تتسع دائرة مرض الكوليرا كمن يلقي بحجر في مستنقع وعلى رغم أن الوباء ما زال في نطاق ضيق ومحدود شمال سوريا، لكن المخاوف لم تهدأ في النفوس عقب تسجيل إصابات خارج مناطق بؤر المرض المعدي في الداخل الذي لا يقل خطورة عن "كوفيد -19" وسلسلات كورونا المتحورة، إذ يعرض المصاب الذي لا مناعة في جسمه لمقاومة الجرثومة للموت الحتمي.
كما يفيد الأطباء في الأمراض المعدية بأهمية الوقاية وضرورة اتباع ممارسات صحية سليمة وتعقيم المياه، لا سيما أن المصاب يعاني إسهالاً شديداً، بالتالي ينتقل المرض من شخص إلى آخر عن طريق ابتلاع المياه الملوثة ببكتيريا الكوليرا.
معركة في وجه الوباء الصامت
وما زالت المعركة ضد الكوليرا من دون ضجيج طبي وإعلامي فهناك معلومات عن وصول حالات إسعافية إلى مستشفيات حلب شمال البلاد وهي المدينة التي ظهرت فيها أولى الإصابات، تلتها مناطق ومدن يخترقها نهر الفرات، بينما تظهر وزارة الصحة على صفحتها الرسمية منشوراً غير دوري عن عدد قليل من الإصابات والوفيات، الأمر الذي ذكر المواطنين بزمن الإغلاق وكورونا قبل سنوات.
وبحسب وزارة الصحة الجهة المعنية بالإفصاح عن حجم المرض وأرقام المصابين والوفيات، يلاحظ ارتفاعه في مدينة حلب إلى 230 مصاباً و55 مصاباً في دير الزور والحسكة 25 إصابة في مناطق تتوزع في الشمال والشمال الشرقي، بينما الملاحظ زيادة في الإصابات في محافظة اللاذقية غرب البلاد حيث وصل عدد المصابين إلى 19، وخمسة مصابين في حمص وسط سوريا، أما العاصمة دمشق، فسجلت أربعة مصابين.
واللافت وفق متابعين للشأن الصحي ثبات الإصابات في مناطق نهر الفرات حيث رجحت السلطات تعرض سكانها للتلوث بسبب شرب مياه غير معقمة أو ري الأراضي والمحاصيل بمياه الصرف الصحي.
هذا وخطف الكوليرا حياة 29 شخصاً حتى 25 سبتمبر (أيلول) الحالي في آخر تحديث لعدد الوفيات توزعت على الشكل التالي، 25 في حلب و2 في الحسكة و2 في دير الزور، وأشار بيان للوزارة إلى تسجيل إصابتين في دمشق كانتا وافدتين من مدينتي دير الزور والحسكة.
التدخل العاجل
من جهتها أبدت نائبة مدير منظمة "يونيسف" مكتب سوريا غادة كجة جي في حديث إلى "اندبندنت عربية" استعداد المنظمة لمواكبة هذا المرض والحد من تفشيه لكونه يشكل تهديداً جديداً لصحة الأطفال ونموهم في سوريا، "على رغم أن هذا المرض الداهم يصاب به البالغون، إلا أن تأثيره في الأطفال يختلف من حيث شدته وقد يعرضهم للموت كونهم أكثر هشاشة وأقل مناعة".
وترى أن تفاقم أزمات عاناها السوريون خلال عقد من الزمن كالنزوح الجماعي والأزمة الاقتصادية وانقطاع الكهرباء أسهمت في تردي الصحة العامة في حين ذكرت منظمة "يونيسف" أكثر من مرة تأثر الخدمات وانعكاسها على المستوى المحلي وإلحاق أضرار جسيمة بالأطفال، لا سيما ما تسببه الأضرار في المياه والصرف الصحي، وأردفت "يساورنا دوماً القلق إذ يعتمد ما يقارب نصف سكان سوريا على مصادر مياه شرب بديلة عن الماء النقي لمنازلهم بسبب تأثر الشبكات مع مرور الوقت"، وأضافت "نعمل بصورة وثيقة في محافظة حلب كما المحافظات الأخرى للحد من انتشار المرض وهذا يتم عبر تنقية المياه والمعالجة بالكلور، خصوصاً في المجتمعات التي تحتاج المياه فيها إلى زيادة كمية المعقمات وتقديم الخدمات الصحية المناسبة، كما أن العمل قائم لتنقية المياه في مخيمات شمال سوريا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبرت في الوقت ذاته عن أهمية توفير التعقيم وإرسال كميات إضافية من مادة الكلور إلى مشاريع المياه في البلاد وتوفير كميات من المياه الصالحة للشرب وهذه الزيادة لا بد منها، لا سيما في المناطق المتأثرة بالمرض للحد من الكوليرا".
ويعول المجتمع الدولي على منظمة "يونيسف" للتنسيق حول حاجات قطاع المياه والصرف الصحي والاستجابة في مجال الصحة وتابعت كجة جي "نحن بصدد العمل مع منظمة الصحة العالمية والشركاء لوضع خطة للأشهر الثلاثة المقبلة. لذلك نحن نحتاج إلى موارد استجابة طارئة تتطلب تأمين مبلغ 10 ملايين دولار حالياً لتحسين العمل بموجب هذه الخطة. والمهم التنسيق الجيد لعدم الهدر بالموارد، وجميع الشركاء يعملون للتأكد من تلبية الحاجات ووصولها إلى الأماكن المناسبة، لا سيما أن العمل طارئ من دون أن ننسى دور التوعية في المجتمعات المحلية وأهميتها".
الفرات الغاضب
ولطالما ضرب المثل بعذوبة نهر الفرات على مدى العصور، "لكنه يبدو غاضباً" كما يصف عساف الإبراهيم، مزارع في منطقة الحسكة في روايته لنا حول ما يحدث من جفاف وري أراض بمياه غير صالحة للاستخدام البشري "زادت نسبة الإصابات من دون توقف والحالات التي تستدعي المعالجة لا تملك أية حيلة سوى الاستسلام للمرض، إما النجاة أو الموت".
في المقابل كشفت لجنة الإنقاذ الدولية عن تعداد جديد للإصابات بالكوليرا وصل إلى ما يفوق ألفي مصاب في شمال شرقي سوريا وهي المناطق التي يخترقها نهر الفرات، وتعزو المنظمات غير الحكومية الأسباب إلى عدم الحصول على مياه شرب نقية وذلك يعد تحدياً فنسبة المياه الصالحة للشرب لا تتعدى 40 في المئة بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل بدء الحرب عام 2011 ويعود ذلك إلى سوء الأحوال ودمار البنية التحتية وتضرر شبكات المياه والصرف الصحي.
حالات الكوليرا لا تتوقف عن الزحف حتى نحو مخيمات الشمال ويتخوف موظفو الإغاثة هناك من احتمال حصول كارثة في حال تفشي المرض، بحسب الناشط في المجال الإغاثي صفوان معراوي الذي قال "هناك مئات المخيمات غير النظامية تنتشر بين كروم الزيتون أو الأبنية غير المأهولة وهي ليست مخيمات تخضع للرقابة، بالتالي تنقصها مستلزمات كثيرة لذا تتزايد هواجس انتقال المرض إليها ولا بد من وأده بالإسراع بضبطه قبل استفحاله".
وسجلت فرق الدفاع المدني ثلاث حالات في مخيمات كفر لوسين المكتظة بالسكان وسط خوف من انتشار المرض، لا سيما مع فقدان مخيمات النزوح لأدنى مقومات الحياة والحاجات الصحية.
في هذه الأثناء عمدت مديرية الزراعة في حلب إلى شن حملة واسعة النطاق في محيط المدينة وأريافها لرصد الأراضي الزراعية التي يتم سقيها بطرق غير سليمة معتمدة على مياه ملوثة من الصرف الصحي وتم تلف الخضراوات والمزروعات التي تؤكل نيئة ووصلت الكمية المتلفة إلى ما يفوق 200 طن من المزروعات المخالفة على مدى المساحة المروية، بينما وضعت المعقمات في جوف خزانات المياه داخل المدارس حرصاً على سلامة الأطفال من الإصابة.