لساعات احتلّ المتظاهرون في هونغ كونغ مبنى البرلمان مساء أمس الاثنين، قبل أن تتمكن قوات الأمن من إخراجهم، وذلك على وقع تظاهرات مستمرة في المستعمرة البريطانية السابقة إثر قانون علّقته الحكومة سابقا، يقضي بتسليم المطلوبين إلى بكين، لتتخطى الأزمة المتصاعدة منذ ثلاثة أسابيع في تلك المنطقة الصغيرة مرحلة أخرى خطيرة، وفق توصيف مراقبين.
وخلال الساعات الماضية، اكتسبت الأزمة الداخلية بين المواطنين والحكومة في هونغ كونغ بعداً دولياً على وقع تنديد متبادل بين الصين الرافضة لتدخل الدول الأجنبية في شؤون هونغ كونغ من جهة، والولايات المتحدة ودول غربية من جهة أخرى، الداعمين لحق المتظاهرين في التعبير عن رأيهم.
ماذا حدث؟
بحسب ما نقلت وكالات الأنباء، احتلّ متظاهرون معادون للحكومة في هونغ كونغ الموالية لبكين مقر البرلمان لساعات مساء أمس الاثنين، وذلك في ذكرى إعادة المستعمرة البريطانية السابقة للصين.
ولاحقاً تمكنت شرطة مكافحة الشغب من استعادة السيطرة على البرلمان، وفرّ المحتجون من المكان بعد أن شنّت قوات الأمن هجوماً وأطلقت الغاز المسيل للدموع في محيط المبنى بعد تحذير المتظاهرين.
وبحسب وكالة "أ.ف.ب."، رفع المتظاهرون خلال اقتحامهم مبنى البرلمان "العَلَم البريطاني" ورايات الحقبة الاستعمارية ومزقوا صور قادة هونغ كونغ، وعلّقوا لافتات كتبوا عليها "المتظاهرون ليسوا عنيفين، إنه رد فعل على الاستبداد"، وعلى أخرى "الصين ليست هونغ كونغ"، وذلك قبل أن تتمكن قوات الأمن من دخول المبنى وإبعاد المتظاهرين من خلال استخدام رشاشات غاز الفلفل.
وقبيل حادث اقتحام المبنى، خرجت مسيرة حاشدة ظهر أمس، تضمّ عشرات آلاف المتظاهرين في وسط المدينة في ذكرى إعادة المستعمرة البريطانية السابقة للصين عام 1997.
وقالت إحدى المتظاهرات، إيمي سيو، وهي محاسبة تبلغ 37 عاماً "عندما سمعت أن مواجهات وقعت خارج (البرلمان) شعرت فعلاً بالقلق"، وأضافت "أقلق على أمن هؤلاء الشباب، آمل أن يتصرفوا بحكمة". يأتي ذلك فيما يؤكد ناشطون آخرون، ومعظمهم طلاب وشباب، أنهم عازمون على مواصلة حملة العصيان المدني.
وقال جيسون، وهو محاسب في الـ22 من العمر "مهما يحصل لن نفقد الأمل، وسنبقى من أجل ذلك في الشارع"، مضيفا "المقاومة لا تحسم في يوم، بل تحسم على المدى البعيد".
وأمس أيضاً، سيطرت مجموعات صغيرة من المحتجين، معظمهم شبان ملثمون، على المحاور الثلاثة الرئيسة في وسط هونغ كونغ وأقاموا عوائق معدنية وبلاستيكية لقطع حركة السير. وتصدّت للمتظاهرين قوات كثيفة من شرطة مكافحة الشغب المجهزة بالخوذات والدروع وهاجمتهم قوات حفظ النظام بالهراوات وغاز الفلفل.
وفي مؤتمر صحافي، اليوم الثلاثاء، دانت زعيمة هونغ كونغ، كاري لام، الاقتحام "بالغ العنف"، على حدّ وصفها، لمقر المؤسسة التشريعية، والذي وصفته بأنه "مؤلم وصادم". فيما قال رئيس الشرطة، ستيفان لو، الذي كان يجلس إلى جانب "لام" إنّ "عنف المتظاهرين فاق بكثير حدود المطالب بحرية التعبير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويطالب المتظاهرون باستقالة رئيسة الحكومة، كاري لام، ووقف الملاحقات بحق المحتجين الذين أوقفوا في الأسابيع الأخيرة. وتعمد "لام"، التي تواجه رفضا شعبيا قياسيا، إلى تفادي الظهور منذ أن اضطرت إلى تعليق مشروع القانون، وحضرت مراسم رفع العلم أمس الاثنين بمناسبة الذكرى الـ22 لعودة هونغ كونغ إلى الصين، وألقت بهذه المناسبة خطابا قاطعه نائب معارض هتف بشعارات معادية لها قبل أن يتم إخراجه.
وأقرت بأن "ما حصل في الأشهر الأخيرة أثار خلافات ومشاحنات بين الحكومة والسكان"، مستخدمة مرة أخرى خطاب التهدئة الذي تعتمده منذ أيام من دون أن تتمكن من إخماد الاحتجاجات. وقالت "هذا جعلني أعي أن عليّ كسياسيّة أن أدرك وأفهم تماما مشاعر الشعب".
من جانبها، رأت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، أن هذه الأحداث الأخيرة تثبت أن السلطات في هونغ كونغ بدأت تفقد سيطرتها على الأحداث، إذ اشتبك المتظاهرون مع عناصر الشرطة واخترقوا قوات الأمن واقتحموا مقر البرلمان الذي ينظر إليه كرمز استبدادي. وترى الصحيفة أن ما يقلق الآن هو أن الصين ستوظف هذا الأمر لتبرير العنف والقيود التي ستفرضها على السكان.
اضطرابات متواصلة
وخلال الأسابيع الأخيرة، فاقمت المواجهات بين الأمن والمتظاهرين التوتر، في حين كانت حركة الاحتجاجات ضدّ مشروع قانون طرحته الحكومة يرمي إلى السماح بتسليم مطلوبين للصين لا تزال سلمية إلى حدّ بعيد حتى الآن.
وأدّى النصّ الذي تمّ تعليقه لاحقاً إلى خروج تظاهرات حاشدة وصل عدد المشاركين فيها إلى مليونين في 16 يونيو (حزيران) الماضي بحسب المنظمين، من أصل عدد سكان يبلغ سبعة ملايين نسمة.
وبعدما بدأت الحركة رفضا لمشروع القانون، اتسعت للتنديد بصورة عامة بعمل الحكومة التي لم يعد سكان هونغ كونغ بمعظمهم يثقون بها إذ يتهمونها بأنها سمحت بل شجعت على تراجع حرياتهم.
وينظم مؤيدو الديموقراطية من كل الأطياف كل سنة في ذكرى عودة هونغ كونغ للصين تظاهرة يرددون خلالها مطالبهم بالديموقراطية، ومن ضمنها انتخاب رئيس للسلطة التنفيذية المحلية بالاقتراع العام.
وسُجلت مشاركة حاشدة في هذه التظاهرات خلال السنوات الأخيرة. وفي 2014، أدى التيار المطالب بالديموقراطية إلى قيام ما عرف بـ"ثورة المظلات"، التي احتلت مراكز تجارية واستراتيجية في المدينة من غير أن تنجح في انتزاع أي تنازل من بكين.
وتنعم هونغ كونغ بموجب الاتفاق الذي أعيدت على أساسه إلى الصين، بحريات لا تعرفها باقي أنحاء الصين عملا بمبدأ "بلد واحد، ونظامان"، الذي يضمن لهونغ كونغ حكما شبه ذاتي حتى العام 2047 مبدئيا.
تنديد غربي ورفض صيني
فيما تشكّل تطورات الأحداث في هونغ كونغ تحدياً غير مسبوق للرئيس الصيني شي جين بينغ، وتعالت الأصوات الغربية أمس واليوم لدعوة السلطات للسماح للمتظاهرين بالتعبير عن رأيهم. فمن جانبها حضّت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية "جميع الأطراف على الامتناع عن العنف". وأعربت بريطانيا عن دعمها "الثابت" للحريات في هونغ كونغ، وأعرب وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، عن "الدعم الكامل" لهونغ كونغ و"حرياتها"، لكن دعا المحتجين إلى ضبط النفس.
وعبّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن دعمه للتظاهرات، معتبراً أن المتظاهرين "ينشدون الديموقراطية"، ولكن "بعض الحكومات لا تريد الديموقراطية"، في إشارة على ما يبدو إلى بكين.
ووصفت الصين اليوم الثلاثاء تصريح ترمب بأنه "تدخل فاضح" في شؤون هونغ كونغ، وحضّت واشنطن على "الكفّ عن التدخل في الشؤون الداخلية لهونغ كونغ بأي شكل".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، جينغ شوانغ، خلال مؤتمره الصحافي الاعتيادي "نشجب ونعارض بشدة التدخل الفاضح للبلد المعني في شؤون هونغ كونغ والشؤون الداخلية للصين"، وتابع أنه يتعين على الولايات المتحدة "ألا تدعم بأي شكل من الأشكال المتورطين في أعمال العنف وانتهاك القانون".
جاء ذلك في وقت نددت فيه الحكومة الصينية بشدة اليوم الثلاثاء باقتحام متظاهرين للبرلمان في هونغ كونغ، مؤكدة تأييدها التحقيق الذي تجريه السلطات المحلية بهدف تحديد مسؤوليات "مرتكبي أعمال العنف".