للمرة الأولى في التاريخ العراقي المعاصر، برزت شقيقتان كسيدتين أوليين بعد فوز عبداللطيف رشيد برئاسة الجمهورية هذا الأسبوع، إذ أصبحت زوجته شاناز إبراهيم أحمد (67 سنة) سيدة العراق الأولى تبعاً لذلك، لتخلف شقيقتها السيدة هيرو (74 سنة) زوجة الرئيس الراحل جلال طالباني، وهما ابنتا الكاتب والروائي الكردي المعروف إبراهيم أحمد، أحد أبرز ناشطي الحركة الكردية ومثقفيها.
عن الكرديات المقاتلات
شاناز التي دخلت القصر الرئاسي في بغداد هذا الأسبوع كعقيلة الرئيس المنتخب، وهي عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني (إليكتي)، ولها ثلاثة أبناء، قالت في آخر تصريحاتها إن "المرأة ليست مجرد موضوع نتحدث عنه ليوم ما، فالمرأة تعاني يومياً الحرب والمرض والقصف والعنف"، وهي من المدافعات الشرسات عن حقوق النساء الكرديات المقاتلات، وتصفهن بأنهن لسن أقل شأناً من النساء في العالم، بل رائعات".
وفي أول تصريح لها بعد أن أصبحت عقيلة رئيس الجمهورية، الذي وصفته بـ"فخامة الرئيس"، قالت "سيشهد العراق في ظله مرحلة جديدة من البناء والحياة السعيدة". وأضافت في برقية لها "كلي ثقة أن تسنمكم هذه المسؤولية الجديدة سيكون داعماً لتحقيق السلام والأمان والإعمار بشكل أكبر في البلاد، وستكون خطواتكم لتمتين العلاقات بين المكونات والتعايش في عراق الجميع".
بين هيرو وشاناز
تحذو شاناز حذو شقيقتها هيرو زوجة الرئيس الراحل جلال طالباني التي كان لها اليد الطولى إبان حكم زوجها ورفيق نضال والدها الكاتب والأديب المميز في كردستان وعموم الثقافة الكردية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتخرج الكاتب الكردي إبراهيم أحمد في كلية القانون بجامعة بغداد، وهو أيضاً من الرعيل الأول في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ثم أحد مؤسسي حزب الاتحاد الوطني بزعامة صهره الراحل جلال طالباني (توفي عام 2000)، وانعكست حياته على ابنتيه في حبهما للأدب والنضال المجتمعي للدفاع عن حقوق الكرد وشغف تعلم اللغات والحصول على التعليم في بغداد، ثم الانتقال إلى السليمانية معقل الأكراد المعادين لإيران، وقد صار أحمد أول أب لسيدتين في القصر الرئاسي بالعراق، لكن الدولة العراقية لم تخصص منصباً رسمياً للسيدات الأول في الدستور العراقي الذي أقر عام 2005، بل إن الثقافة الشعبية العامة تستهجن منح المرأة منصباً بروتوكولياً من هذا النوع، وهي ثقافة حاول بعض الرؤساء تغييرها من دون جدوى، في مقدمتهم الرئيس السابق برهم صالح الذي كان يشرك السيدة سارباغ محمد سعيد في الحياة العامة، من دون أن ينجح في أن ينتزع لها لقب السيدة الأولى في مجتمع سياسي قاس لا يتحمل أن تضع المرأة كتفها بكتف الرجل في الممارسة السياسية القيادية.
يفضلونها سيدة البيت
هناك كثير من التحولات التي شهدها العراق، لكنه لم يعترف حتى الآن للمرأة بأن تكون سيدة أولى، ويفضلونها سيدة أولى في المنزل، كما فعل كل رؤساء الحكم الملكي والجمهوري، إذ لم يشهد التاريخ حضوراً لزوجات العهد الجمهوري الخمسة (1958-2003) في أي نشاط سياسي بارز، وأقصى منصب شغلنه هو معلمة في مدرسة، أو مديرة مدرسة مثلما حدث لساجدة خير الله زوجة صدام حسين، ودرج على ذلك سياسيو الحقبة التي تلت عام 2003، فقد ظلت النساء متواريات في قصور الحكم، لا دور يذكر لهن، لكن يحسب للكرد أنهم سمحوا لنساء الرئاسات بممارسة النشاط السياسي العلني، كما فعل جلال طالباني وبرهم صالح، نتيحة ثقافة الانفتاح في الإقليم وشراكة المرأة للرجل في العمل السياسي وقبول كثيرات الشراكة في السياسة ووصول بعضهن إلى أعلى المناصب.
أما في الوسط والجنوب العراقي، فإن شراكة المرأة تكاد تكون معدومة جراء طبيعة المجتمع الذكوري الذي يطغى على الحياة الاجتماعية العامة، على رغم أن العراق من الدول السباقة في التعليم وفتح الجامعات منذ مطلع العشرينيات من القرن الماضي، وتسجيل أول وزيرة عربية في حكومة، وهي نزيهة الدليمي عام 1958 بعد العهد الجمهوري، ودخول كثيرات منهن مجال العمل السياسي وتبوئهن مناصب فيه، لكن الإقرار بمنصب السيدة الأولى ظل بعيداً، ليبقى الرجل وحده سيد الحكم.
وحاول الدستور العراقي أن يقدم دعماً للمرأة في الانتخابات بإقرار (الكوتا النسائية) بنسبة 25 في المئة من أعضاء البرلمان، لكن ذلك لم يغير العقل المتسلط للرجل العراقي على مسار السلطة العامة، والذي لم يعترف لها بلقب السيدة الأولى حتى هذه اللحظة.