جرت قبل ساعات الانتخابات النيابية الكويتية لانتخاب مجلس الأمة المكون من 50 عضواً، وقد خاض الانتخابات 313 مرشحاً بخمس دوائر، ينتخب الناخب فيها مرشحاً واحداً فقط.
لم تكن الانتخابات التي جرت قبل ساعات كسابقاتها من الانتخابات منذ انتخابات المجلس التأسيسي عام 1962، ثم الانتخابات العامة لأول وآخر مجلس جرى انتخابه في عهد أمير الدستور والاستقلال وباني نهضة الكويت الحديثة الشيخ عبدالله السالم الصباح (توفي عام 1965).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالانتخابات التي جرت بعام 1967 أو ما سمي بالمجلس المزور، والمجالس التي تلته أعوام: 1971، و1975 و1981 و1985، 1992، 1996، 1999، 2003، 2008، 2009، 2012، 2012، 2016، 2020، ثم 2022. كل هذه المجالس أعلاه شابتها الشوائب وألصقت بها الاتهامات، تزوير وشراء أصوات وانتخابات فرعية طائفية وقبلية وفئوية وفساد إداري ودعم حكومي مالي و"محسوبي" لمرشحين وتدخل حكومي إداري لتسهيل نجاح مرشح من دون آخر وهكذا، ناهيك عن غياب عدالة توزيع الدوائر الانتخابية واختلال مساواة الأصوات، فمثلاً تنتخب كل من الدائرة الخامسة والدائرة الثانية 10 نواب، مع أن عدد الناخبين بالخامسة بلغ ضعفي ونصف الضعف عدد الناخبين بالدائرة الثانية، أي أن صوت ناخب الدائرة الثانية يعادل صوتين ونصف صوت بالدائرة الخامسة!
لكن، وعلى رغم كل ذلك، فإن انتخابات 2022 مختلفة تماماً عن سابقاتها، بل لعلها تذكرنا بأول انتخابات شفافة ونزيهة قبل 60 عاماً. وتتميز هذه الانتخابات بما يلي:
- سبقها خطاب تاريخي لأمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ألقاه نيابة عنه ولي عهده الشيخ مشعل الأحمد الصباح في 22 يونيو (حزيران) الماضي، وفي هذا الخطاب رسم الأمير خريطة طريق برلمانية حكومية، جدد فيها العهد بالدستور وتعهد بعدم المساس به. كما أنحى باللائمة على الحكومة والبرلمان السابق في ما وصلت إليه البلاد من طريق مسدود للعلاقة بينهما، مما أثر في جهود وبناء التنمية، وحث الخطاب الناخب على حسن اختيار الناخبين، وعدم تدخل الحكومة في الانتخابات، أو في انتخابات الرئاسة المقبلة، محذراً بالوقت نفسه من "إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث"، إن لم تسر الأمور على ما يرام.
- تلاشت الانتخابات الفرعية بكل أنواعها من هذه الانتخابات، وحاربت الحكومة أية محاولة لإجرائها.
- خفتت أصوات المقاطعة التي ترفض انتخابات بمرسوم الصوت الواحد، ولعل دخول المعارض الشرس لمرسوم الصوت الواحد، القطب البرلماني المعروف أحمد السعدون بهذه الانتخابات ليس ناخباً وحسب إنما كمرشح، خير دليل على انتهاء أو ضعف الدعوات إلى المقاطعة.
- أوقفت الحكومة التدخل والمحاباة و"تمشية" المعاملات لمرشحين معينين كما كان في الماضي، واختفى مشهد النائب - المرشح الذي يجري وراءه عشرات المراجعين من وزارة إلى أخرى "لتمشية" معاملاتهم بواسطته وليس بحكم القانون.
- حاربت الحكومة شراء الأصوات، وأحالت بالفعل أكثر من مرشح كانوا نواباً ووزراء سابقين للنيابة بتهمة شراء أصوات الناخبين، مما يعكس جدية حقيقية في محاربة هذه الظاهرة المخزية.
- أوقفت الحكومة التلاعب بالجداول الانتخابية، وذلك بإصدار مرسوم ضرورة أميري يقضي بالتصويت بالهوية الوطنية بحسب العنوان المسجل بها بشكل تلقائي كل في دائرته، وهو من شأنه أن يحدث خلطة انتخابية ومزيج سكاني بين فئات الناخبين بدلاً من النزوح التسجيلي وراء القبيلة أو الطائفة أو الجماعة الذي كان يحدث بالماضي.
- منعت الحكومة الانحياز الإعلامي الفاضح والترويج لمرشحين بعينهم، خصوصاً بوسائل الإعلام التابعة لها، وأوقفت برامج تحليلية للانتخابات كانت منحازة بتحليلاتها لمرشحين من دون غيرهم.
لقد كان لخطوات الإصلاح الجدية التي انتهجتها الحكومة أثر كبير في نوعية الخطاب الانتخابي للمرشحين، فغابت الشعارات الكبرى: الحكومة الشعبية المنتخبة، القرآن دستورنا، الشريعة مطلبنا، تعديل المادة الثانية من الدستور، لا للاختلاط، نبيها خمس، رحيل الرئيسين... إلخ. وتلاشت البرامج الجادة من الحملات الانتخابية، وشاب المنتديات تراشق لفظي بين المرشحين، وصار معظم ما يتم تداوله هو هجوم هذا المرشح على ذاك، وهو ظاهرة إفلاس في الخطاب الانتخابي تنذر بمواجهات برلمانية لا يستبعد فيها الاشتباكات والضرب، مما قد يؤدي إلى حل البرلمان واللجوء لـ"إجراءات ثقيلة الوقع والحدث"، كما ورد بالخطاب الأميري، ومن ثم دخول الكويت في دوامة سياسية جديدة. ولقراءة نتائج الانتخابات مقالة أخرى.