واصلت البورصات الأميركية ارتفاعاتها في افتتاح يوم أمس الذي أعقب محادثات مجموعة العشرين في نبراسكا في اليابان، ثم الاجتماع الثنائي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ
الذي أفضى الى اتفاق على هدنة في حربهما التجارية، وتعهدت واشنطن وقف فرض رسوم جمركية جديدة أثناء التفاوض.
وسجل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، الذي يقيس اكبر 500 شركة أميركية، مستوى قياسياً جديدا أمس عند 2964.34 نقطة، مرتفعاً 0.77%، وارتفع المؤشر داو جونز الصناعي 0.44 بالمئة إلى 26717.43 نقطة. كما شهد مؤشر ناسداك الذي يقيس شركات التكنولوجيا الأميركية قفزة بنسبة 1%، بعد أن انتعشت أسهم التكنولوجيا التي ستستفيد من الاتفاق، خصوصا الأسهم المرجح أن تواصل عملياتها في الصين بموجب الاتفاقية الجديدة، او تلك التي ستبيع منتجات لشركة هواوي الصينية، بعد أن تم رفع الحظر عن عمليات البيع.
الحرب و"رالي" البورصات
وكانت الحرب التجارية الأميركية-الصينية تسببت في تباطؤ "الرالي" في البورصات الأميركية، الذي بدأ في العام 2018، واستمر الى بداية مايو (أيار) الماضي عندما أعلنت إدارة ترمب أنها سترفع الرسوم الجمركية على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار من 10% إلى 25%، منهية سنة من المحادثات بين الطرفين، ثم جاء الرد الصيني بالمعاملة بالمثل وفرض رسوم جمركية على بضائع أميركية بقيمة 60 مليار دولار في يونيو (حزيران) الماضي.
فهل انتهت هذه المعركة الآن مع الهدنة الجديدة؟ يقول طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كروم" للدراسات الإستراتيجية لـ"اندبندنت عربية" "أعتقد ان هذه المعركة ستستمر طويلا، فالحل لن يكون سهلا. اظن ان الطرفين يريدان أن يظهرا قويين امام مواطنيهما، وأنهما خرجا من المحادثات فائزين وبمكانة قوية، لكنهما لا يريدان التنازل عن الكثير من المسائل".
ويعطي الرفاعي مثلا على عدم التنازل من الطرفين، اذ يقول إن "الرئيسين لم يعلنا عن هدنة، وانما هذا تفسير اعلامي، بل قالا انهما سيجتمعان مرة أخرى لمتابعة المباحثات، وهو ما قالاه في العام الماضي، ومرات عدة قبل ذلك. واعتقد أن متابعة المباحثات لا تعني أنهما سينتهيان الى إيجاد حل. ولا يوجد الان بضائع جمركية أميركية أم صينية غير مرتفعة الرسوم، فالطرفان سبق لهما أن رفعا الرسوم الجمركية على معظم البضائع البينية".
سبب المعركة
وتتهم الإدارة الأميركية بكين بأنها تسرق الملكية الفكرية للشركات الأميركية، وتدعم خفض عملتها اليوان ما يعطي تنافسية أعلى لبضائعها مقابل البضائع الأميركية المقومة بالدولار، كما تدعم الشركات الصينية بشكل مباشر أو غير مباشر، كما في حالة "هواوي"، ما يمكن من بيع منتجاتها بأسعار أقل من أسعار السوق وبشكل مخالف لآليات العرض والطلب، وما ينعكس سلباً على منتجات الشركات الأميركية التي تحتكم لآليات السوق. وتنفي بكين دائما هذه الادعاءات.
ولهذه الأسباب، هناك شبه اجماع سياسي أميركي على الملف الصيني، لكن يبدو أن الليونة الأميركية جاءت بعد أن أحدثت الرسوم الجمركية ضرراً لشركات أميركية تعمل وتُصنع في الصين، فقد رفعت نحو 600 شركة رسالة إلى الرئيس الأميركي تطالبه بإعادة النظر في فرض الرسوم الجمركية على الصين، حيث ستؤدي إلى خسارة الوظائف والتأثير على ملايين المستهلكين. ومن بين هذه الشركات كبرى متاجر التجزئة والملابس الأميركية مثل "وول مارت" و Levi Straussوالجمعية الوطنية للمطاعم وجمعية تكنولوجيا المستهلك والمجلس الأميركي للأعمال الدولية.
تذبذب البورصات
كما أن من بين الأسباب التي تضغط على الإدارة الأميركية ما شهدته البورصات الأميركية في الشهرين الماضيين من تذبذب كبير على إثر الحرب الأميركية -الصينية، خصوصا في قطاع التكنولوجيا. فقد كان هذا القطاع الأكثر تأثرا من الحرب التجارية، لاستفادته من التصنيع في الصين بأيدي عاملة أرخص ومواد أولية متاحة بأسعار أقل، بينما يعيد بيع المنتجات بأسعار أعلى بكثير في الأسواق العالمية، كما في حالة شركة "أبل" على سبيل المثال. ويعيش هذا القطاع حاليا واحدة من أفضل السنوات منذ فقاعة الإنترنت، بفضل الإدراجات المستمرة للشركات التكنولوجية الحديثة التي ظهرت عقب الازمة المالية وأصبحت اليوم شركات عالمية مثل "أوبر" و"ليفت" و"سلاك" و"بالانتير" وغيرها، وقبلها كانت "غوغل" و"فيسبوك" و"أمازون" و"أبل".
وجاءت إشارات الحلحلة بين اميركا والصين إيجابية لاستمرار الزخم في البورصات الأميركية.
ويقول الرفاعي إن "أسواق المال تنتظر أي خبر إيجابي، واستمرار المباحثات بين الطرفين الأميركي والصيني، امر إيجابي للأسواق. واعتقد أن الزخم سيستمر في أشهر الصيف، لكن مع نهاية الصيف، وبين أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) المقبلين ستبدأ الأسواق في التباطؤ، ولن تستمر الأرقام القياسية التي نشهدها اليوم، وسنشهد تصحيحاً في أسواق المال لأن اميركا والصين لن يصلا الى اتفاق".
ليونة تجاه "هواوي"
وكان هناك خبر آخر فسر على أنه إيجابي للشركات التكنولوجية، حيث قال المستشار الاقتصادي في البيت الأبيض لاري كودلو "مع مواصلة الولايات المتحدة والصين محادثات التجارة، فهناك فرصة جيدة لمنح مزيد من الشركات الأميركية تراخيص لبيع المنتجات لشركة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات".
لكن لا يوجد تفاصيل حول "الليونة" في الموقف الأميركي، حيث تابع كودلو أنه سيتم "السماح للشركات الأميركية ببيع المعدات للشركة الصينية بحيث لا يتسبب ذلك بمشاكل للأمن القومي".
ويفسر الرفاعي ذلك بأن "الرئيس الأميركي لم يتنازل في ملف "هواوي"، وإنما هو ينظر الى مصلحة الشركات الأميركية، خصوصا لشركة "غوغل". فعندما أوقفت هذه الأخيرة نظام التشغيل "اندرويد" عن موبايلات "هواوي" بعد الحظر الأميركي، هددت "هواوي" بأنها ستقوم بإنشاء نظام تشغيل خاص شبيه "باندرويد"، وهو ما قد يهدد سوق الشركات الأميركية (أبل وغوغل) في تزويد أنظمة التشغيل لشركات الموبايل العالمية".
جدل الشركات المحتكرة
وهناك جدل كبير حاليا في الولايات المتحدة في كيفية التعامل مع الشركات التي تعتبر محتكرة الان في أسواقها، وهل من المصلحة الاميركية في تفكيك سيطرتها العالمية. فكما هناك معركة ضد "هواوي"، هناك معارك ضد الأربعة الكبار "غوغل" و"فيسبوك" و"أمازون" و"أبل" واتهامات بأنها تخالف قانون التجارة الحرة والمنافسة العادلة ولا تسمح للشركات الأصغر بالمنافسة. وفي مايو الماضي خسرت "كوالكوم"، كبرى الشركات الأميركية لشرائح رقائق المودم ومعالجات تصنيع الهواتف المحمولة، قضية استمرت اعواماً بعد اتهامها بخرق قواعد التجارة الحرة.
وكان بنك "غولدمان ساكس" عرض قائمة من 20 شركة تأثرت من قرار حظر "هواوي"، حيث تأتيها إيرادات بنسب تتراوح بين 1% إلى ما يقارب 50% من "هواوي"، ومن بينها: إنتل، وبرودكوم، و كوالكوم، وميكروسوفت، ونفيديا.