أن تولد "زوهرياً" في المغرب أو الجزائر يعني أنك ستعاني في طفولتك، وستضطر إلى الحرمان من اللعب والخروج إلى الشارع خوفاً من اختطافك وانتزاع أعضاء منك قبل ذبحك لتقديم دمائك أو أحد أعضائك قرباناً للحصول على كنز. فمن هو "الزوهري"؟ وما هي جذور هذه الأساطير والحكايات الشفوية التي ما زالت إلى يومنا هذا تحدد مصير عدد من الأطفال؟
"الزوهريون" هم أطفال لديهم خصائص خلقية وروحية مميزة فمثلاً في كف يدهم اليمنى يوجد خط مستقيم ومتصل يقطعها بشكل عرضي وفي وعيونهم بريق خاص، إضافة إلى مميزات أخرى يعرفها بعض كبار السن والسحرة في المغرب والجزائر.
قوة روحانية
تقول الحكايات الشعبية المتوارثة من الأجداد في المغرب إن "هؤلاء الأطفال محظوظون، لأن لديهم قوة روحانية تمكنهم من القيام بأمور يعجز عنها الناس العاديون مثل المساعدة في استخراج الكنوز المدفونة وعلاج العقم".
عن مصدر هذه الحكايات توضح المسنة المغربية فاطمة البالغة من العمر 84 سنة "منذ كنت طفلة صغيرة وأسمع أمهاتنا يشرحن لنا كيف ينبغي أن نحمي الأطفال الزوهريين وعدم السماح لهم بالخروج والاختلاط بالناس لكي لا يتم خطفهم وذبحهم لتقديمهم قرباناً إلى الجن، لأن دماءهم مباركة تمكّن السحرة من ممارسة طقوس اكتشاف الكنوز المدفونة منذ قرون".
تضيف فاطمة "كان أسلافنا يخبئون المال تحت الأرض، وكانت لديهم خزائن سرية لا يصل إليها أحد، وتقول الموروثات الشفوية إنه بعد موت صاحبها تصبح هذه الكنوز ملكاً للجن".
فيلم رعب
يرتبط اسم "الزوهري" في الحكايات الشعبية بالفقيه السوسي، أي مشعوذ يعيش في منطقة سوس جنوب المغرب ولديه قدرات روحانية لاستعمال دماء الطفل الزوهري من أجل استخراج كنز.
يقول هشام وهو طالب مغربي يبلغ من العمر 21 سنة "لأنني شخص زوهري كانت حياتي في المغرب أشبه بفيلم رعب، كانت والدتي تخشى عليّ من الجميع، وتطلب مني دائماً ألا ألعب في الشارع"، ويضيف "في كل مرة تتناول وسائل الإعلام المغربية خبر خطف طفل وذبحه كان خوف والدتي يتضاعف، لقد ضحت بحياتها لحمايتي، حتى إنها اضطرت إلى ترك المغرب والعيش في فرنسا خوفاً من أن يتم خطفي وذبحي، هؤلاء الناس لا يرحمون للأسف".
بالنسبة إلى هشام فمميزاته الخلقية أثرت في حياته بشكل كبير، لأنه لم يعش طفولته كبقية الأطفال وكانت والدته ترافقه إلى المدرسة، يحكي "لم ترتح والدتي إلا بعدما نجحت في الثانوية وأرسلتني إلى فرنسا لأتابع دراستي الجامعية، لقد كانت مهمة صعبة بالنسبة إليها، وأتمنى أن تحمي العائلات المغربية والجزائرية أطفالها لكي لا يتم استغلالهم من طرف هؤلاء المحتالين".
قربان من أجل الإنجاب
في الجزائر أثارت قضية قتل الطفل درياح أحمد ياسين جدلاً واسعاً وبحسب صحيفة الشروق الجزائرية "اعترف المتهمون أن الطفل تم اختياره بعدما خططوا للعمل الشنيع بداعي الشعوذة منذ أشهر من تفحصهم لأيادي أطفال القرية خلال احتفالات يوم عاشوراء".
وتضيف الصحيفة "بعدما اكتشفوا أن أحمد ياسين طفل زوهري وهو النوع المبحوث عنه، بحسب زعمهم، مارسوا طقوس السحر والشعوذة المطلوبة من طرف أحد المشعوذين بهدف تسهيل عملية الإنجاب لإحدى المشاركات في الجريمة".
في 21 سبتمبر (أيلول) 2016 عثرت أجهزة الأمن في تيسمسيلت بالجزائر على حماني ياسين البالغ من العمر تسع سنوات بعد 36 ساعة من اختطافه في منطقة معزولة ببلدة سيدي عابد في حال حرجة، وقد أصيب بطعنات عدة في أجزاء عدة من جسده ما تسبب له بنزيف.
وبحسب وسائل الإعلام الجزائرية "كان الطفل يعيش مع جده في تيسمسيلت وخطف لتنظيم طقوس تهدف إلى اكتشاف كنز في منطقة سيدي عابد حيث يعيش والداه".
"يبحث السحرة عن الأطفال الزوهريين بشكل منهجي ويقدمون مقابل الحصول عليهم مبلغاً مالياً يتراوح بين 100 يورو إلى 45000 يورو،" بحسب صحيفة "المغرب أوبزيرفاتور" الكندية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المغرب أثار اختفاء الطفلة نعيمة بزاكورة جدلاً واسعاً، وبعد رحلة بحث دامت 40 يوماً عثر على عظامها وملابسها مدفونة على بعد كيلومترات من دوار تفركالت بمدينة زاكورة جنوب البلاد حيث تعيش عائلتها.
وكشفت السلطات عن أن "المشتبه فيه له سوابق قضائية في التنقيب عن الكنوز وتم اعتقاله في ضواحي مدينة خنيفرة".
وتعد التضحية بالأطفال وتقديمهم قرابين ظاهرة منتشرة في عدد من المجتمعات الأفريقية، ففي أوغندا قتل 15 طفلاً و14 بالغاً في عمليات قتل طقوسية عام 2009 وفقاً للشرطة الأوغندية، وبحسب أرقام غير رسمية اعتقل 154 مشتبهاً فيهم خلال عام، ولوحق 50 شخصاً بسبب هذا النوع من القتل الطقسي، ووفق تقرير لوزارة الخارجية الأميركية فإن الأطفال هم المستهدفون بشكل خاص بهذه الأنواع من الجرائم، كما يتم قطع لسانهم واستخدامهم قرابين.
في ورقة بحثية لعالمة الاجتماع بوكولوكي بول حول "التضحية بالطفل أسطورة أم حقيقة" في المجتمعات الأفريقية، تشير إلى أن "قتل الأطفال وتشويههم يكونان بهدف الإتجار بأعضائهم وممارسة الطقوس التقليدية، مثل السحر والتطهير والحماية من الأرواح لشفاء العقم وزيادة الثروة وتقوية القدرات الجنسية".
وبحسب الباحثة فإن التضحية بالأطفال ظاهرة موجودة في الشعوب الأفريقية قبل ظهور الكتابة، موضحة أن "التضحية قائمة على تقديم حياة فرد مقابل كسب معروف من إله".
ويتداول المغاربة والجزائريون بسبب التقارب الجغرافي جيلاً بعد جيل "أسطورة الطفل الزوهري" وبحسب بوكولوكي بول فإن طقوس تقديم هؤلاء الأطفال قرابين تتغير من مرحلة تاريخية إلى أخرى وفق السياق المجتمعي.