لقد كان شتاءً تشفيرياً بارداً وقاسياً، ولكن بدأت تظهر بوادر ذوبان الجليد، مدفوعة بحال الفوضى التي تشهدها سوق العملات العالمية مع استمرار مكاسب الدولار والخسائر العنيفة التي تطارد اليورو والاسترليني.
البيانات تشير إلى أن عملة "بيتكوين" ارتفعت إلى أعلى مستوى لها في أكثر من أسبوع، حيث ارتفعت بأكثر من خمسة في المئة بعد أن تعرض الجنيه الاسترليني والعملات الأخرى لهزيمة مقابل الدولار القوي للغاية. وأعطت المكاسب مستثمري العملات المشفرة الأمل في أن تصبح عملة "بيتكوين" أصلاً أو ملاذاً آمناً، أو تعمل كأداة تحوط عندما تنخفض الأسهم.
"لا توجد ملاذات آمنة"
بعد ذلك، وفي منتصف النهار تقريباً، نمت قوة الدولار وانهارت عملة "بيتكوين" مرة أخرى، مما أدى إلى القضاء على مكاسبها الأخيرة، لكن عندما يكون الدولار قوياً، "لا توجد ملاذات آمنة"، هكذا حذر غلين جودمان مستشار تشفير "إيترو". وكانت "بيتكوين" تتأرجح بين 18000 دولار و25000 دولار منذ منتصف يونيو (حزيران) الماضي، بعد انهيار هائل قضى على ما يقرب من تريليوني دولار من سوق التشفير. والسوق منخفضة حالياً بنسبة 60 في المئة منذ بداية العام حتى تاريخه. وارتفعت العملة خلال حقبة "كوفيد-19" بسبب رفع أسعار الفائدة التي كانت قريبة من الصفر، والتحفيز النقدي، وتدفق كبير من المستثمرين من المؤسسات الكبيرة، ووصلت إلى مستوى قياسي بلغ نحو 70 ألف دولار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
رفع أسعار الفائدة
بعد ذلك، بدأت البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، وتعززت قوة الدولار الأميركي بشكل كبير، مما أثار شهية المستثمرين باعتباره الملاذ الآمن النهائي. في الوقت نفسه بدأ الاقتصاد في التدهور وهؤلاء المستثمرون الجدد الذين ما زالوا ينظرون إلى "بيتكوين" كأصل محفوف بالمخاطر خرجوا بأعداد كبيرة. وتسبب الانهيار في موجة من حالات الإفلاس بين الشركات الشابة، وبخاصة في منصات تداول العملات المشفرة.
"بيتكوين" تثير اضطرابات مالية أوسع وأعمق
وفق شبكة "سي أن أن"، يقول المؤسس المشارك لمنصة العملات المشفرة "جيميني"، تايلر وينكليفوس، إنه "في المناخ الكلي الحالي، عندما يكون لديك تضخم وعمليات بيع ضخمة ومشاريع تشفير كبرى فشلت، فإن الناس سيتراجعون". وأضاف "لا تزال عملة (بيتكوين) جديدة، لذا لا يزال ينظر إليها من قبل كثيرين على أنها أصل محفوف بالمخاطر. وبينما لا يفضل عدد كبير المغامرة، ستعاني عملة (بيتكوين)، لكن في الوقت نفسه فإن كل الأصول تعاني".
أيضاً، فإن أنصار العملات المشفرة ليسوا سعداء للغاية مع قرارات الاحتياطي الفيدرالي، ويبدو أن هذا الشعور يسير في كلا الاتجاهين. وقد حث رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على مزيد من التنظيم للأصول الرقمية، في مؤتمر بنك فرنسا حول رقمنة التمويل، في حين أن من المرجح أن يدعي المضاربون على ارتفاع العملة المشفرة أن التراجع في الأسواق والأصول الأخرى تسببت في انخفاض قيمة العملات الرقمية. وقال باول إنه قلق في شأن العكس. وأشار إلى أن الانخفاض الأخير في أسعار "بيتكوين" يمكن أن ينتشر ويسبب اضطراباً مالياً أوسع. أضاف أن العملات الرقمية بحاجة إلى التنظيم وأن تكون لديها شيكات مطبقة تماماً مثل أصول السوق الأخرى.
وتابع "هناك حاجة حقيقية لمزيد من التنظيم المناسب"، بخاصة أن العملات الرقمية "تتوسع وتبدأ في الوصول إلى مزيد من عملاء التجزئة". ولم يكن محافظو البنوك المركزية الآخرون على الدرجة نفسها من الدقة مثل باول، فقد قال رافي مينون من سلطة النقد السنغافورية "لا أرى أي قيمة استرداد في العملات المشفرة، لقد حان وقت الحساب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا ينظم الاحتياطي الفيدرالي العملات المشفرة في الولايات المتحدة، لكنه يراقب العملات المشفرة التي تحتفظ بها البنوك. ويفكر البنك المركزي في إطلاق عملة رقمية، والتي تعد في الأساس نسخة رقمية من الدولار. وقال باول إن "هذه العملة لن تأتي في أي وقت قريب. نحن نرى هذا كعملية لمدة عامين على الأقل، ونقوم بالعمل وبناء ثقة الجمهور في تحليلنا وفي استنتاجاتنا النهائية، والتي كما أقول لم نتوصل إليها بعد".
وقبل أيام، وجه الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان"، جيمي دايمون، انتقادات قوية لهذه العملات، واصفاً سوق الـ "كريبتو" بأنها "مشروع احتيالي على غرار مخطط بونزي". وقال في شهادته أمام الكونغرس الأميركي إنه من المشككين الرئيسين بالعملات المشفرة، لكنه اعتبر أن العملات المشفرة المستقرة التي ترتبط بالدولار أو العملات الحقيقية لا تمثل مشكلة. ومخطط "بونزي" هو عملية احتيال تتضمن دفع عوائد للمستثمرين الحاليين من الأموال التي يقوم بضخها المستثمرون الجدد.
1810 مليارات دولار تبخرت في 2022
الإحصاء الذي أعدته "اندبندنت عربية" يشير إلى أن القيمة السوقية للعملات الرقمية انخفضت بنسبة 66.2 في المئة منذ بداية العام الحالي وحتى الآن. وخسرت العملات المشفرة نحو 1810 مليارات دولار بعد أن هوت قيمتها السوقية المجمعة من مستوى 2375 مليار دولار في بداية العام الحالي إلى نحو 925 مليار دولار في الوقت الحالي. وسجلت أكبر أربع عملات رقمية من حيث القيمة السوقية خسائر إجمالية بقيمة 975.6 مليار دولار مستحوذة على نحو 54 في المئة من إجمالي خسائر سوق الـ"كريبتو" خلال تداولات العام الحالي.
العملات الرقمية الخاسرة
في صدارة العملات الرقمية الخاسرة جاءت عملة "بيتكوين"، ومنذ بداية العام الحالي وحتى الآن، تراجعت بنسبة 62.4 في المئة خاسرة نحو 31856 دولاراً، بعد أن نزل سعرها من مستوى 50989 دولاراً في تداولات بداية العام إلى نحو 19133 دولاراً في الوقت الحالي، كما نزلت قيمتها السوقية المجمعة بنسبة 62 في المئة خاسرة نحو 596 مليار دولار بعد أن هوت من مستوى 962 مليار دولار إلى مستوى 366 ملياراً لتستحوذ على 32.9 في المئة من إجمالي خسائر السوق.
وسجلت عملة "إيثريوم" التي حلت في المركز الثاني في قائمة أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة السوقية، خسائر بنسبة 68.4 في المئة فاقدة نحو 2800 دولار، بعد أن تراجع سعرها من مستوى 4090 دولاراً، إلى نحو 1290 دولاراً، كما هوت قيمتها السوقية المجمعة بنسبة 67.4 في المئة خاسرة نحو 327.3 مليار دولار بعد أن تراجعت من 485.5 مليار دولار إلى مستوى 158.2 مليار دولار مستحوذة على 18.08 في المئة من إجمالي خسائر السوق.
وفي وقت استقرت فيه عملة "تيزر" التي جاءت في الترتيب الثالث بين أكبر العملات الرقمية من حيث القيمة السوقية، عند مستوى دولار واحد، فقد تراجعت القيمة السوقية المجمعة بنسبة 12.6 في المئة فاقدة نحو 9.8 مليار دولار، وذلك بعد أن هوت من مستوى 77.7 مليار دولار في بداية العام، إلى نحو 67.9 مليار دولار في الوقت الحالي.
وأيضاً، استقرت عملة "يو أس دي" التي حلت في الترتيب الخامس، عند مستوى دولار واحد، لكن قيمتها السوقية الإجمالية زادت بنسبة 11.3 في المئة رابحة نحو 4.8 مليار دولار، وذلك بعد أن صعدت قيمتها المجمعة من مستوى 42.5 مليار دولار إلى نحو 47.3 مليار دولار في الوقت الحالي.
وفي وقت حلت عملة "بي أن بي" في المركز الخامس بين أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة السوقية، سجلت العملة خسائر خلال تداولات العام الحالي بنسبة 46.5 في المئة فاقدة نحو 247 دولاراً، وذلك بعد أن نزل سعرها من مستوى 531 دولاراً إلى نحو 284 دولاراً، كما نزلت قيمتها السوقية المجمعة بنسبة 48 في المئة خاسرة نحو 42.5 مليار دولار، وذلك بعد أن نزلت قيمتها من مستوى 88.4 مليار دولار في بداية تداولات العام، إلى نحو 45.9 مليار دولار في الوقت الحالي.