كغيره من الشعوب العربية استقبل الشارع الليبي فوز تحالف اليمين المتطرف في إيطاليا في 25 من سبتمبر (أيلول) بقلق، خصوصاً أن حزب فراتيلي ديتاليا (إخوة إيطاليا) الذي تقوده جورجيا ميلوني، "هو معسكر سياسي متأثر بالفاشية التي ارتكبت عدة مجازر في ليبيا أثناء فترة الاستعمار الإيطالي" وفق قول مراقبين.
إذ لم تخف ميلوني عداوتها للجالية العربية وللاجئين والمهاجرين غير النظاميين الذين يتخذون في العادة من ليبيا نقطة عبور نحو إيطاليا بحكم القرب الجغرافي بين البلدين وحالة الإفلات الأمني التي تعيشها ليبيا التي تشهد بدورها نشاطاً كثيفاً لتهريب البشر.
وتعد ميلوني التي تستعد لتشكيل الحكومة خلال الأيام المقبلة من أكثر المتأثرين سياسياً بزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان. وتعهدت في تصريحاتها الصحافية بـ"بناء جسر بحري يحد من تدفق الهجرة غير النظامية نحو بلدها الذي تحول إلى مخيم للاجئين في أوروبا"، بحسب وصفها.
فكيف سيؤثر فوز اليمين الإيطالي المتطرف على ليبيا التي تتخبط في وضع سياسي وأمني غير مستقر بسبب فشل إجراء انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية التي تعصف بالبلد منذ انهيار نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011.
التلاعب بالملف الليبي
وفي الصدد يقول رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية جمال الفلاح في حديثه مع "اندبندنت عربية"، إن "وصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في إيطاليا سيلقي بظلاله على العديد من الملفات في البلد لا سيما أن ليبيا مستعمرة سابقة من مستعمرات إيطاليا".
ولم يخف الفلاح خوفه من التغيير السياسي في إيطاليا وأكد أن "هذا المعسكر السياسي يحمل جينات الفاشية والماسونية حيث تعد ميلوني ثاني رئيس حكومة بعد موسوليني يعتنق الأفكار الفاشية التي كان لها بصمة سيئة في ليبيا من خلال القتل والإعدامات".
ويرى أن "صعود اليمين المتطرف في إيطاليا سيغير تماماً السياسة الاتصالية الخارجية لبلده مع جميع الدول العربية، وبخاصة تلك التي تتقاسم حدوداً برية أو بحرية مع إيطاليا استغلها المهاجرون غير النظاميين لدخول البلد بطريقة غير قانونية وعلى رأسها ليبيا".
وتوقع الفلاح أن "تنتهج ميلوني سياسة مغايرة بخصوص الملف الليبي باعتبار توجهاتها تختلف تماماً مع توجهات الحكومات الإيطالية السابقة ومع الاتحاد الأوروبي إذ من المحتمل أن يتم استخدام القوة العسكرية في الملف الليبي الذي يعتبر من مناطق نفوذ إيطاليا التي ترى ليبيا مستعمرة من مستعمراتها السابقة. وقد يصل الأمر إلى إرسال بوارج إيطالية إلى ليبيا من أجل حماية مصالحها والفوز بالنصيب الأكبر من كعكة الثروات التي تزخر بها البلاد ومنها النفط والغاز اللذان يشقان التراب الليبي نحو إيطاليا خصوصاً في ظل أزمة النفط التي ستكون قاسية هذا العام على أوروبا، وهي نقطة ستستغلها الحكومة الفاشية الجديدة".
وحذر من فرض شروط صارمة سواء على الليبيين القاصدين إيطاليا أو المقيمين فيها أو المهاجرين غير الشرعيين الذين استقلوا "قوارب الموت" نحو إيطاليا حيث من الواضح أن ميلوني ستتبع سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب المعادية لعدة دول عربية وإسلامية من بينها ليبيا، لا سيما أن اليمين المتطرف الإيطالي يعرف بمعاداته لبناء المراكز الثقافية التي تدرس اللغة العربية والمساجد وغيرها من المعالم الإسلامية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توطين المهاجرين
من جانبه قال وزير الداخلية السابق عاشور شويل إن "ليبيا لم ولن تنسى مرحلة الحكم الفاشي الذي ما زالت آثاره إلى حد الآن منحوتة في البلد"، واستدرك قائلاً إنه "يجب ألا ننسى كذلك مصالح إيطاليا في ليبيا وبخاصة إثر اندلاع الأزمة الروسية- الأوكرانية وما تبعها من أزمة في النفط والغاز، وليبيا تعد المزود الأساسي لهذه المواد بالنسبة لإيطاليا لذلك ليس من مصلحة عدة دول أوروبية وعلى رأسها إيطاليا التلاعب نهائياً بالورقة السياسية الليبية أو تسليط عقوبات على الشعب الليبي".
وتعليقاً على تخوف العديد من الدول من كراهية ميلوني للمهاجرين غير النظاميين وتأثير ذلك على الدولة الليبية خصوصاً في ظل غياب حكومة منتخبة ومؤسسة عسكرية موحدة، حذر شويل من "تحول ليبيا من نقطة عبور للمهاجرين إلى مركز توطين لهم".
وتابع أن "مشروع توطين المهاجرين طرح منذ عام 2014 بهدف إرجاع المهاجرين غير الشرعيين إلى ليبيا بدل إعادتهم الى بلدانهم الأصلية ومن ثم يتم توطينهم في ليبيا وهو ما سيعمل عليه من جديد حزب فراتيلي ديتاليا مما سيسهم في تأزم الوضع الليبي وسيؤثر على التركيبة الديموغرافية الأصلية للبلد".
عدد المهاجرين أكثر من السكان
وأكد شويل أن "عدد المهاجرين غير النظاميين الموجودين في ليبيا يعد بالآلاف فما بالك إذا اتخذت الحكومة الإيطالية الجديدة قرار إرجاع المهاجرين من جديد نحو ليبيا خصوصاً مع فقدان البلد لعدد كبير من فئة الشباب جراء الحروب والآن عبر الهجرة غير الشرعية ما سيحدث خللاً في التركيبة السكانية الليبية وسيصبح عدد المهاجرين غير النظاميين أكثر من السكان الأصليين".
وأشار إلى أن "هناك مناطق في الجنوب الليبي فاق عدد المهاجرين غير الشرعيين فيها السكان الأصليين رغم محاولة قوات المشير خليفة حفتر تأمين الحدود البرية الجنوبية، ولكن الخط الحدودي الليبي شاسع ولا يمكن للجيش الليبي في الشرق تأمينه في ظل غياب التجهيزات اللوجيستية للحد من ظاهرة اختراق الحدود الليبية".
ونوه شويل أنه "في عهد الرئيس السابق معمر القذافي وباعتبار أن ليبيا تعد نقطة عبور منحتنا أوروبا أجهزة ومعدات ردارية تكشف أو تبلغ عن أي اختراق للحدود، فهذه الأجهزة وصلت قبل اندلاع ثورة فبراير (شباط) وتم تخزينها في الميناء ولكن لا نعلم حتى اللحظة مصير هذه المعدات".
وشدد على أن "السيطرة على الحدود البرية والبحرية تحتاج إلى طائرات ومعسكرات إيواء يجب أن تسهم فيها الدول الأوروبية لضمان عودة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية، لأننا كدولة ليبية ضد أي استغلال للظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية للبلد لتوطين هؤلاء المهاجرين لأن نتائجها ستكون خطيرة جداً على الشعب الليبي وستتغير الخريطة الديموغرافية خصوصاً في الجنوب منبع الثروات المنجمية والمائية".