يخيم شبح الجوع على السباق الرئاسي البرازيلي هذا العام، وقلما شهدت البلاد مثل ذلك من قبل.
أدى تفشي التضخم وتداعيات الوباء إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في البلاد وانحداره إلى مستويات لم يكن من الممكن التكهن بها قبل عقد من الزمن، إذ يقول واحد من كل ثلاثة برازيليين، إنهم عانوا أخيراً لإطعام أسرهم.
قام الرئيس جايير بولسونارو، المتأخرة مرتبته في استطلاعات الرأي والمتلهف لتقديم الإعانة، بتغيير قوانين الميزانية لتعزيز برنامج الرعاية الاجتماعية الرئيس في البرازيل بنسبة 50 في المئة حتى نهاية العام.
لكن ذلك لم ينجح في إحداث أي تغيير حتى الآن، لا سيما أن استطلاعات الرأي تظهر أن دعمه من قبل أفقر البرازيليين إما ثابت أو في انخفاض منذ أن بدأت المساعدات الأكثر سخاء.
أحجم متلقو الرعاية الاجتماعية الذين قابلتهم "رويترز" في ست ولايات عن منح بولسونارو الفضل في مد المساعدات الحكومية حتى نهاية العام. وذكر معظمهم أنهم سيدعمون منافسه اليساري، الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي خفض معدلات الجوع والفقر المدقع بفضل طفرة السلع الأساسية خلال فترة رئاسته 2003-2010.
تناضل العائلات في الأحياء الفقيرة في المدن البرازيلية لإطعام نفسها في ظل تصاعد وتيرة الجوع في هذا البلد الذي يعد قوة عالمية في مجال تصدير الغذاء.
تقول دونا مونيكا التي تسكن في مدينة الصفيح (فافيلا) أركو إيريس Arco Iris (قوس قزح) وتفوح منه رائحة المجاري والبول في مدينة ريسيفي الشمالية الشرقية حيث تنتشر حمى الضنك: "نحن المنسيين. لا يوجد وجبة الغذاء اليوم".
في وسط ساو باولو، وهي أكبر مدينة في البرازيل، تعيش كارلا ماركيز مع زوجها كارلوس هنريك مينديز، 25 سنة، وابنتهما البالغة من العمر خمس سنوات في غرفة تدفع ثمنها كنيسة. "لم نشتر الطعام منذ زمن طويل. فالأسعار مرتفعة بشكل لا يعقل". قالت الأم البالغة من العمر 36 عاماً وهي تبكي "ليس لدي ما أعطيها إياه".
خريطة الأمم المتحدة للجوع
يبدو أن الانتخابات البرازيلية ستتحول إلى مسرح آخر من مواجهة التضخم الغذائي العالمي المرتفع الذي يزعج شاغلي المناصب [المسؤولين وأصحاب القرار]، لكن فعلياً، وخلال القسم الأكبر من السنوات العشرة الأخيرة، كانت معدلات الجوع ترتفع وتعود إلى أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية.
قبل ثماني سنوات فقط، حققت البرازيل وقبل الموعد المحدد هدفها الذي وضعته الأمم المتحدة للقضاء على سوء التغذية على نطاق واسع، ولكن منذ ذلك الحين تضاعفت نسبة البرازيليين الذين يقولون إنهم لا يستطيعون إطعام عائلاتهم في الأشهر الـ12 الماضية إلى 36 في المئة، وفقاً لمؤسسة غيتويليو فارغاس Getulio Vargas Foundation.
والنتيجة هي إجماع عبر النخب البرازيلية السياسية على أن البلاد بحاجة إلى شبكة أمان اجتماعي أقوى. دعم كل حزب ومرشح رئيس تقريباً تقديم مكافآت نقدية "طارئة" لـ20 مليون أسرة، التي يستفيد منها برازيلي واحد من أصل أربعة تقريباً- مما يجعلها واحدة من أكثر برامج الرعاية الاجتماعية شمولية في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول مارسيلو نيري من مؤسسة غيتويليو فارغاس، إنه لم ير قط سابقاً قضية الجوع تناقش بهذا الشكل المحوري في المواجهات الانتخابية، مضيفاً "الطيف السياسي بأكمله يتحدث عن انعدام الأمن الغذائي، والتركيز على هذه القضية في كل مكان".
وعد كل من بولسونارو ولولا بأنهما سيعملان على تمديد برنامج الرعاية الاجتماعية الأكثر سخاء لهذا العام أو حتى توسيعه ولكن لم يشرح أي منهما كيف سيمولان ذلك – إلا أن المحللين يعتقدون أنه سيعني إنهاء حد الإنفاق الدستوري الذي حدد السياسة المالية على مدى السنوات الست الماضية.
لولا في المقدمة
أظهرت استطلاعات رأي الناخبين أن بولسونارو نجح في تضييق تقدم لولا في وقت سابق من هذا العام من خلال زيادة مخصصات برنامج "أوكسيليو برازيل" Auxilio Brasil (المساعدات البرازيلية) للرعاية الاجتماعية والعمل على خفض تكاليف الوقود، لكن المرشح الرئاسي لولا بدأ بتوسيع الفارق بالنقاط مرة أخرى في الأسبوعين الماضيين.
حصل لولا على 48.4 في المئة في الجولة الأولى من التصويت يوم الأحد الماضي، في حين حصل بولسونارو على 43.2 في المئة- مما يعني أن لولا فشل في تحقيق انتصار حاسم. سيتم تحديد نتيجة الانتخابات في الجولة الثانية من التصويت في غضون ثلاثة أسابيع.
فيليبي نونيس، خبير استطلاعات الرأي من شركة "كويست للاستشارات والأبحاث" Quaest Pesquisa e Consultoria قال لـ"رويترز" "لم تحقق المساعدات التأثير الذي توقعته الحكومة. اعتبر عامة الناس أن الزيادة مجرد مناورة انتخابية وواصلوا رفض هذه الحيلة".
وافق الخبير الاقتصادي من مؤسسة "غيتويليو فارغاس" على أن صدقية المرشح لولا أعلى بين فقراء البرازيل، لأن إجراءات الرعاية الاجتماعية لبولسونارو كانت غير منتظمة وعشوائية. وقال، إن الحكومة خفضت المساعدات الطارئة ثم علقتها بعد جائحة "كوفيد-19"، وعندما تمت إعادة الرعاية الاجتماعية كانت قيمتها أقل.
وفي الوقت نفسه، استمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، مدفوعة بتكاليف الوقود والنقل حيث زادت بنسبة 9.83 في المئة في العام.
وقالت لوسيانا ميسياس دوس سانتوس (29 سنة) "يقول الناس إن بولسونارو يساعد، لكنه يمنح المساعدة [بيد] ثم يأخذها منك [بيد أخرى]. كان الوضع أفضل بكثير مع لولا".
داخل كوخها الخشبي في فافيلا استروتورال Estrutural، أكبر أحياء مدن الصفيح في العاصمة البرازيل، اضطرت لوسيانا إلى تعديل موقدها ليستخدم للطهي بالخشب كوقود لأن الغاز باهظ الثمن.
نفى بولسونارو أن يكون الجوع قد وصل إلى مستوى حرج في البرازيل، وأبدى غضبه بسبب الأهمية التي اكتسبتها قضية الجوع في الحملة الانتخابية. وقال في أغسطس (آب) الماضي، "الجوع في البرازيل؟ ليس موجوداً على النحو الذي تروج له التقارير الصحافية".
في الأسبوع الماضي، تهجم وزير اقتصاده باولو غويديس على استطلاع قامت به شبكة "بينسان" Penssan Network ذكر أن 33 مليون شخص يواجهون المجاعة قائلاً "إنها كذبة، فذلك ليس حقيقة. هذه ليست هي الأرقام الصحيحة".
في ريو دي جانيرو. تقول كارلا فيليسيانو، 38 سنة، التي تحصل من الحكومة على الرعاية الاجتماعية، إنها تعيش من خلال جمع الفاكهة والخضراوات من حاويات القمامة خارج سوق البلدية. وقالت إن الحياة أصبحت صعبة للغاية بعد الجائحة في ظل حكومة بولسونارو.
وأوضحت "سواء كان هناك مساعدة حكومية أم لا، ليس هناك أي فرق. سأصوت لصالح لولا. سأموت وأنا أؤيد لولا".
المساعدات الحكومية كحيلة انتخابية
انخفض متوسط دخل البرازيليين الفقراء إلى المستويات الذي كان عليها قبل 10 سنوات، مما زاد من حدة عدم المساواة الاجتماعية الصارخة في البلاد.
ركز بولسونارو على الفوز بأصواتهم الانتخابية التي يحتاج إليها من أجل إعادة انتخابه- وهي مهمة شاقة ضد لولا، الذي انتشل برنامجه المشروط للمساعدات النقدية المسمى Bolsa Familia (المنحة العائلية) الملايين من الفقراء عندما كان في منصبه.
أعاد بولسونارو تسمية برنامج لولا وأطلق عليه اسم "أوكسيليو برازيل" ولذلك لفك ارتباط الرعاية الاجتماعية هذه بلولا، إلا أن ذلك لم يحقق له أي مكاسب انتخابية على النحو الذي كان يأمله.
قال كارلوس زوج كارلا، الذي يعمل على جمع نفايات الكرتون في شوارع ساو باولو "حاول بولسونارو استخدام هذه الحيلة، لكنها لن تساعده"، لافتاً أنه سيصوت لـلولا وحزب "العمال" التابع له لكن زوجته غير متأكدة من خيارها.
تقول إديلين ألفيس، التي تعيش في خيمة مع أطفالها وأحفادها على بعد نصف ميل (750 متراً) فقط من القصر الرئاسي في برازيليا، إن حيلة بولسونارو لا تنطلي عليها.
وأعرب البرازيليون ذوو الدخل المنخفض من بورتو أليغري في أعماق الجنوب إلى سلفادور وريسيفي في الشمال الشرقي عن عدم ثقتهم في دوافع بولسونارو وهي نفس الشكوك التي ذكرها كارلوس وإديلين.
"يعتقدون أننا أغبياء"، ذلك ما قاله المهاجر من شمال شرقي البرازيل الفقير مضيفاً أن "زيادة المساعدات الحكومية من 400 ريال برازيلي [70 جنيهاً استرلينياً] إلى 600 ريال برازيلي (نحو 115 دولاراً) لا يساعد عندما تكون أسعار البضائع في السوبر ماركت ارتفعت كثيراً. سيتضور الناس جوعاً".