خلال الأسابيع الماضية كان الشغل الشاغل للسينمائيين هو التعليق على عدم ترشيح مصر لأي فيلم للمشاركة في النسخة الـ95 من جوائز الأوسكار.
وجاء التعليق من قبل اللجنة بأن الأعمال التي تنطبق عليها الشروط لا ترقى إلى المستوى، وإنه إذا جرى اختيار أي من تلك الأفلام فسيكون الأمر غير مجد، ولن يتمكن العمل من الوصول إلى القوائم النهائية بأي شكل من الأشكال.
اللافت أن الأفلام المصرية الروائية الطويلة بعيدة تماماً منذ عقود من الوصول إلى تلك القوائم في فئة أفضل فيلم أجنبي من الأساس، لكن على ما يبدو أن اللجنة قررت أن تتخذ موقفاً لعل أحداً ينتبه إلى أزمة الصناعة في الوقت الحالي.
ومن اللافت أيضاً أنه بالتزامن مع هذا النبأ، الذي استقبله المهتمون بالفن السابع ما بين التأييد والغضب، بدأ الحديث تدريجاً عن مبادرات من هنا وهناك لإنقاذ صناعة السينما الأكثر عراقة في المنطقة العربية.
فهل المبادرات والخطط من هذا النوع تصلح مع العمل الإبداعي؟ وكيف يمكن الحفاظ على استمرارية هذه الحماسة التي سبق أن ظهرت في تصريحات ومبادرات سابقة من قبل عدد من المسؤولين عن الحركة الثقافية في مصر، وفي النهاية تكون النتيجة ليست على قدر التوقعات ولا الكلمات والوعود الرنانة؟ وهل صناعة السينما المصرية بحاجة إلى تلك المبادرات فعلاً؟
تفاؤل ولكن
تفاءل كثيرون بالمبادرة التي جرى إعلانها وتتعلق بشراكة عقدتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مع مؤسسة مصر للسينما لإنتاج أفلام تتناسب وطبيعة المهرجانات الدولية لتمثل مصر في تلك المحافل، وحتى الآن لم تعلن تفاصيل المشروع وبنوده.
لكن هذا التفاؤل لم يمنع الاستفسارات المنطقية، وبينها هل هناك بالفعل شروط وقواعد يتم وضعها للأعمال التي تناسب المهرجانات، بخاصة أن أبرز المبدعين حتى دائمي المشاركة بتلك المحافل يؤكدون أن ما يهمهم هو صنع تجربتهم الفنية، ولا يضعون في اعتبارهم أية خطوات متعلقة بالمسابقات العالمية؟
الخطط وصلت أيضاً إلى الدراما التلفزيونية، إذ إن هناك حديثاً عن مشروع للمؤسسة نفسها مع النقابات الفنية في مصر لإنتاج مسلسلات يشارك بها خريجو معهد الفنون المسرحية، وأيضاً الوجوه الشابة.
وهي المبادرة التي وجدت صدى سريعاً على أرض الواقع، إذ بدأ بالفعل تنفيذ مسلسل يحمل اسم "تياترو" للمخرج رؤوف عبدالعزيز، يضم 22 شاباً من خريجي وطلبة المعهد بالتنسيق مع النقابة، ومن المقرر عرضه قريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت هناك شكوى دائمة بأن كثيراً من الأعمال باتت تسند بطولتها لمؤثرين في "السوشيال ميديا"، بينما المتخصصون والدارسون لا يجدون فرصة حقيقية، وتأتي هذه النوعية من المشاريع كمحاولة لتصحيح الأوضاع التي طالما سببت تأزماً في أجواء الوسط الفني بشكل عام.
أيضاً يدور الحديث الآن عن مبادرة ثالثة تتعلق بإنتاج 300 فيلم متنوّع في مصر خلال خمس سنوات، وهو رقم كبير للغاية إذا ما سارت الأمور على ما يرام، بخاصة أن عدد الأفلام المصرية خلال السنوات الأخيرة لا يزيد على عشرات كل عام، فإذا كانت شركة واحدة ستأخذ على عاتقها إنتاج ما يعادل 60 فيلماً في السنة، فإن الخريطة ستتغير وأجواء المنافسة ستتيح مزيداً من التنوع وترتفع بمستوى الجودة بالتأكيد.
وهو الأمر الذي قد يحدث انفراجة نوعية، وحينها قد تنجح لجنة الأوسكار في إيجاد عمل يليق يمكن التقدم به، لكن لا يزال المناخ بحاجة إلى ما هو أكبر بكثير من مجرد مبادرة أو فكرة.
المخرج المصري عمرو سلامة حاول شرح بعض الصعوبات والأزمات التي تواجه صناعة الفن في مصر خلال الفترة الأخيرة من خلال تدوينات عدة كاشفة، منبهاً إلى أن كثيراً من الكوادر العاملة في المجال أصبحت تفضل العمل خارج البلاد لصعوبة العملية الإنتاجية، ومشيراً إلى أن الكفاءات التي تترك المجال تدريجاً ستتسبب في إضعاف الصناعة في مصر، وتسهم في تراجعها بعد ريادة استمرت 100 عام، وهو أمر في رأيه يؤثر سلباً في الجانب الاقتصادي أيضاً.
ودعا سلامة إلى أن يتم تدارك المشكلات سريعاً قبل فوات الأوان، مستشهداً بأعمال أجنبية كثيرة كانت تدور أحداثها في مصر، لكن صناعها قرروا تصويرها بدول أخرى لديها قوانين واشتراطات أكثر يسراً في استخراج تصاريح العمل.
لكن سلامة مع ذلك لم يفقد الأمل، إذ قال "هناك مجهودات حثيثة لتغيير الوضع، نشكرها ونبجلها ونحترمها ونحيي من تنبه وكانت عنده الرغبة، ونتمنى أن تأتي بنتائج ولا يعرقلها شيء"، إذاً مخرج "لا مؤاحذة وزي النهارده وبره المنهج وشيخ جاكسون وما وراء الطبيعة" فند المعوقات، ومع ذلك استشرف الأمل بما عبر عنه تصريحات متناثرة هنا وهناك.
أبواب الجدل
لكن الرأي كان مختلفاً تماماً لدى زميله المؤلف عمرو سمير عاطف، الذي رد عليه بشكل مباشر من خلال حسابه عبر "فيسبوك"، إذ بدا أقل تفاؤلاً بكثير، لافتاً إلى أنه بحسب تجربته فالمعوقات التي تلاحق التصوير في مصر "لن تتزحزح بسهولة".
وبحسب ما يرى مؤلف "بكار والنهاية وكفر دلهاب ورقم مجهول والصياد" فالتغيير من وجهة نظره، وكذلك بعض العاملين في المجال، لن يتحقق بين يوم وليلة بمجرد التصريحات الوردية المشرقة، بخاصة أن العمل الفني بحاجة إلى بنود مختلفة كثيراً وليس "كتالوج" يتم السير عليه من دون أن يحيد الصناع عنه.
من جانبه يرى الناقد محمد عبدالرحمن أن السينما والفن عموماً بحاجة أولاً إلى "مناخ مناسب" على مستوى المواضيع الجديدة والجريئة المختلفة، وفي الوقت نفسه "توفير إمكانات إنتاجية ولوجيستية ليحدث حراكاً في السوق"، بدلاً من فكرة المبادرات التي مهما نجحت ستظل "موقتة ومرتبطة بحماسة مطلقيها"، وإذا اختفت تصيب الصناعة بالشلل وتصدر الإحباط للصناع، فيجب أن يكون هناك "حلول جذرية وليس مجرد مسكنات موقتة".
إذاً فالأولى وضع مبادرات لتذليل عقبات مراحل العملية الإنتاجية، والانفتاح أكثر في المواضيع التي تتم مناقشتها، في ظل المعاناة التي يتحدث عنها المبدعون وبينهم المخرجة هالة خليل صاحبة "أحلى الأوقات ونوارة وقص ولزق"، التي حظيت أعمالها بتقدير كبير في المهرجانات السينمائية المختلفة، إذ وجهت مناشدات متكررة لتحصل على موافقة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية للبدء بتصوير فيلمها "شرط المحبة" الذي تدور أحداثه في إطار رومانسي اجتماعي، فرغم قيامها بإجراء التعديلات المطلوبة، لكن العمل لا يزال حبيس الأدراج منذ خمس سنوات.
العبارة الموجعة
اللافت أن المبادرات والجدل والمناقشات تفجّرت بعد عاصفة الاستياء التي أعقبت بيان لجنة الأوسكار التابعة لنقابة المهن السينمائية في مصر الذي جاء فيه "اجتمعت اللجنة المشكلة من قبل نقابة المهن السينمائية لاختيار الفيلم المصري المرشح للمشاركة في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم دولي، وبعد مشاهدة أعضاء اللجنة للأفلام التي ينطبق عليها شروط الترشيح للجائزة من قبل أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (أوسكار) انتهت اللجنة بأغلبية الأصوات إلى قرار بعدم ترشيح فيلم مصري لهذا العام".
وصوّت 11 عضواً برفض ترشيح فيلم للمشاركة، بينما كان يتمسك سبعة فقط بضرورة اختيار فيلم، وبينهم الناقد طارق الشناوي الذي علق على اللغط قائلاً إن "الأغلبية في لجنة الأوسكار قرروا عدم جدارة السينما المصرية هذا العام بترشيح فيلم"، لافتاً إلى أن التصويت كان على "هل أنت مع مبدأ ترشيح فيلم أم لا؟" لتتفوق لا.
وأوضح الشناوي "للعلم لم يكن هذا القرار يحظى بموافقتي شخصياً، لكن خضوعاً لمبدأ الديمقراطية التزمت به، وعلينا جميعاً عندما نشارك في لجنة أن نلتزم بقرار الأغلبية حتى لو اختلفنا معه".