حَلُم صياد السمك "الحكواتي" حميد إسطنبولي بإنشاء مسرح مجاني في مدينة صور جنوب لبنان، فقام حفيده الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي وحقق له هذا الحلم، وأصبح حقيقة دامغة في عالم المسرح اللبناني. يقول قاسم إسطنبولي عن حيثيات دخوله عالم المسرح: "في العام 2008 بدأت بإقامة عروض مسرحية في المناطق اللبنانية، وأسست حينها فرقة أسميتها "فرقة إسطنبولي"، ثمّ دخلت معهد الفنون المسرحية لإثراء تجربتي". ويضيف: "عروضي كانت معظمها في الفضاءات المفتوحة والشوارع والساحات اللبنانية والمخيمات، وتنوعت العروض بين الكوميديا والمونودراما والتراجيديا، وقد شاركت في مهرجانات عالمية وعربية، واستعنت وقتها مع أعضاء فرقتي، بنصوص عالمية لبيكيت ولوركا وغيرهما.
وفي عام 2013 أسس الفنان قاسم "مسرح إسطنبولي"، بمساحة صغيرة، داخل غرفة، تتسع لأربعين شخصاً، وكان الدخول مجانياً، مع العلم أن هذا هو الهدف الأساسي من المشروع، أن يكون مفتوحاً أمام الجميع. فالفن يغذي الروح وينور الفكر ويغذي الوعي لدى الجمهور البسيط. في عام 2014، استأجر قاسم إسطنبولي سينما "الحمرا" في صور، وجهزها على نفقته الخاصة، وبدعم أهله، لتكون مسرحاً مفتوحاً من دون مقابل. ومع مرور الوقت، آمن المجتمع بمشروعه وحصل على دعم معنوي ومادي من التبرعات التي انهمرت على الصندوق الخاص بـ"مسرح إسطنبولي".
صالات وجمهورلمسرحية
بعد سنتين من العروض العربية والعالمية، المسرحية والموسيقية في هذا الصرح الثقافي، استرجع أصحاب "سينما الحمرا" المكان لأسباب مجهولة، فانتقلت الفرقة إلى مدينة النبطية، واستأجرت "سينما ستارز"، ومن نقطة الصفر، انطلقت. وأقيمت بداخلها دورات تدريبية لكل الموهوبين في التمثيل والرقص والرسم. وكما هي الحال مع "سينما الحمرا" في صور، استرد أصحاب "سينما ستارز" في النبطية صرحهم، وكاد الحلم أن يتكسر على أطماع المالكين. لكنّ الإصرار حمل الفرقة على الاستمرار، وعادت إلى مدينة صور واستأجرت سينما "ريفولي" وجعلتها مسرحاً مميزاً تشرف عليه "جمعية تيرو للفنون" التي تضم مجموعة من المحترفين، ومن بينهم الممثل القدير عمر ميقاتي ابن مؤسس "المسرح الوطني" القديم الراحل نزار ميقاتي. ولذلك أطلقت الفرقة على "سينما ريفولي" مجدداً اسم "المسرح الوطني" تكريما للراحل.
هذا المشروع لم يقف عند هذا الحد، بل اتسع ليشمل مدناً لبنانية أخرى، ومنها طرابلس "عاصمة الشمال اللبناني". وفي "سينما أمبير" الشهيرة التي أقيمت فيها عروض مسرحية عدة، تم تنظيم الورش التدريبية والكرنفالات، الأمر الذي ساهم في كسر المركزية الثقافية عبر تفعيل الحركة المسرحية والسينمائية في المناطق البعيدة من بيروت، وفي تعزيز الإنماء الثقافي المتوازي عبر فتح المنصات الثقافية المستقلة وإطلاق "باص الفن والسلام" للعروض الجوالة.
عروض مسرحية
ومن الأعمال المسرحية التي قدمتها الفرقة المختصة بعروض الفضاء المفتوح ومسرح الشارع: "قوم يابا"، "نزهة في ميدان معركة"، "زنقة زنقة"، "تجربة الجدار"، "هوامش" وغيرها. حصد إسطنبولي جائزة أفضل عمل في مهرجان الجامعات في لبنان عام 2009، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان "عشيات طقوس" في الأردن عام 2013، وتعتبر مسرحية "تجربة الجدار" أول عمل عربي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "الماغرو" في إسبانيا عام 2011. كما حاز إسطنبولي جائزة أفضل شخصية مسرحية عربية في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح في مصر عام 2020، وجائزة الإنجاز بين الثقافات في فيينا عن مشروع شبكة الثقافة والفنون العربية عام 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل أيام أعلنت "جمعية تيرو للفنون" ومسرح إسطنبولي" عن إطلاق الدورة الرابعة من مهرجان "لبنان المسرحيّ الدولي للحكواتي" في المسرح الوطني اللبناني في مدينة طرابلس الذي سيقام بين 12 و15 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعدما أعيد افتتاح "سينما أمبير" عقب 28 عاماً من الإقفال، لتتحول إلى "المسرح الوطني اللبناني" المجاني كمنصة ثقافية حرة ومستقلة للناس، تُنَظّم فيها ورشات تدريبية ومهرجانات وعروض فنية، كما أنها تحتوي مكتبة عامة. ويهدف هذا المهرجان إلى الحفاظ على الموروث الشفوي، والمحافظة على التراث والهوية والفن الحكواتي، والعمل على نقله للأجيال الآتية. ويعد تظاهرة فنية لتبادل تجارب وممارسات تراثية مختلفة بين بلدان عدة. وقد أكد الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي "أن الهدف من المهرجان هو تأسيس فرقة مسرحية في مدينة طرابلس، وإقامة صلة بين الجنوب والشمال لكونه تكملة لحلمنا الذي كان قد بدأ مع تأسيس "المسرح الوطني اللبناني" في صور".