يدرك كل من السعودية و المغرب مدى أهمية تطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية وتنمية استثماراتهما الثنائية في عدد من المجالات، والتي لا ترقى كثيراً إلى مستوى تطلعاتهما وطموحاتهما، وذلك حتى تساير بالقوة نفسها العلاقات السياسية والتاريخية المتميزة التي تجمع الرباط والرياض.
وشكلت الزيارة التي قام بها وزير التجارة السعودي ماجد بن عبدالله القصبي، قبل أيام قليلة، إلى المغرب، بمعية وفد اقتصادي مهم يمثل 14 جهة حكومية ويضم أكثر من 90 رجل أعمال، فرصة سانحة لتنزيل هذه التطلعات على أرض الواقع.
علاقات تجارية "محتشمة"
وأقر وزير التجارة السعودي نفسه بأن معدل المبادلات التجارية بين المغرب والسعودية "غير مرض لا يرقى إلى مستوى طموح البلدين، على رغم الإمكانيات التي يتوفران عليها"، وهي القناعة نفسها التي عبر عنها رياض مزور وزير الصناعة والتجارة المغربي.
واتفق الجانبان خلال أشغال المنتدى الاقتصادي المغربي - السعودي على رفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين إلى خمسة مليارات دولار سنوياً خلال الأعوام الخمسة المقبلة، من أجل ضخ دماء جديدة في أوصال العلاقات التجارية "المحتشمة" بين الطرفين.
وكان وزير التجارة السعودي واضحاً عندما وضع إصبعه على "النقص" الذي يعرقل تطور المبادلات التجارية بين البلدين المتحالفين، مشيراً إلى أن هناك مشكلاً في التواصل، وقال إن "التواصل هو الذي يتيح للمسؤولين ورجال الأعمال الاطلاع على الفرص ومعالجة التحديات المختلفة".
من جهته، قال وزير الصناعة والتجارة المغربي لـ"اندبندنت عربية" إن التبادلات التجارية بين الرباط والرياض بالفعل لا تلبي طموحاتهما، مقارنة مع قوة الروابط السياسية والتاريخية بين قيادتي وشعبي المغرب والسعودية، ولفت إلى أن الجانب السعودي اطلع عن كثب على الفرص والإمكانات الاقتصادية والتجارية والصناعية الكبيرة التي يحظى بها المغرب، كما أن الجانب المغربي يدرك مدى أهمية تطوير المبادلات التجارية مع بلد قوي ومحوري مثل السعودية.
فرص المغرب والسعودية
وتعرف السعودية "ثورة" في العديد من المجالات، وفق ما صرح به وزير التجارة السعودي، من قبيل الثقافة والصحة والتعدين والبنيات التحتية والبترول والتمور والكبريت الخام، ما من شأنه جذب الاستثمارات المغربية صوب السعودية.
ويتوفر المغرب، من جهته، على إمكانيات هائلة في مجالات الزراعة من الخضر والحوامض والسياحة والسمك ومستحضرات التجميل، وغيرها من القطاعات الجديدة وعلى رأسها الطاقات المتجددة.
ويبدو أن مشكلة التواصل التي أشار إليها الوزير القصبي قد وجد لها الطرفان حلولاً آنية بدليل الاتفاق، خلال اللقاء نفسه، على برنامج تعاون لتطوير الخبرات وتبادل المعلومات في مجال التقييس، وأيضاً الاتفاق بشأن تطوير التعاون في مجال الاعتراف المتبادل بشهادات "الحلال" والمنتجات الغذائية بين المغرب والسعودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن المغرب لا يتطلع فقط إلى تطوير علاقاته التجارية مع السعودية، بل يرنو أيضاً إلى أن تساهم الرياض مالياً في صندوقه الاستثماري الذي سيتأسس بميزانية مالية تبلغ 4.5 مليار دولار، والذي يهدف إلى التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا، ومواجهة آفة التضخم العالمية.
أرقام ضئيلة
وفي هذا الصدد، رأى أستاذ الاقتصاد بجامعة مراكش فريد شوقي أن المنتدى بين السعودية والمغرب كان فرصة للتشاور حول سبل تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وتحديد الوسائل لتسريع وتيرة هذه العلاقات التي عرفت تطوراً وتحسناً طفيفاً، وأوضح شوقي أن "حجم المبادلات التجارية بين المغرب والسعودية تجاوز 19 مليار درهم (حوالى 1.729 مليار دولار) مقابل 14.3 مليار درهم (نحو1.3 مليار دولار) عام 2019. ولفت شوقي إلى أن "هذا التطور الطفيف يعكس عودة الثقة إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين". وقال أيضاً إن هذه المبادلات التجارية بين المغرب والسعودية، لم ترق بعد إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية والتاريخية العريقة بين الطرفين منذ عقود".
واعتبر شوقي أن إحداث 250 شركة سعودية في المغرب و20 شركة مغربية في السعودية، وفق ما أعلن عنه رئيس اتحاد مقاولات المغرب شكيب لعلج، هي أرقام ضئيلة بالنظر إلى حجم العلاقات الثنائية بين الرباط والرياض.
إمكانيات التطور
وتابع شوقي أن هذه المكاسب غير كافية وتعود أساساً إلى فترة اتسمت بالجمود بين البلدين، وتحديداً في عام 2019، عند اندلاع الأزمة الخليجية التي أثرت على دول مجلس التعاون الخليجي، وأوضح أن المنتدى أكد أن هناك مجالات ذات أولوية يمكن للبلدين تطوير علاقاتها فيها بشكل جيد ما يتلاءم ومصالح كل بلد، وأيضاً مع شركائهما، ويكون لها تأثير إيجابي على الصعيد الخليجي والعربي، مثل الطاقات المتجددة والسياحة والصناعات الغذائية والتكنولوجيا. ولفت أيضاً إلى أن "العلاقات المغربية - السعودية في المجال السياسي والجيوسياسي والاقتصادي كانت دائماً مبنية على مبدأ المشاركة وتبادل الآراء في تنفيذها، إلا أن المحيط الذي تغير يفرض على البلدين إعادة النظر في منهج العلاقات والحوار لتجاوز الإكراهات الموجودة في محيط البلدين معاً". وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن "الوتيرة التي تسير بها العلاقات الاقتصادية بين المغرب والسعودية يمكن أن تشهد تطوراً جيداً، وتفرز عدداً من الاتفاقيات والاستثمارات الثنائية المهمة".