من أفلام ومسلسلات تضم شخصيات تعاني اضطرابات ثنائية القطب إلى فنانين يتحدثون علانية عن إصابتهم بالاكتئاب، تساعد الثقافة الشعبية بدرجة متزايدة على فهم الاضطرابات النفسية، على رغم استمرار وجود أحكام مسبقة كثيرة في هذا المجال.
وعلى مدى السنوات الـ10 الماضية، صدر عدد كبير من الأعمال التي تسلط الضوء على قضايا الصحة العقلية. من "هوملاند" إلى "13 ريزنز واي"، مروراً بـ"هابينس ثيرابي" وغيرها، إنتاجات كثيرة قدمت على الشاشة شخصيات رئيسة تعاني القطبية الثنائية أو من اضطرابات القلق. كما تجرأ فنانون ورياضيون كثر على البوح بمكنوناتهم في هذا المجال. ومن بين هؤلاء، ماريا كاري وكانييه ويست اللذان كشفا عن معاناتهما اضطراباً ثنائي القطب. وفي عام 2021، كشف المغني البلجيكي ستروماي عن معاناته الاكتئاب، وكسر المحرمات من خلال أغنيته "هل"، بعد موجة ألبومات سجلها أصحابها كنوع من العلاج النفسي لهم، بينهم نجوم مثل أديل أو بيلي أيليش.
وانسحبت رياضيات مثل ناومي أوساكا أو سيمون بيلز من مسابقات رياضية بهدف معلن يتمثل في الحفاظ على صحتهن العقلية.
الأحوال تغيرت
ويقول الطبيب النفسي في مستشفى سانت أنطوان في باريس جان فيكتور بلان، "إننا نشهد على سيل من الشهادات حول هذا الموضوع، وكل القطاعات معنية، وهذا يتيح تغيير التصورات التي كانت لدينا عن المشكلات النفسية".
وقد أطلق بلان، مؤلف كتاب "Pop & Psy" الصادر عام 2019، مهرجاناً يحمل العنوان عينه استضافته العاصمة الفرنسية نهاية الأسبوع الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن خلال الجمع بين الطاولات المستديرة والمناقشات وورش العمل والحفلات الموسيقية الحية، يهدف الحدث إلى "نفض الغبار عن الأفكار المتوارثة حول الطب النفسي".
ويوضح جان فيكتور بلان "لفترة طويلة ارتبطت الاضطرابات النفسية بشكل منهجي بالعنف أو بأعراض لا علاقة لها بالاعتلال النفسي".
ويتابع قائلاً "على رغم كل قيمتها الفنية فإن أفلاماً مثل (Flight over the Cuckoo's Nest) أسهمت في نقل صورة سلبية عن مستشفى الأمراض النفسية، لكن الأحوال تغيرت، وبتنا نشعر اليوم أن إنتاج مسلسل مع شخصية متأثرة باضطراب عقلي أصبح أمراً لا مفر منه"، وفق بلان.
إزالة النبذ
وتشير التقديرات إلى أن شخصاً من كل أربعة أشخاص سيواجه خلال حياته مشكلة في الصحة الذهنية من قريب أو من بعيد. ولم تساعد أزمة "كوفيد-19" في حل الأمور، إذ أثرت في الروح المعنوية لكثير من الناس، وخصوصاً الأصغر منهم.
وتشرح المديرة العامة لجمعية "لوفر فالريه" المعنية بمواكبة الأشخاص ذوي الاضطرابات النفسية ساندرين بروتين "مع هذه الأزمة (كوفيد) لمس الجميع حقيقة أن الصحة العقلية يمكن أن تترنح". وتضيف "بات يتم الحديث عنها أكثر، لكن لا يزال هناك كثير من المحظورات".
الطبيبة النفسية فاني جاك تقول من ناحيتها "في ما يتعلق بالأشكال الجدية، تبقى هناك كليشيهات، والحديث عنها ليس دائماً عنصراً مساعداً"، مستشهدة بمثال بريتني سبيرز التي حلقت رأسها بصورة مفاجئة بعد معاناة من حالات إدمان واكتئاب.
وأكثر المغالطات ترتبط خصوصاً بالفصام، وهو مرض نفسي مزمن معقد، إذ يتهم الأشخاص المصابون به زوراً بالعنف.
ويوضح الطبيب النفسي جيل مارتينيز، مدير فرع الصحة العقلية في المجموعة الاستشفائية الجامعية في باريس "نحن نعلم أنه كلما تم تقديم العلاج مبكراً، كانت النتائج أفضل، لذلك من الضروري العمل على إزالة النبذ المرافق لهذه الأمراض لتسهيل الوصول إلى الرعاية".
ويستذكر قائلاً "قبل خمس أو 10 سنوات، عندما بدأت شخصيات تتحدث عن اضطراباتها ثنائية القطب، رأينا سيلاً من طلبات الاستشارة الطبية"، مشيداً بكون الجيل الشاب "يتمتع اليوم بإمكانية الوصول إلى تجسيد مختلف للمشكلات النفسية".