الأقمار الاصطناعية الأخرى.
عادة تواجه الأقمار الاصطناعية أحد الخيارات التالية عند انتهاء خدمتها:
-النقل إلى "مدار المقبرة": حيث تستخدم أنظمة توجيه القمر الاصطناعي لجعله ينتقل إلى مدار أبعد من الأرض وغير مستعمل تجارياً فينخفض هناك احتمال تسببه بأي ضرر إضافي.
- التحطم المخطط له مسبقاً: بدلاً من إرسال القمر الاصطناعي إلى مدار مختلف من الممكن استغلال نظام توجيهه لجعله يقترب من الأرض ومن ثم يسقط بشكل مدروس بدقة ليتحطم على الأرض في مكان معزول بعيداً من أماكن التجمع البشري.
- الإسقاط القسري: لا تستخدم هذه الطريقة حالياً، لكنها قيد الدراسة وأجرت الصين تجربة ناجحة عليها ويصار من خلال هذه الطريقة إلى إطلاق صاروخ صغير ليصيب القمر الاصطناعي المطلوب في مداره، بالتالي جعله يهبط متحطماً إلى بقعة آمنة في الأرض.