وسط أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية بدأت دائرة معارضي الرئيس التونسي قيس سعيد تتسع، على غرار "ائتلاف صمود"، وهو ائتلاف مدني كان من أبرز داعمي مسار 25 يوليو (تموز) 2021، الذي أعلن تخليه عن مساندة ودعم المسار الجديد في تونس، بسبب ما سماه "حياد قيس سعيد عن مطالب هذا المسار وفرضه قرارات أحادية وسعيه إلى تركيز نظام سياسي رئاسوي هجين"، داعياً إلى "مقاطعة الانتخابات التشريعية ترشحاً وتزكية وانتخاباً" بحسب ما ورد في بيان للائتلاف.
وأضاف بيان الائتلاف، أن "رئيس الجمهورية، يسعى إلى فرض رؤية أحادية تهدف إلى تنفيذ مشروعه السياسي المسقط على مراحل، وتركيز برلمان مذيل للسلطة التنفيذية، إلى جانب السعي إلى التضييق على المعارضين والصحافيين".
وأوضح "ائتلاف صمود" أن "مرسوم القانون الانتخابي الجديد سيفرض انتخابات تشريعية غير قانونية، وسينبثق عنها مجلس غير شرعي"، لافتاً إلى أن هذا "المرسوم عمق من اختلال التوازن بين السلطات، وأقصى الأحزاب السياسية، وشرائح واسعة من الشعب التونسي، خصوصاً المرأة والشباب".
انتخابات مزورة
من جهتها، أكدت جبهة الخلاص الوطني المعارِضة، أنها مستهدفة لأنها "القوة السياسية الأولى في البلاد، وأن هناك محاولات لإقصائها عن المشهد، في ظل هجمات ممنهجة، مبينة أنها ستعود إلى الشارع بقوة وستنظم مظاهرة حاشدة في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي".
وشددت الجبهة على أنها لن تعترف بـ"الانقلاب" ولن تخوض الانتخابات التي تعتبرها "مزورة".
كما لوح المكتب الوطني لحراك شباب تونس أو ما يعرف بـ"حراك 25 يوليو" خلال مؤتمر صحافي، بمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، متهماً "مسؤولين في الدولة بما في ذلك ولاة ومعتمدين ومهربين وشخصيات نافذة مقربة من رئيس الجمهورية قيس سعيد، بدعم مرشحين للانتخابات".
وقال محمود بن مبروك القيادي في الحراك "لدينا عديد الاحترازات على القانون الانتخابي نظراً للشروط المنصوص عليها، وأهمها اشتراط جمع 400 تزكية نظراً لعدم توفر الرقمنة في البلديات".
وسيتوجه الناخبون التونسيون بعد حوالى شهرين، في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب برلمان جديد، هو الأول في المسار الجديد الذي بدأه سعيد في 25 يوليو 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتزامن هذه الانتخابات مع ظروف اقتصادية ومالية واجتماعية صعبة، بينما تنتظر تونس موافقة صندوق النقد الدولي للحصول على دعم مالي مشروط بحزمة إصلاحات.
مشروع خطير على الدولة
ويؤكد ناجي جلول رئيس حزب "الائتلاف الوطني" الداعم لمسار 25 يوليو في لحظاته الأولى، والرافض لما تم اتخاذه من إجراءات أحادية من قبل رئيس الجمهورية في ما بعد، أن "المواطن التونسي يعاني اليوم ظروفاً اجتماعية واقتصادية صعبة"، مضيفاً أن "الانتخابات التشريعية المقبلة هي مسار عكسي لما قامت به الدولة الوطنية التي عملت على تذويب القبيلة في الدولة، إلا أن مسار قيس سعيد أعاد إحياء القبلية والعروشية، من خلال قانون انتخابي يغذي النعرة الجهوية والعروشية ويسهم في استشراء المال السياسي الفاسد من خلال تجميع التزكيات".
ويقول جلول هناك "أحزاب وازنة في المشهد السياسي، قاطعت هذا المسار"، مشيراً إلى أن "مشروع قيس سعيد خطير على الدولة التونسية، خصوصاً الشروع في إرساء البناء القاعدي وإلغاء الأحزاب الأجسام الوسيطة"، داعياً إلى "تكوين جبهة سياسية ومدنية عريضة لإفشال هذا المسار من خلال إفشال الانتخابات".
وتوقع رئيس حزب الائتلاف الوطني أن "الإقبال على الانتخابات سيكون ضعيفاً"، لافتاً إلى أن "رئيس الدولة سيعتبرها ناجحة وهو ماض في مشروعه ولا يبالي بالمعارضة".
دعم المسار الجديد
وبينما تندد عديد الجهات السياسية بغموض المسار السياسي الذي تتجه فيه تونس، وتعتبره أحادياً وإقصائياً تتمسك أحزاب أخرى بهذا المسار وتعتبره مصدر خلاص لتونس، ويعتبر زهير حمدي الأمين العام لحزب "التيار الشعبي" وهو من الأحزاب الداعمة لرئيس الجمهورية في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "الجهات الرافضة لمسار قيس سعيد لا تملك وزناً سياسياً وشعبياً حقيقياً"، مذكراً بأن "غزارة الترشحات للانتخابات التشريعية المقبلة، في الصفوف الداعمة لمسار 25 يوليو، تعكس مدى الإيمان بهذا المشروع الجديد، خصوصاً من فئة الشباب، والطبقة السياسية الجديدة التي بدأت في التشكل".
ونفى حمدي أن تكون هناك مقاطعة للانتخابات كما تدعي الأحزاب المعارِضة التي يرى أنها لا يمكن أن تؤثر في المسار السياسي لتونس قائلاً "إن ما يحدد شرعية الواقع السياسي المشاركة الشعبية الواسعة والإقبال الكبير على انتخابات 17 ديسمبر المقبل".
وأكد الأمين العام للتيار الشعبي أنه "رغم الظروف المعيشية الصعبة وتعثر المسار لا يوجد خيار آخر أمام الشعب سوى دعم المسار وتصحيح الأخطاء من أجل المضي قدماً في المسار وهو أفضل من العودة إلى الوراء".
أحزاب معارضة فقدت وزنها
من جهته، يرى رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري أن "كل من أعلن مقاطعته الانتخابات التشريعية المقبلة هو ’متحيل سياسي’"، وفق توصيفه.
وأضاف الناصري، أن "الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها فقدت وزنها ولا شجاعة لها للترشح بأسمائها"، مشيراً إلى أنها "باتت من الماضي الشعب مل وجودها في الساحة السياسية، وليس لها أي تأثير في المسار الجديد".
قد يسهم تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عزوف التونسيين عن المشاركة السياسية، إلا أن الجبهة المعارِضة لرئيس الجمهورية غير منسجمة، ولم تضع مشروعاً وطنياً بديلاً لمواجهة المسار الجديد، وهو ما أسهم في مزيد تعميق الهوة بين النخب السياسية والشعب.