لأنه دائماً يغرد خارج السرب، تميز عن الجميع وحفر شخصية لا تشبه أحداً، ممثلاً ومنتجاً وصانعاً ومشاركاً في السينما والدراما المصرية والعربية.
لكل هذه الأسباب، جاء اختيار محمود حميدة لتحمل الدورة الـ38 من مهرجان الإسكندرية اسمه، وحرص المهرجان على تكريمه بندوة ضخمة حضرها معظم صناع الفن والدراما وعلى رأسهم إلهام شاهين، التي عادت خصيصاً من رحلة أوروبية أعقبت حضورها مهرجان الأمل السينمائي لتحتفي بصديق العمر، على حد قولها، الذي شاركها رحلة الكفاح.
كما حضر الندوة الناقد السينمائي الأمير أباظة رئيس المهرجان، والمخرجون الكبار علي بدرخان ومحمد عبد العزيز وهاني لاشين وعمرو عابدين وعمر عبد العزيز والفنانون حمزة العيلي وسلوى محمد علي والكاتب عاطف بشاي والإعلامية الكاتبة السورية ديانا جبور، وخالد عبد الجليل مستشار وزيرة الثقافة لشؤون السينما.
غير متوقع
حميدة قال إن كل ما يحدث له "غير متوقع"، خصوصاً هذا الاحتفاء الكبير، الذي يشعره بقيمته كفنان يقدره المجتمع، على الرغم من أنه حصل على تقدير كبير من قبل، لكن وجود دورة باسمه في مهرجان عريق كان يتابعه قبل أن يصبح ممثلاً أو أحد أعضاء صناعة السينما هو "حلم كبير".
وأضاف أنه يعتبر نفسه من الجيل الذي ينظر للفيلم أنه "عمل جماعي يقوده رب العمل وهو المخرج"، ويعتبر الممثل في أي عمل فني هو الظاهر فقط من جبل الجليد، لكن هناك أفراداً كثيرين لكل واحد منهم دور مهم في خروج العمل في أحسن صورة، بداية من مهندس الديكور ومدير التصوير والمونتير.
وأشار حميدة إلى أنه لم يعد الأمر خافياً على الجمهور، بالعكس فهو يفهم الآن المنظومة ويعي أبعادها وأضلاعها وكواليس أي منتج فني.
اختلافات
وكشف حميدة الفرق بين التمثيل في السينما والمسرح قائلاً "هناك اختلافات كثيرة، أهمها درجة التركيز ومداه، فالمسرح يحتاج من الممثل صدقاً كاملاً لفترة معينة من الزمن، ربما يوم أو أكثر طوال فترة العرض، لكن السينما قد تتطلب صدقاً وتركيزاً ومعايشة لسنوات طالما العمل ما زال يتم تصويره".
وأشار إلى أن هناك اختلافاً في "طريقة التصوير والسرد بين المجالين، فالمسرح سرد منطقي متسلسل، بينما السينما قد نصور جزءاً في البداية وهو آخر مشهد في الفيلم، ويتم التصوير من دون تتابع حتى يتم المونتاج، الذي يقوم على رؤية المخرج فقط وتفكيره في طريقة ظهور العمل المصنوع، لذلك ففن المونتاج مهم جداً لأنه قد يعطي الفيلم شكلاً وهدفاً غير الذي نفهمه أثناء التصوير".
علاقات الزمالة
واعترف محمود حميدة بأنه لم يكن في بداياته جيداً في التعامل مع الزملاء من صناع العمل، وقال إنه يتذكر في أوائل أعماله أنه كان يظل في غرفته يذاكر دوره ويركز فيه فقط، ولم تكن علاقته بالزملاء متوطدة حتى حدث موقف غير من طريقة تفكيره وتعامله.
وأوضح أنه "في فيلم المساطيل، حينما لاحظ مخرج العمل حسين كمال عزوفه عن التقرب من الزملاء ومعاملتهم بجفاء متعللاً بالتركيز على الدور والحفظ"، تجاهل حسين كمال حميدة تماماً، وكان يرسل له التعليمات أثناء التصوير مع المساعدين من دون التواصل المباشر معه في أي حديث من أي نوع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكمل أنه "بعد تصوير العمل لقنه درساً في أن الجميع يجب أن يتعاملوا بحب وإنسانية، والتمثيل ليس فقط تجسيداً أمام الكاميرا، بل هو عالم من العلاقات والناس والتفاعل بين عشرات ومئات على مدار أيام حتى يخرج العمل للنور، وشدد عليه أن يعي هذه النقطة وإلا نهايته ستكون قريبة كممثل".
ولفت حميدة إلى أنه بعدها أصبح شخصاً آخر شديد الحرص على أن تكون علاقته بكل صناع العمل جيدة وعلى تواصل، لأنه وعى جيداً أن الفن ليس تمثيلاً فقط، وهناك كثيرون يغفلون هذه العلاقات، وأيضاً تعلم على حد قوله أن يسأل عن أي شيء ليكون على وعي كامل بكل وظائف صناع العمل.
خط بياني
أوضح حميدة أنه لم يكن يضع خطة أو يسأل نفسه لماذا يحب الفن حتى حدث موقف أثناء تصوير فيلم "الغرقانة"، الذي لعبت بطولته نبيلة عبيد، وفي إحدى المرات سأل مخرج الفيلم محمد خان الفنان الكبير محمد توفيق ما هي متعتك في التمثيل؟ ثم وجه له السؤال نفسه.
وفكر حميدة لحظتها ماذا يريد من الفن؟ وكانت إجابته أنه سيظل محافظاً على الخط البياني له داخل العمل، وفي أن يكون عنصراً فعالاً لخروج عمل مميز ولا يراه بشكل فردي، ومن وقتها بدأ فعلياً في أن يفكر كواحد من أفراد العمل، وانشغل بكيفية أن يصنع مع زملائه لقطة حلوة من أجل الفيلم.
كما وضع هدفاً أمام عينيه، وهو أنه لا بد أن يخلق علاقات اجتماعية مع زملائه داخل "اللوكيشن" وأن يتلقى المعلومة بتواضع، وهذا درس لم ينسه طوال مشواره.
خلع أسنان
وعن خلعه أسنانه في فيلم "جنة الشياطين"، الذي أنتجه وقام ببطولته في دور شخص ميت طوال الأحداث، قال حميدة إنه رأى مع المخرج أسامة فوزي أن خلع الأسنان سيكون أفضل في التصوير، وتعذر عمل مكياج أو خدعة لتعطي صورة جيدة للشكل المطلوب.
لذلك خلع حميدة أسنانه، على الرغم من أن هذا أذى واضح، وظل يعاني فترة طويلة من هذا الأمر صحياً بسبب عدم عودة فكه الأمامي لطبيعته بعد خلع سنين من أسنانه، لافتاً إلى أن "الممثل الحقيقي يظل يعطي ويضحي إلى أقصى حد يمكن تحمله حتى نهاية عمره".
سر الاستمرارية
وفي تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، قال حميدة إنه يفصل نفسه تماماً بشخصيته وقراءاته وآرائه عن أي عمل سيجسده، ولا يعرف سر استمراريته حتى الآن، وقد يكون الإخلاص في الفن هو من يعطي الشخص استمرارية وقوة.
وأشار إلى أن الإتقان في الفن والعمل والدقة هي طريقة حياته بوجه عام، وأنه قبل أعمالاً لمجرد أنها أعجبته على الرغم من عدم تناسب الأجر معها، ورفض أعمالاً على الرغم من المغريات لعدم إعجابه بها، ومقياسه في الاختيار هو الدور الجيد والفكرة التي تستهويه مهما كان الدور وحجمه وطبيعته، لذلك شارك في مشروعات كثيرة لشباب جدد وغامر مع جيل من الموهوبين ليس لهم تجارب سابقة، وكل هذا لا يخيفه، لأن الفنان يظل يتعلم حتى آخر يوم في حياته.
واعترف حميدة أنه لم يكن نجم الشباك والإيرادات الأول، وربما هو ممثل ثقيل ومهم في العمل، لكنه لم يكن محسوباً على فكرة الإيرادات ولعبتها وصناعتها.
وأشار إلى أن هناك نجوماً كثيرين محسوبين في صناعة السينما تحت هذه الفئة، مثل أحمد زكي ونور الشريف ونبيلة عبيد ونادية الجندي وإلهام شاهين ويسرا، وشارك معهم جميعاً في البطولة، لكنه لم يكن محور وسبب الإيرادات على الرغم من أنه يعرف أن الجمهور يدخل ليشاهده، لكنه ليس سبب الإيرادات الأساسي.
وأضاف أن العصر تغير الآن وهناك نجوم شباك مختلفين عن العصر الذي بدأ فيه، وحالياً هناك أحمد عز وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز وغيرهم من نجوم الشباك، وطوال تاريخ السينما في مصر أو العالم هناك نجوم شباك حسب منظومة الصناعة.
ولفت محمود حميدة إلى أن هناك أعمالاً له قد تكون لم تحقق النجاح المطلوب وهذا لا يزعجه، لأنه طبيعي وموجود في مسيرة أي فنان، كما نفى اعتقاده بضرورة أن يكون الفنان قدوة يحتذى بها، وتساءل كيف يكون الفنان قدوة وهو قد يقوم بدور رئيس عصابة أو قاتل أو مرتش.
ويرى أن الفنان يجب ألا يتخذ كقدوة، لأنه يعيش حياة أخرى غير حياته لدرجة أنه يصدق أنه انفصل عن ذاته وقد يصاب بما يسمى الفصام أو انفصام الشخصية، وأشار إلى أنه ليس له قدوة محددة في النجوم السابقين، لأن لكل شخص بصمة تخصه فقط، ولا يشترط أن يثمنها هو ويتخذها قدوة.