بعد تصاعد الأصوات الشعبية الرافضة للقتال بين الفصائل الشيعية في مدينة البصرة جنوب العراق، خصوصاً بين أنصار التيار الصدري ومسلحي "عصائب أهل الحق" الذي أدى إلى زعزعة الوضع الأمني في المدينة، جاء موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لتجميد فصيل "سرايا السلام" التابعة له كاستجابة للضغوط الشعبية والسياسية والدولية بعد أن تحولت المدينة التي ينتج ويصدر عنها أغلب النفط العراقي إلى ساحة قتال.
وأعلن زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، الخميس السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تجميد كل فصائله المسلحة بما فيها "سرايا السلام" في جميع المحافظات باستثناء صلاح الدين، لكنه عاد وأكد أن التجميد سيشمل فقط محافظة البصرة.
وقت القتال في البصرة
ونقل وزير الصدر صالح محمد العراقي عن مقتدى الصدر قوله "نعلن تجميد كل الفصائل المسلحة، إن وجدت، بما فيها (سرايا السلام)، ومنع استعمال السلاح في جميع المحافظات عدا صلاح الدين (سامراء وما حولها)، أو بحسب توجيهات وأوامر القائد العام للقوات المسلحة الحالي".
واعتبر القيادي في التيار الصدري في بيانه أن على قائد القوات المسلحة العراقية "كبح جماح ميليشيات قيس الوقحة" في إشارة إلى "عصائب أهل الحق" وأمثالها، محذراً من اتخاذ "إجراءات أخرى لاحقاً" في حالة عدم التنفيذ، ومؤكداً أن قرار التجميد يأتي من أجل "درء الفتنة في محافظة البصرة".
حصر السلاح
فيما دعا أمين عام حركة "عصائب أهل الحق" في العراق الشيخ قيس الخزعلي، الخميس، إلى حصر السلاح بيد الدولة ومحاسبة المخالفين، في تغريدة على موقع "تويتر".
كما شدد الخزعلي على ضرورة محاسبة مخالفي القرار، داعياً الجهات المتخصصة باتخاذ جميع التدابير والإجراءات الرادعة والحاسمة وتطبيق القانون وفرض النظام على الجميع.
وقال عضو الإطار التنسيقي والقيادي في منظمة بدر حامد الموسوي إن هناك توجهاً دولياً واضحاً لتجريم الفصائل والجماعات المسلحة إذا ما استمر الصراع في ما بينها وأثرت على الحياة العامة للمواطنين.
وأضاف الموسوي أن "المبعوثة الأممية السيدة بلاسخارت أكدت أنه إذا استمر الوضع وتضررت المؤسسات بشكل أكبر وحدث استهداف لمصالح المواطنين والمؤسسات النفطية والموانئ وغيرها، قد يستدعي ذلك تجريم الجماعات المسلحة وجعلها بخانة الإرهاب بقرار من مجلس الأمن".
وشهدت مدينة البصرة اشتباكات عنيفة لأيام عدة بين أنصار التيار الصدري ومسلحين من "عصائب أهل الحق" قرب القصور الرئاسية في المدينة التي تتخذ منها الفصائل الشيعية وهيئة الحشد الشعبي مقراً لها، وأسفرت عن مقتل عدد من الأشخاص وإصابة العشرات.
كما أقيل قائد شرطة البصرة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في المدينة بعد قيام كل من أنصار التيار الصدري والفصائل الشيعية بالاستعراض في مواكب مسلحة وإقامة نقاط تفتيش.
وتعرضت القصور الرئاسية لقصف متواصل بالهاونات وصواريخ الكاتيوشا، ويعتقد أنها من قبل أنصار التيار الصدري وبعض أفراد القبائل المناصرين له.
النفوذ والمال
ويرى الباحث بالشأن السياسي محمد نعناع أن ما يجري في البصرة هو صراع على النفوذ والمال، مشيراً إلى أن دعوات الصدر والخزعلي تندرج في إطار تحصين الجبهة الداخلية وتدوير الكرة في ملعب الآخر.
وقال نعناع إن "النية غير موجودة لحصر السلاح بيد الدولة، فكل طرف يداور الكرة في ملعب الآخر، وكلاهما يحاول كسب الوقت وتحصين جبهته"، مبيناً أن تجميد مقتدى الصدر لسراياه لا يمكن اعتبارها ضمانة وإنما قد يكون تنصلا عما يحدث من اشتباكات.
وأضاف أن ما يحدث في البصرة هو صراع على السلطة والنفوذ والمال، وأن بيان الصدر والخزعلي هو لتحصين الجبهة الداخلية وليس اعترافاً بضرر الصراع ومحاولة لحصره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر نعناع أن الصدر يراهن على استجابة الطرف الآخر في موضوع مفردة حصر السلاح بيد الدولة حتى يبقى المسار المسلح بيده لأنه دائماً يركز أن سرايا السلام أكثر انضباطاً لكونها منسجمة مع توجهات الحكومة العسكرية وتنصاع لها بعكس الفصائل الأخرى التي لديها فسلفة حمل السلاح بما يسمى محور المقاومة، لافتاً إلى أن تسليح السرايا من داخل العراق بعكس بعض الفصائل الأخرى التي تسليحها يأتي من خارج البلاد، وبذلك فإن الصدر يراهن على أن سلاحه مقبول لأنه بجانب الدولة ويأتمر بأمرها.
وعن إمكانية أن يكون هناك تدخل أممي إزاء ما يجري في العراق من زيادة وتيرة العنف، أوضح نعناع أن التدخل في إطار الفصلين السادس والسابع سابق لأوانه، وأنه ربما يصدر تقرير غير ملزم لمراقبة العراق دورياً لتوضيح سلوكه للعالم وهل لا يزال دولة هشة أو قوية.
وعن سبب زيادة وتيرة العنف في البصرة الآن يرى نعناع أنه بعد انحسار الصراع في بغداد انتقل لمناطق أخرى ويمكن أن ينتقل إلى محافظة ميسان (جنوب العراق)، مؤكداً أن كل معالجة لمثل هذه الأزمات التي تعصف بالأمن الداخلي العراقي يجب أن تكون على مستوى عال من المسؤولية والمكاشفة، وأن تكون الخطوة الأولى بنزع الأسلحة في جميع المدن العراقية باستثناء السلاح الرسمي.
السلاح ورقة مهمة
من جهته يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن القوى السياسية تجد أن السلاح سيوفر لها القوة التنافسية للاستحواذ على موارد المحافظة، محذراً من عقوبات مالية قد تطاول العراق إذا ما استمر الصراع.
وقال الفيلي إن "كثيراً من القوى السياسية يرى أن البصرة منجم ريعي لها من خلال وجود الموانئ والنفط والمنافذ الحدودية، وهو ما جعل من هذه المنطقة قبلة لكل الجهات التي تمتلك سلاحاً"، مبيناً أن هذا السلاح بالأساس وجد لتحقيق كثير من مآرب تلك القوى وعنصر قوة لها، لأنها ترى أنه من الصعب الاستحواذ على أي رصيف ومنفذ حدودي ما لم تمتلك سلاحاً.
وعن مطالبة الصدر بحصر السلاح وحل الميليشيات بين الفيلي أن "الصدر يختلف عن الآخرين فهو يرى ضرورة العودة للدولة وكل سلاح يكون موازياً يشكل أذى على الدولة ويقوضها"، مشيراً إلى أن فتوى المرجعية بضرورة حمل السلاح ضد "داعش" استغلتها بعض الجهات والفصائل للانضواء تحت "الحشد الشعبي".
وتابع الفيلي أن "السيد علي السيستاني طالب بعد انتهاء القتال مع (داعش)، الفصائل المختلفة بالانتماء تحت مظلة الدولة، إلا أن تلك الفصائل تحكمها أيديولوجيات وعقائد وهي ترى أن الائتمار بأمر زعيمها وقائد الفصيل أهم وأولى من أي جهة سياسية أم حكومية".
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن أية حكومة قادمة ستكون في وضع حرج لكون شرعية قوتها مرتبطة بقدرتها على ضبط السلم الأهلي وجميع المظاهر المسلحة، لافتاً إلى أن ما يلوح في الأفق هو تدويل القضية العراقية، خصوصاً بعد تقرير بلاسخارت ووصفها كل الطبقة السياسية بالفاسدة.
ورجح إمكانية أن تصدر قرارات دولية قاسية تخص الأموال العراقية، وأن تذهب الأمم المتحدة بموضوع توزيع الموارد بقرارات شبيهة بما جرى في عام 1996 الخاصة ببرنامج النفط مقابل الغذاء وإعطاء خصوصية لكردستان من مبالغ عائدات النفط.
أخطاء الحكومات
ويرى مدير مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية معتز محيي عبدالحميد أن "السلاح المنتشر جاء نتيجة أخطاء الحكومات السابقة والحالية بعدم نزع السلاح من أيدي الميليشيات، حتى وصل الأمر أخيرة إلى مرحلة القتال بين العشائر أمام الرأي العام العالمي والأمم المتحدة وممثليتها في بغداد".
وأضاف أن "تقارير السفارات تؤكد أن أوضاع الحكومة متردية، بخاصة في الناصرية وما يحدث في البصرة"، لافتاً إلى أن الاقتتال الذي حدث في المنطقة الخضراء هو ما أجج روح الثأر.
وأعرب عبدالحميد عن خشيته أن يتوسع حجم الصراع ليشمل محافظات أخرى، مشيراً إلى أن أي احتكاك بين الساسة يكون بالاحتكام إلى السلاح.