خلال أسبوع واحد أعلنت إسرائيل مرتين بشكل رسمي علني وصريح أنها توصلت إلى صفقة تفاهمات مع حركة "حماس" في ما يخص استقرارها الأمني مع قطاع غزة، ويستند مضمون الاتفاق إلى خطة الاقتصاد مقابل الهدوء، وجرى التوصل إليه عبر وسيط ثالث على مدى السنوات الخمس الماضية.
وجاء إعلان إسرائيل عن التوصل إلى اتفاق مع الحركة على لسان رئيس وزرائها الموقت يائير لبيد، وكانت المرة الأولى من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ قال للدول المجتمعة "نحن مستعدون لرفع القيود عن غزة، وأخاطب سكان القطاع، نحن نعمل على مساعدتكم في بناء حياة واقتصاد أفضل، وفي إطار ذلك، عرضنا خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، شرط أن توقفوا إطلاق الصواريخ صوب مدننا وتعيدوا أسرانا".
الاقتصاد مقابل الأمن
وكانت المرة الثانية عندما خاطب لبيد المجتمع الإسرائيلي عبر وسائل إعلام عبرية قائلاً "قدمت الخطة الاقتصادية مقابل الأمن لحماس عبر وسيط ثالث، نحن لا نتفاوض مع الحركة بشكل مباشر، وجرى التوصل إلى اتفاق، لكن نطمح أن نصل إلى خطة طويلة المدى يتم فيها بناء الاقتصاد مقابل الهدوء الأمني وعودة الجنود الأسرى".
في الحقيقة صفقة التفاهمات التي كشف رئيس وزراء إسرائيل عن التوصل إليها مع "حماس" ليست جديدة، إذ جزء كبير من بنودها يمارس عملياً على أرض الواقع، كما أنه لم يجر إبرامها أخيراً، بل هي عبارة عن مختلف بنود التفاهمات التي دارت بين الطرفين خلال السنوات الخمس الماضية، وشكلت بمجملها صفقة متكاملة تتطابق مع خطة الاقتصاد مقابل الأمن التي عمل عليها يائير لبيد سابقاً عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشمل صفقة التفاهمات مصالح اقتصادية وامتيازات لغزة، من جهة "حماس" عليها التخلي عن المطالب السياسية الوطنية، وعدم القيام بأي عمل معاد لإسرائيل عسكرياً وشعبياً من قطاع غزة، لكن من دون اهتمام تل أبيب كثيراً بالبيانات الكلامية التي تضم التهديد والوعيد، إضافة إلى حراسة السياج الحدودي الفاصل بين غزة وإسرائيل.
ومن ضمن البنود الأخرى التي يجرى فعلياً تطبيقها من جهة تل أبيب، إدخال العمال إلى الأراضي الإسرائيلية من أجل العمل، وضمان استمرارية فتح وتوسيع عمل المعابر مع غزة، إضافة إلى تحسين نظام الكهرباء والغاز، وإدخال تحسينات كبيرة على الصحة وإعادة بناء البنية التحتية للمباني والنقل، إضافة إلى تعزيز الاستثمار الدولي والمشاريع الاقتصادية، وأيضاً تشييد مناطق صناعية.
وبحسب لبيد، فإن العمل بهذه الصفقة جرى بعد نقاش طويل مع المؤسسة الأمنية في تل أبيب في شأن مخطط يخص الاستقرار مع قطاع غزة، مؤكداً أن إسرائيل كانت تتحدث مع "حماس" طوال السنوات الماضية، إلا أنها تفعل ذلك من خلال طرف ثالث، لأنها قامت بتنفيذ حملة دولية واسعة النطاق للتأكد من تعريف الحركة على أنها منظمة إرهابية.
صفقة خاصة في القريب
ووفقاً لحديث لبيد، فإن إسرائيل كانت تجري مفاوضات مع "حماس" في شأن "صفقة خاصة" تكون أشمل في البنود وأوسع ولزمن أطول، وبدأت المباحثات حولها لكن توقف الأمر بسبب الانتخابات، مشيراً إلى أنه يتعين على الحكومة المقبلة في تل أبيب القيام بذلك، حتى الوصول إلى خطة طويلة المدى يتم فيها بناء الاقتصاد مقابل الهدوء الأمني وعودة الجنود الأسرى.
وبحسب المعلومات الواردة، فإن "الخطة الخاصة" التي تسعى إليها إسرائيل و"حماس" تشمل إمكانية فتح منافذ تجارية جديدة مع غزة، وقبول الحركة مبادئ الرباعية الدولية لتنفيذ مشروع جزيرة اصطناعية قبالة ساحل القطاع وبناء خط مواصلات يربطها بالضفة الغربية.
في الواقع تعد هذه المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يخرج فيها رئيس حكومة يكشف عن التوصل إلى اتفاق مع الفصائل الفلسطينية وبالتحديد حركة "حماس"، ولم يسبق أن جرى ذلك إلا عندما توصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق أوسلو.
"حماس" تسعى إلى تخفيف الأزمة الإنسانية
من جهة حركة "حماس" نفى عضو المكتب السياسي فيها حسام بدران التوصل إلى أي هدوء طويل الأمد مع إسرائيل، أو الموافقة على خطة لبيد في شأن غزة. وقال إنهم يسعون إلى تخفيف المعاناة والأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع، لكن من دون الموافقة على أي اشتراطات إسرائيلية، مشيراً إلى أن تل أبيب هي المسؤولة عن وضع سكان غزة كونها مصنفة وفق معايير الأمم المتحدة أنها احتلال.
وبحسب بدران، فإن تنفيذ خطة الاقتصاد مقابل الأمن ووقف التعزيز العسكري لـ"حماس"، شروط وضعتها إسرائيل مرات عدة لكنها مرفوضة، موضحاً أن تسهيلات تل أبيب لغزة جاءت بعد ضغوط كبيرة فرضتها الفصائل على إسرائيل، وليست نتيجة تفاهمات خاصة. وأكد أن "حماس" تتطلع إلى مضاعفة دور جميع الوسطاء الذين يعملون معها في شأن القضايا مع إسرائيل من أجل التخفيف من معاناة غزة، والاتصالات مستمرة في هذا الاتجاه.
أفضل نموذج أو ترويج انتخابي
من جهة أخرى قال الباحث في الشؤون السياسية حسن عصفور إن حديث لبيد يكشف عن عمق الاتفاق الذي حدث مع "حماس" وسيحدث لاحقاً، لافتاً إلى أن الاتفاق الأمني بين تل أبيب والحركة أثبت أنه أكثر الاتفاقات الأمنية صموداً، وأن الحركة نفذت ما تم الاتفاق عليه بنسبة 100 في المئة، بخاصة ما يتعلق بحراسة السياج الفاصل مع القطاع، مشيراً إلى أن تحقيق ذلك يدفع إسرائيل إلى العمل على ترسيخ سياسي وعملي للحكم القائم في قطاع غزة باعتبارها النموذج المراد.
في المقابل رأى الباحث السياسي تيسير محيسن أن لبيد بتسويقه مثل هذه الأفكار المتعلقة بالصفقة الاقتصادية يروج لنفسه أنه يسعى أمام المجتمع الإسرائيلي لجلب الهدوء عبر صفقة وتحييد المهددات التي تخرج من غزة. وقال إن الصفقة التي تحدث عنها لبيد لم تكتمل معالمها، حتى "حماس" ليست لديها الجرأة أن تذهب بقبولها.