ملخص
يمكن القول إن عملية التصويت في الانتخابات الأميركية انتهت، وبغضّ النظر عن النتيجة التي ستخرج من الصناديق، فإن الواضح أن إيران أدركت الحساسية العالية التي تشكلها هذه الانتخابات
على رغم حال التصعيد غير المسبوقة التي تسيطر على المشهد الإقليمي وما يمكن أن تقود إليه أي عملية عسكرية إيرانية ضد إسرائيل، رداً على الهجوم الذي سبق أن تعرضت له وتم فيه استهداف بعض المواقع والمراكز العسكرية قرب العاصمة طهران ومحافظتي خوزستان في الجنوب الغربي وإيلام في الغرب، إلا أن الواضح أن القيادة الإيرانية فضّلت التريث في عملية الرد التي يؤكد جميع المسؤولين في طهران، من المستويين السياسي والعسكري، أنها آتية وأنها تقع في إطار الحق الذي تضمنه القوانين الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وهذا التريث جاءت ترجمته في عدم استغلال طهران حال الانتظار التي تمر فيها الإدارة الأميركية التي تعيش مرحلة انتخابات ستحدد هوية الرئيس الجديد ومَن سيجلس على كرسي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
طهران التي فضّلت ألا تكون لاعبة، أو في الأقل ورقة، في السباق الرئاسي بين المرشح الجمهوري دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وألا تعطي أياً من الطرفين ذريعة لتحسين شروطه الانتخابية بتوظيف أي عملية عسكرية قد تقوم بها إسرائيل في صندوق الاقتراع، والتأثير في الناخب الأميركي المتردد، إلا أنها على رغم ذلك، كانت حاضرة في تفاصيل ومشاريع وخطط كلا المرشحين وفي برامجهما المتعلقة بالسياسة الخارجية ورؤيتهما للأمن الدولي والعلاقة مع إسرائيل وآليات دعمها وتعزيز أمنها بالتخلص من مصادر التهديد الذي تشكله إيران وأذرعها الإقليمية وحلفاؤها في "محور المقاومة" على تل أبيب ومشاريعها في الإقليم.
الإجراءات التي لجأ اليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسلسلة الإقالات التي قام بها عشية الانتخابات الأميركية، في محاولة للتخلص من وزير حربه يوآف غالانت الذي يوصف بأنه وديعة أميركية وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس مكانه، قرأته طهران باعتباره خطوة يحاول فيها نتنياهو ترتيب صفوفه الداخلية باتجاهين، الأول تعزيز موقفه التصعيدي من خلال تغليب الأصوات الموافقة على فتح جبهة وحرب مباشرة مع النظام الإيراني الذي يمثل كاتس أحد أبرز المؤيدين لهذا التوجه، بخاصة في مسألة تدمير البرنامج النووي الإيراني، والاتجاه الثاني، الاستعداد لمواجهة الضغوط التي قد يتعرض لها من الإدارة الأميركية بعد معرفة الرئيس الجديد وانتهاء الانتخابات.
يمكن القول إن عملية التصويت في الانتخابات الأميركية انتهت، وبغضّ النظر عن النتيجة التي ستخرج من الصناديق، فإن الواضح أن إيران أدركت الحساسية العالية التي تشكلها هذه الانتخابات والتنافس الشديد والمتقارب بين المرشحين الأساسيين والتي قد تضع النتائج في دائرة من الغموض إذا ما تأخّر إعلان النتائج النهائية.
حال انعدام الوزن التي قد تمرّ بها الإدارة الأميركية، وعلى رغم أنها تسمح للرئيس الحالي جو بايدن الذي سيبقى في البيت الأبيض حتى الـ 20 من الشهر الأول من العام المقبل، إلا أنها تسمح له بأن يذهب إلى خيارات عسكرية من دون الحاجة للعودة إلى الكونغرس بحسب الدستور الأميركي الذي منحه هذا الهامش، وهذه الحال قد تشكّل فرصة لإيران وقيادتها لاتخاذ قرار الرد العسكري على الهجوم الإسرائيلي.
والفرصة الإيرانية تتمثل في إمكان توجيه ضربة لتل أبيب رداً على الهجوم الذي قامت به من دون أن يكون لديها قلق من إمكان الانتقال إلى حرب مفتوحة، تقوم فيها الولايات المتحدة بدور محوري وأساسي، أي أن تواجه تدخلاً مباشراً من واشنطن إلى جانب إسرائيل. وهذا لا يعني أن طهران أسقطت من اعتباراتها حجم المساعدة التي قد تقدمها واشنطن لتل أبيب في أي ردّ محتمل، إلا أن التقديرات لدى القيادة في طهران بأن هذه المساعدة ستسعى إلى إبقاء المواجهة، من دون المواجهة الواسعة والمفتوحة، فتشكل محطة في المعركة التي لا تصل إلى حرب بين الطرفين.
إضافة إلى ذلك، فإن الرئيس الجديد لن يكون قادراً على التفرغ لكل تعقيدات السياسة الخارجية حتى مارس (آذار) المقبل، وهو التاريخ الذي تستقر فيه الإدارة الجديدة وتأخذ شكلها النهائي وتتوضح معالم برامجها الداخلية والخارجية. وهي تعقيدات قد تكون أكثر وضوحاً في حال وصول ترمب وفوزه بالرئاسة لجهة تركيب هذه الإدارة واختيار الفريق الذي سيتولى قيادة الدبلوماسية، ومَن سيكون على رأس المؤسسة العسكرية في "البنتاغون"، على العكس من هاريس التي ستكون الأمور أقل تعقيداً بالنسبة إليها باعتبار أن عهدها سيكون استمراراً للبرنامج الديمقراطي في الإدارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن القول إن القيادة الإيرانية استطاعت إسكات الأصوات التي ارتفعت خلال الأسابيع الأخيرة، الداعية إلى التروي الإيراني في عملية الرد والذهاب إلى خيار التخلي عن أي عمل عسكري أو ردّ فعل على الهجوم الذي قامت به إسرائيل ما دام أنه لم يحقق الأهداف التي وضعت له في تل أبيب، بحسب ما تؤكده الجهات الإيرانية المعنية في المؤسسة العسكرية والسياسية. بالتالي فإن التمسك بحق الردّ وتنفيذه يبدو أنه بات شبه نهائي وأنه غير خاضع لأي عملية مساومة، أو صفقة سبق التلميح لها من جهات إيرانية، أو في العروض التي قدمتها بعض الأطراف الإقليمية والدولية، بمقايضة الرد بالعمل من قبل هذه الأطراف على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان بالتزامن. وتحوّل الموقف في طهران إلى إمكان التخفيف من حجم وحدّة الرد في حال قبلت تل أبيب بوقف النار، بحسب تعبير الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
انتهت الانتخابات الأميركية، ولم يعُد لأي من المرشحين القدرة على توظيف الأوضاع في الشرق الأوسط وتسييلها في صندوق الاقتراع، بالتالي، يمكن القول إن "العد العكسي" للرد الإيراني قد بدأ وإن الأشهر المقبلة ربما تكون أكثر "حماوة" بين الطرفين، بخاصة أن القيادة الإيرانية لا ترى نفسها معنية بشخصية الرئيس الذي سيدخل إلى البيت الأبيض، لا سيما أن التجربة بين طهران وواشنطن في ظل قيادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي لا تساعد المرشد الأعلى للمراهنة على إمكان بناء الثقة معهما، بالتالي فإنه فضّل أخذ المبادرة والإمساك بزمام القرار وحسم التردد الذي ظهر بين مراكز القرار الإيراني من خلال التأكيد على "ضرورة تأديب العدو وتوجيه ضربة قاسية له"، وفتح المواجهة على مصاريعها من خلال التأكيد أن "أي اعتداء على إيران ومحور المقاومة سيواجه بردّ قاسٍ ومدمر"، وهو موقف يحمل إشارة واضحة من المرشد إلى استعداد إيران لتطوير موقفها والذهاب إلى خيارات أكثر تصعيداً في حال أصرّت واشنطن، ومعها تل أبيب، على القضاء على "حزب الله" في لبنان الذي يشكل حائط الصدّ الأول والأساس لطهران.