أظهرت خريطة عسكرية نشرتها وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء الرابع من أكتوبر (تشرين الأول)، خلال مؤتمر صحافي يومي تراجعاً كبيراً لقواتها في شمال منطقة خيرسون جنوب أوكرانيا.
ومقارنة بتلك المنشورة، الإثنين، بينت خريطة الثلاثاء أن القوات الروسية خرجت من عدد كبير من النواحي بينها دودتشاني الواقعة على الضفة الغربية لنهر دنيبرو في حين يشن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً في المنطقة.
كذلك أظهرت خريطة منطقة خاركيف الواقعة في شمال شرقي أوكرانيا أن الروس خرجوا بشكل شبه كامل من الضفة الشرقية لنهر أوسكيل، وهي الناحية الأخيرة التي كانت القوات الروسية لا تزال تسيطر عليها في المنطقة بعدما تعرضت لهزائم في إطار الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا منذ أسابيع عدة.
لكن الجيش الروسي لم يعلن عن أي انسحاب ولم يدل بأي تعليق في شأن التراجع الذي تظهره الخرائط.
"العدو محبط"
في 11 سبتمبر (أيلول) جاء نشر لقطات لخرائط عسكرية خلال مؤتمر صحافي للجيش الروسي ليشكل تأكيداً على حجم التراجع الروسي في منطقة خاركيف.
من جهتها لم تعط السلطات الأوكرانية معلومات دقيقة حول عملياتها الجارية في منطقة خيرسون، إذ اكتفت قيادة الأركان الأوكرانية بالإشارة في بيان إلى أن "العدو محبط" في الجنوب، وجاء في منشور لها على "فيسبوك" "إنهم يتخلون عن مواقعهم وينسحبون إلى (مناطق تقع على) مسافة آمنة ويدمرون مخازن الذخيرة التابعة لهم ويحاولون تدمير الجسور".
من جهته أعلن مساعد وزير الداخلية الأوكراني يفغيني إنين تحرير 50 ناحية في منطقة خيرسون من دون أن يوضح متى حصل ذلك أو أين في حين يحقق الجيش الأوكراني مكاسب ميدانية منذ أسابيع عدة.
يد بايدن الممدودة
وقال "البيت الأبيض" في بيان إن الرئيس الأميركي جو بايدن أبلغ نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، بأن واشنطن أرسلت 625 مليون دولار أخرى من المساعدات العسكرية، بما في ذلك قاذفات صواريخ "هيمارس".
وتعهد بايدن بتقديم "حزمة مساعدات أمنية جديدة بقيمة 625 مليون دولار تشمل أسلحة ومعدات إضافية، بما في ذلك أنظمة "هيمارس" وأنظمة مدفعية وذخيرة وعربات مدرعة"، بحسب البيان من دون تحديد عدد قاذفات الصواريخ القوية عالية الدقة التي أرسلت.
ويتوجه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي إلى كييف وموسكو في وقت لاحق من الأسبوع الحالي، وقالت الوكالة في بيان، الثلاثاء، إن غروسي "سيواصل مشاوراته" بشأن إقامة منطقة أمان وحماية نووية حول محطة "زابوريجيا" الأوكرانية للطاقة النووية التي تسيطر عليها روسيا.
روسيا تمضي قدماً
ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عازم على المضي قدماً في خطته لضم أربع مناطق أوكرانية إلى أراضي بلاده في وقت لاحق، الثلاثاء، حتى مع دحر أوكرانيا لقواته على جبهتين منفصلتين للقتال، مما يقلص مساحة الأراضي التي يسيطر عليها.
وصعدت روسيا من وتيرة حربها المستمرة منذ سبعة أشهر عبر إطلاق حملة لضم الأراضي وأخرى للتعبئة العسكرية، إضافة إلى إصدار تحذيرات باستخدام الأسلحة النووية وتبدو الآن في عجلة من أمرها لإتمام عملية الضم التي تقول أوكرانيا والغرب إنها غير قانونية ولن يتم الاعتراف بها.
وفي وقت سابق من اليوم، الثلاثاء، صوت "مجلس الاتحاد الروسي" (الغرفة العليا بالبرلمان) لمصلحة ضم المناطق الأربع إلى روسيا التي تمثل مجتمعة نحو 18 في المئة من مساحة أوكرانيا، وقال "الكرملين" إن بوتين قد يوقع وثائق الضم في وقت لاحق من اليوم لإكمال عملية الضم رسمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بروكسل استدعى الاتحاد الأوروبي مبعوث روسيا لديه لإبلاغه برفض التكتل "للضم غير الشرعي" لموسكو وحثها على سحب جميع قواتها من دون قيد أو شرط من كامل الأراضي الأوكرانية.
ولا تسيطر روسيا بشكل كامل على أي من المناطق الأربع التي تقول إنها ستضمها وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون وقال "الكرملين" إنه لم يحدد بعد الحدود النهائية للأراضي التي سيتم ضمها.
واضطرت القوات الروسية إلى التقهقر في الأيام الأخيرة في منطقتي دونيتسك الشرقية وخيرسون الجنوبية ويبدو أنها تواجه صعاباً في التصدي لتقدم الجيش الأوكراني المدعوم بشحنات متزايدة من الأسلحة الغربية، وتأمل موسكو بأن تساعد عملية "التعبئة الجزئية" التي أعلنت عنها قبل أسبوعين على قلب دفة الحرب.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزير الدفاع سيرغي شويغو قوله، الثلاثاء، إن بلاده استدعت حتى الآن أكثر من 200 ألف جندي احتياط من أصل 300 ألف بحسب الخطة.
وفر رجال روس كثيرون من البلاد هرباً من القتال في أوكرانيا، كما يقول محامون روس إنهم باتوا مشغولين بتقديم المشورة القانونية للرجال الذين يريدون تجنب التجنيد. كذلك آثر بعضهم قطع رحلات بطول آلاف الكيلومترات عبر جميع وسائل النقل الممكنة للهروب.
اختراق في الجنوب
واتهم رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، حليف بوتين وزعيم الجارة الشمالية لأوكرانيا، الثلاثاء، كييف بإرسال 15 ألف جندي إلى المنطقة الحدودية لبناء دفاعات وإجراء أنشطة استطلاع وهي عمليات وصفها بأنها تشكل "استفزازات".
وقال مسؤولون أوكرانيون وقائد روسي في المنطقة إن القوات الأوكرانية استعادت قرى عدة على طول نهر دنيبرو الاستراتيجي، الإثنين، في أكبر اختراق لها في الجنوب منذ بدء الحرب.
وفي الشرق وسعت القوات الأوكرانية هجومها بعد الاستيلاء على بلدة ليمان التي كانت تشكل المعقل الروسي الرئيس في شمال دونيتسك بعد ساعات من إعلان بوتين ضم المنطقة الأسبوع الماضي.
وقالت قيادة عمليات الجنوب في الجيش الأوكراني في إفادة الليلة الماضية إن القوات الأوكرانية في الجنوب دمرت 31 دبابة روسية إلى جانب راجمة صواريخ.
وأظهرت لقطات مصورة أوكرانية من نوفوبتريفكا، وهي قرية استعادت كييف السيطرة عليها أخيراً في منطقة خيرسون، جنوداً أوكرانيين يزيلون علماً روسياً من أحد أبراج الكهرباء قبل أن يمسحوا به أقدامهم ويضرموا فيه النيران وبعدها رفعوا العلم الأوكراني مكانه.
وقال فلاديمير سالدو، الزعيم الروسي في الأجزاء المحتلة من إقليم خيرسون الأوكراني، للتلفزيون الرسمي الروسي إن القوات الأوكرانية استعادت مدينة دودتشاني الجنوبية على امتداد الضفة الغربية لنهر دنيبرو الذي يقسم البلاد.
وتقع دودتشاني على بعد نحو 30 كيلومتراً جنوب المكان الذي كان خطاً للجبهة قبل الاختراق الذي حدث، الإثنين، في إشارة إلى أسرع تقدم لأوكرانيا في الحرب جنوب البلاد.
ولم تعلن أوكرانيا معلومات تذكر في شأن خيرسون تماشياً مع سياستها لحجب التفاصيل حول التطورات الجارية. وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في خطابه المسائي المصور إن الجيش استعاد بلدات في عدد من المناطق من دون ذكر تفاصيل وإن القتال العنيف يدور في مواقع عدة.
وعلى الجبهة الشرقية أفاد دنيس بوشلين، الزعيم المدعوم من موسكو في دونيتسك بأن القوات الروسية بعد صدها بدأت ببناء خط دفاع قوي حول مدينة كريمينا.
وفي الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، سقط صاروخ روسي في ضواحي مدينة كراماتورسك الشرقية التي تسيطر عليها أوكرانيا، وقال مراسل لـ"رويترز" في مكان الحادثة إن الصاروخ أحدث حفرة ضخمة في الفناء الخلفي لأحد المنازل.
وعلى بعد نحو 150 متراً يوجد هيكل لصاروخ آخر سقط على ما يبدو من دون أن ينفجر في فناء أحد المنازل بعد ارتطامه بسقفه ونقلت امرأة إلى المستشفى بعدما أخرجها زوجها من تحت أنقاض منزلهما.
لا محادثات مع بوتين
وأعلن زيلينسكي رسمياً في مرسوم صدر، الثلاثاء، أن أية محادثات مع بوتين "مستحيلة"، بينما ترك الباب مفتوحاً للمحادثات مع موسكو إذا جاءها زعيم جديد.
وقال "الكرملين" إن ما يسميه "عمليته العسكرية الخاصة" في أوكرانيا لن تنتهي إذا استبعدت كييف المحادثات مضيفاً أن "التفاوض يتطلب جانبين".
وذكر المتحدث باسم "الكرملين" ديمتري بيسكوف أيضاً أن موسكو لا تريد المشاركة في "الخطاب النووي" الذي ينشره الغرب بعدما أوردت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية أن حلف شمال الأطلسي حذر أعضاءه من أن بوتين ربما يختبر سلاحاً ذرياً على الحدود الأوكرانية، وقالت الصحيفة إن روسيا حركت قطاراً يعتقد أنه مرتبط بوحدة مسؤولة عن الذخائر النووية.
واطلع "الكرملين" على خطة سلام محتملة طرحها الملياردير إيلون ماسك على "تويتر" تتنازل أوكرانيا بموجبها عن شبه جزيرة القرم وتسمح بإجراء استفتاءات جديدة على الأراضي التي تحتلها روسيا وتوافق على أن تكون بلداً محايداً.
وقال بيسكوف عن الخطة التي نددت بها كييف باعتبارها مكافأة مجزية للحرب الروسية، "من الإيجابي تماماً أن يبحث شخص مثل إيلون ماسك عن مخرج سلمي من هذا الوضع".
عن الخطر النووي
وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الثلاثاء، أن أكثر من 200 ألف شخص التحقوا بصفوف الجيش الروسي منذ إعلان الرئيس الروسي التعبئة الجزئية.
وأكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ضرورة أخذ التهديد الروسي باللجوء إلى الأسلحة النووية على محمل الجد، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن المجتمع الدولي أوضح أن مثل هذا التهديد لن يخيفه.
وقالت خلال زيارة إلى وارسو، الثلاثاء، "هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها بوتين إلى مثل هذه التهديدات، إنها غير مسؤولة وعلينا أن نأخذها على محمل الجد". واستدركت، "لكنها أيضاً محاولة لابتزازنا، كما تعلمنا من أكثر من 200 يوم من هذه الحرب العدوانية الوحشية".
وقال مسؤول غربي إنه لا توجد مؤشرات إلى أي نشاط غير عادي يحيط بالترسانة النووية لموسكو في الآونة الأخيرة. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر هويته للصحافيين، "لم نرَ أي مؤشرات أو أنشطة نعتقد أنها خارجة عن المألوف. لم نرَ نشاطاً يتجاوز المعتاد لما تقوم بها تلك العناصر من القوات الاستراتيجية الروسية".