في وقت تعيش الجزائر وضعاً داخلياً مريحاً أمام تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، جاء غياب سلع في السوق المحلية ليضع المواطن في حيرة من أمره بين حديث مطمئن وواقع مرهق، الأمر الذي "أربك" الحكومة الجزائرية التي سارعت إلى الإعلان أن قضايا المضاربة ستتم معالجتها على مستوى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
ندرة واتهامات
وقال وزير العدل الجزائري عبدالرشيد طبي، إن هناك لعبة قذرة تخوضها جماعات منظمة من خلال المضاربة بالمواد الغذائية الأساسية والأدوية، وشدد على أنه ثبت للجميع وبما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الأفعال المندرجة في إطار المضاربة أصبحت جرائم منظمة ترتكبها جماعات تسعى إلى زعزعة استقرار المجتمع ومؤسسات الدولة من خلال زرع اليأس في نفوس المواطنين عبر ضرب قدرتهم الشرائية بصورة مباشرة، لافتاً إلى أن المضاربة انتقلت حالياً إلى مرحلة أخرى تتعدى رفع الأسعار، وهو ما يؤكده وجود قرائن ودلائل تدفع إلى الاعتقاد أنها أضحت أفعالاً منظمة تهدف إلى ضرب استقرار الدولة.
أضاف أنه تم أخيراً ضبط شبكات تنشط في مجال المضاربة لها ارتباط بأفعال تهريب تتم عبر الحدود الغربية والشرقية، مستغرباً توفر مواد مدعمة ومحمية بأطر قانونية منظمة في دول مجاورة، وحتى في فرنسا، في حين هي مفقودة داخل الجزائر. وقال إن ما يحدث في السوق مضاربة وجريمة كاملة الأركان، و"من الآن فصاعداً، قضايا المضاربة ستتم معالجتها على مستوى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. لم نكن نريد الوصول إلى هذه المعالجة الصارمة، غير أن ما يحدث من أفعال تخريبية خطيرة جداً تضرر منها المواطن، دفعنا إلى هذا الإجراء"، واتهم جماعات منظمة أقلقها مسار رفع القدرة الشرائية للمواطن وتقليص فاتورة الاستيراد، تعمل على كل ما من شأنه تقويض هذه السياسة.
الوزير الأول يعتذر
وتشهد الأسواق الجزائرية ندرة واسعة في المواد الاستهلاكية والدواء وبعض السلع كما تسجل ارتفاعات في الأسعار غير مسبوقة وغير معلنة ما جعل المواطن تائهاً بين رحلة البحث عن احتياجاته تارة ومواجهة الغلاء الفاحش تارة أخرى، الوضع الذي ألحق ضرراً بالقدرة الشرائية وأثر على المستوى المعيشي، ودفع الحكومة على لسان رئيسها أيمن بن عبدالرحمن إلى تقديم الاعتذار للمواطنين في سابقة الأولى هي من نوعها.
وقال الوزير الأول خلال عرضه بيان السياسة العامة لحكومته أمام نواب البرلمان وهو يغالب دموعه، "أقدم اعتذاري لكل رب أو ربة بيت وجدوا صعوبة في الحصول على بعض المواد واسعة الاستهلاك، وأعدهم بأن الدولة ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه اللعب بقوت الجزائريين وخلق جو من البلبلة، ومن أجل الدفع إلى فتح الباب على مصراعيه للعودة إلى الاستيراد الوحشي السابق واستنزاف مقدرات الشعب والأمة". وأشار إلى أن القدرة الشرائية للمواطن البسيط ضمن أولويات الدولة.
مصلحة اقتصادية مزدوجة
وتعليقاً على الخطوة التي اتخذتها وزارة العدل، قال الحقوقي عابد نعمان "من ناحية الخطورة الجنائية، تعتبر المضاربة مساساً بمصلحة اقتصادية مزدوجة، مصلحة الفرد وهو المستهلك وقدرته الشرائية وحرمة ماله، ومصلحة المجتمع المتمثلة في حرمة السوق والسلعة من ابتزاز أصحاب رأس المال"، بالتالي "أعتقد أن درجة الخطورة التي تعتبر انقلاباً اقتصادياً على الدولة وجعل الشعب وكأنه رهينة حاجاته الضرورية بإعدام قدرته الشرائية، هي التي دفعت إلى التصدي بما يلائمها، أي وصف ما يجري بالجريمة الإرهابية ووضعه تحت طائلة اختصاص محاكم الإرهاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسأل نعمان، رداً على الذين يعتبرون الخطوة تعدياً على الحقوق والحريات "هل حرية مالك رأس المال ووسائل الإنتاج أغلى من حرية المواطن؟". أضاف "لا أعتقد أن هناك عقلاً سليماً وحكيماً يرفض حماية مال المواطن من الابتزاز التجاري".
تغطية على عجز
في المقابل، رأى رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات يوسف ميلي أن هذه الإجراءات متشددة وجاءت بعد عجز الحكومة على التحكم في العملية بالطرق التقليدية القديمة القائمة على المعالجة الإدارية بدل التجارية الاقتصادية. وقال إنها خطوة تصعيدية لمحاولة تدارك ندرة السلع الأساسية المرتبطة بالإجراءات التقييدية في ميدان التجارة الخارجية، موضحاً أنه في ما يتعلق بمعالجة الظاهرة، "كان هناك عدد كبير من المستوردين يتنافسون على السوق، بالتالي كانوا لا يستطيعون التحكم فيها، لكن حالياً وبعد تقليص عدد المستوردين، أصبح ممكناً التحكم في السوق، بالتالي يتسببون في الندرة من أجل رفع الأسعار وزيادة ربحهم".
القضاء يتحرك
ووجه مجلس قضاء الجزائر العاصمة تعليمات إلى نيابات الجمهورية المحلية تدعو إلى إحالة مجموع القضايا المتعلقة بالمضاربة في السلع والرفع غير المبرر للأسعار إلى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة غير الوطنية، بصفتها "وقائع ذات خطورة ارتكبت خلال الفترة الزمنية نفسها بمناطق مختلفة عبر الوطن، ووجود قرائن قوية على طابعها التخريبي والماس بالاقتصاد الوطني، وكذلك الظروف التي ارتكبت فيها تلك الأفعال من جماعات إجرامية منظمة عابرة للحدود". وأكد أنه تم تسجيل تنامي ظاهرة المضاربة غير المشروعة في السلع، بخاصة بعض المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع والرفع غير المبرر للأسعار، بصورة تمس بالقدرة الشرائية للمواطن، على الرغم من الجهود المستمرة التي تقوم بها الدولة لتوفير هذه المواد، وهي أفعال إجرامية تعتبر ضرباً للاقتصاد الوطني، وإجراماً منظما متعمداً يقتضي التصدي له بسلطان القانون وصرامته. وشدد على أن "النيابة ستقدم التماسات بتسليط عقوبات مشددة ضد كل الأشخاص المتورطين، وفقاً للقانون".