أعلنت قوات أوكرانية أنها استعادت معقل ليمان الرئيس في المناطق المحتلة بشرق أوكرانيا، مما يمثل هزيمة قاسية دفعت حليفاً وثيقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الدعوة لاستخدام محتمل لأسلحة نووية محدودة القوة.
وجاءت استعادة المنطقة، السبت الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعد يوم واحد فقط من إعلان بوتين ضم ما يقرب من خمس مساحة أوكرانيا بما في ذلك دونيتسك، حيث تقع ليمان، إلى جانب وضع المناطق التي جرى ضمها تحت المظلة النووية الروسية. ونددت كييف والغرب بالخطوة التي عملت روسيا جاهدة على إضفاء طابع رسمي عليها، ووصفتها بأنها "مهزلة غير قانونية".
وأعلن جنود أوكرانيون استعادة ليمان في مقطع فيديو تم تسجيله أمام مبنى مجلس البلدية وسط ليمان ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال أحد الجنود "أعزائي الأوكرانيين، تمكنت القوات المسلحة الأوكرانية اليوم من تحرير منطقة ليمان في دونيتسك والسيطرة عليها". وفي نهاية الفيديو قام جنود بالهتاف وإلقاء الأعلام الروسية من على سطح المبنى ورفعوا علم أوكرانيا مكانها.
وفي موقع قريب من ليمان في الشرق الأوكراني قال جندي أوكراني يبلغ 33 عاماً في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية "أنا متفائل ومتحفز جداً. أشاهد ما يحدث على خط الجبهة وما نستعيده من أراض".
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية قبل ذلك بساعات أنها ستسحب القوات من المنطقة نظراً إلى وجود "تهديد بالمحاصرة".
أكبر انتصار
وسقطت ليمان في مايو (أيار) في يد القوات الروسية التي استخدمتها كمركز للوجيستيات والنقل لعملياتها في شمال منطقة دونيتسك. وتمثل استعادتها أكبر انتصار لأوكرانيا في ساحة المعركة منذ الهجوم المضاد الخاطف الذي شنته في منطقة خاركيف بالشمال الشرقي الشهر الماضي.
وتعهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مزيداً من النجاحات السريعة في منطقة دونباس التي تشمل منطقتي دونيتسك ولوغانيسك الخاضعتين للسيطرة الروسية إلى حد كبير.
وقال في خطاب عبر رابط فيديو مساء أمس "خلال الأسبوع الماضي، زاد عدد الأعلام الأوكرانية التي ترفرف في دونباس، وسيكون هناك مزيد منها في غضون أسبوع".
وقال زيلينسكي متوجهاً إلى الجنود والمسؤولين الروس "ما دمتم لم تحلوا مشكلة الشخص الذي بدأ كل شيء، الذي أشعل هذه الحرب المجنونة ضد أوكرانيا، فستقتلون الواحد تلو الآخر وتصبحون أكباش محرقة لأنكم لا تقرون بأن هذه الحرب هي خطأ تاريخي بالنسبة إلى روسيا".
تشكل الاستعادة الكاملة لليمان انتصاراً رئيساً لكييف ونكسة للروس العاجزين عن ترسيخ سيطرتهم على الأراضي التي يحتلونها في أوكرانيا.
على الرغم من الصعوبات التي تواجهها روسيا ميدانياً منذ بدء الهجوم الأوكراني المضاد في مطلع سبتمبر، تسلك الآلية القضائية لضم مناطق أوكرانية مسارها في موسكو.
وقالت القوات المسلحة الأوكرانية في بيان، صباح الأحد، إن طائراتها نفذت 29 ضربة خلال الساعات الـ 24 الماضية، ودمرت أسلحة وأنظمة صاروخية مضادة للطائرات، كما استهدفت القوات البرية مواقع قيادة ومستودعات تضم ذخيرة وتجهيزات صواريخ مضادة للطائرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر البيان الأوكراني أن القوات الروسية أطلقت أربعة صواريخ، وشنت 16 ضربة جوية واستخدمت طائرات مسيرة إيرانية الصنع من طراز "شاهد-136" لمهاجمة بنية تحتية. وأضاف أن أكثر من 30 تجمعاً سكنياً تعرضت لأضرار معظمها في الجنوب والجنوب الشرقي.
وأثارت نجاحات أوكرانيا حفيظة حلفاء بوتين على غرار زعيم منطقة الشيشان في جنوب روسيا رمضان قديروف.
وكتب قديروف على "تيليغرام" قبل كلمة زيلينسكي "في رأيي الشخصي ينبغي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مثل إعلان الأحكام العرفية في المناطق الحدودية واستخدام أسلحة نووية منخفضة القوة".
وانتقدت شخصيات روسية بارزة أمس السبت قادة الجيش الروسي ووزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو على مواقع التواصل الاجتماعي لمسؤوليتهم عن الانتكاسات، لكنها لم تهاجم بوتين.
ويقول مسؤولون روس آخرون، من بينهم الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، إن روسيا قد تضطر إلى اللجوء إلى الأسلحة النووية، إلا أن دعوة قديروف كانت الأكثر وضوحاً.
وقال بوتين، الأسبوع الماضي، إنه لم يكن يبالغ عندما قال إنه مستعد للدفاع عن "وحدة أراضي" روسيا بكل الوسائل المتاحة. وأشار بوضوح، الجمعة، إلى أن هذا يشمل أيضاً المناطق الجديدة التي ضمتها موسكو.
وتؤكد واشنطن أنها سترد بشكل حاسم على أي استخدام للأسلحة النووية.
وقال محللون في معهد دراسات الحرب، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إن الجيش الروسي في وضعه الحالي يكاد يكون بشكل مؤكد غير قادر على الصمود في معركة نووية على رغم أنه يتدرب منذ فترة طويلة على القيام بذلك.
وأضاف المركز "لا يمكن لتجمع فوضوي من جنود متعاقدين منهكين وجنود من الاحتياط جرت تعبئتهم على عجل ومجندين للخدمة الإلزامية ومرتزقة العمل في بيئة نووية. ولن يتمكن الروس من دخول أي مناطق تتعرض لضربات بأسلحة نووية تكتيكية روسية، الأمر الذي من المرجح أن يعوق أي تقدم لهم".
تحركات أوروبية
أعلن رؤساء تسع دول في وسط وشرق أوروبا أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأحد، أنهم "لن يعترفوا أبداً بالمحاولات الروسية ضم الأراضي الأوكرانية".
وقال الرؤساء التسعة (الجمهورية التشيكية وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومقدونيا الشمالية ومونتنيغرو وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا) في إعلان مشترك نشر على موقع الرئاسة البولندية على الإنترنت "لا يمكننا البقاء صامتين في وجه الانتهاك الصارخ للقانون الدولي من قبل الاتحاد الروسي".
وذكر هؤلاء بزيارتهم لكييف و"مشاهدتهم بأعينهم آثار العدوان الروسي".
وأضاف رؤساء الدول الأوروبية التسع "نعيد تأكيد دعمنا لسيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية. لا نعترف ولن نعترف أبداً بالمحاولات الروسية لضم أراض أوكرانية".
وأشار الإعلان أيضاً إلى أن الموقعين عليه يدعمون قرار قمة "الناتو" التي عقدت في بوخارست في 2008 الذي يتعلق بانضمام أوكرانيا مستقبلاً إلى الحلف الأطلسي.
وطالب هؤلاء بانسحاب القوات الروسية، داعين الحلفاء إلى "زيادة مساعداتهم العسكرية لأوكرانيا بشكل كبير".
وتعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد، خلال محادثة هاتفية مع نظيره الأوكراني، "العمل مع شركائه الأوروبيين على فرض عقوبات جديدة" على روسيا بعد ضم موسكو أربع مناطق أوكرانية، وفق ما أعلن قصر الإليزيه.
إلى ذلك، أعلنت برلين الأحد أن ألمانيا والدنمارك والنرويج ستزود أوكرانيا 16 منظومة مدفعية من طراز هاوتزر اعتباراً من العام المقبل، في وقت تسعى كييف للحصول على أسلحة ثقيلة لتعزيز هجومها المضاد ضد روسيا.
ويأتي الإعلان بعد زيارة أجرتها وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريشت لأوكرانيا في نهاية الأسبوع، هي الأولى منذ بدء الهجوم الروسي.
قالت وزارة الدفاع البريطانية إن أهمية ليمان للعمليات ترجع إلى سيطرتها على طريق رئيس يعبر نهر سيفرسكي دونيتس، والذي تحاول روسيا من خلفه تعزيز دفاعاتها.
وأضافت الوزارة أن روسيا تعرضت على الأرجح لخسائر فادحة خلال الانسحاب. وقال متحدث عسكري أوكراني أمس إن روسيا كان لديها ما بين خمسة آلاف و5500 جندي في المدينة قبل الهجوم الأوكراني.
من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم الأحد إن الولايات المتحدة "متحمسة بشدة" للمكاسب الأوكرانية، بينما قال ستولتنبرج إن سقوط ليمان أظهر فاعلية الأسلحة الغربية في الصراع.
وقال ستولتنبرج في مقابلة مع شبكة "إن. بي.سي"، "الحلفاء يكثفون دعمهم لأوكرانيا وهذا هو أفضل طريقة لضمان أن أوكرانيا قادرة بالفعل على تحرير واستعادة الأراضي المحتلة".
وحث البابا فرنسيس الرئيس الروسي على "وقف" دوامة العنف في أوكرانيا، مستنكراً بشدة عمليات ضم المناطق "المخالفة للقانون الدولي".
وقبل صلاة التبشير الملائكي في ساحة القديس بطرس، اليوم الأحد، توجه البابا إلى "رئيس روسيا الاتحادية سائلاً إياه أن يوقف، محبة بشعبه أيضاً، دوامة العنف والموت هذه".
وهذه المرة الأولى التي يسمي فيها البابا الرئيس الروسي مباشرة في خطاب منذ بداية النزاع في 24 فبراير (شباط).
مجلس النواب الروسي
من جهتها، قضت المحكمة الدستورية الروسية، الأحد، بقانونية معاهدات ضم الأراضي الأوكرانية التي وقع عليها الرئيس فلاديمير بوتين وزعماء المناطق الانفصالية والمحتلة في أوكرانيا، الجمعة، في الكرملين.
وأفادت وثيقة نشرت بأن المحكمة "تعترف" بالمعاهدات الموقعة بين موسكو وأقاليم أوكرانيا الأربع، وهي خيرسون وزابوريجيا ودونيتسك ولوغانيسك على أنها "تتماشى مع دستور الاتحاد الروسي".
وقال رئيس مجلس النواب الروسي فياتشيسلاف فولودين إن البرلمان الروسي سينظر غداً الاثنين في مشاريع قوانين ومعاهدات تصديق لضم المناطق.