Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

بعد أزمة شيرين... من يملك حق إجبار المدمن على العلاج؟

"لجنة محايدة" من الصحة النفسية هي من يتولى تقييم الحالة وأقارب المريض لهم سلطة "شحنه" إلى المستشفى ولا حق للزوجة في ذلك

يقول الأطباء إذا عاني المدمن اضطرابات عقلية مصاحبة للتعاطي أصبح إجباره على العلاج واجباً (أ ف ب)

بين الآراء القانونية والطبية يتأرجح اسم المطربة المصرية شيرين عبدالوهاب، إذ تنحت مهنتها جانباً تماماً، ولم تعد أعمالها الغنائية محور الحديث، وذلك منذ مدة ليست بالقصيرة، بسبب طغيان أزماتها الشخصية على أي منتج فني قد تخرج به بين الحين والآخر.

لكن على مدار الأيام الماضية خرجت الأمور عن السيطرة، وبات القيل والقال متركزاً حول شيرين نزيلة أحد مستشفيات العلاج النفسي، بعد أن كشفت عائلتها عن جانب من تاريخها المرضي، بعدما اعترفت الأم والشقيق أنهما اضطرا إلى الاستعانة بمتخصصين لإجبار المطربة الأربعينية التي لديها ابنتان في عمر المراهقة، على الذهاب إلى المستشفى، والتخلص من عادة تعاطي الممنوعات.

فكرة "فضح" أسرار المريض النفسي، بخاصة من هو تحت دائرة الضوء بحكم طبيعة عمله، واستباحة ما يجري في الغرف المغلقة، من ضمن القضايا التي أثيرت بعد تطورات أزمة صاحبة "آه يا ليل" أخيراً. وكانت التساؤلات تتواتر عن كيفية التعامل مع الأزمة إعلامياً، وما حقوق المريض، لكن حينما تكون أسرتها هي المبادرة بالاستغاثة وبالكشف عما يجري يصبح الأمر مربكاً للغاية، وضمن ما أثير أيضاً على نطاق أوسع متخطياً حالة الفنانة صاحبة الرصيد الكبير من الجدل، هو مدى قانونية "إجبار" المريض على العلاج، وما طرق تنفيذ هذا "الإجبار"، بخاصة أنه قد يصدر عنف من أي طرف في أثناء التنفيذ.

حالات استثنائية

الإدمان، بحسب ما يعرفه صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، الذي أنشئ عام 1991 هو "التعاطي بتأثير الانشغال الفكري (الوسواس) والارتباط الوجداني النفسي (القهري)، وتأثر الأنماط والأنشطة الحياتية، وطرق التفكير والسلوكيات بذلك". فهل كون سلوكيات المريض تأثرت، بالتالي تعامله من حوله وأيضاً تصرفه تحت ضغوط قاهرة بضرورة اللجوء للتعاطي، يتيح لمن حوله الذهاب به جبراً، وعلى غير إرادته إلى المستشفى لتلقي المساعدة، سواء خوفاً منه على أنفسهم، أو تحسباً من أن يلجأ إلى إحداث ضرر بجسده؟

الأمر يحسمه شادي طلعت، المحامي السياسي والقانوني، الذي قال بشكل واضح إن القانون المصري "لا يسمح في الظروف العادية بإجبار أي شخص مهما كانت طبيعة مرضه على الدخول للمشفى رغماً عنه. لكن هناك حالة واحدة فقط، وهي إذا صدر تقرير رسمي من جهة طبية يشير إلى أن هذا المريض يشكل عامل خطر سواء على نفسه، أو على من حوله. وبطبيعة الحال هذا يحدث عادة في المرض النفسي".

وأوضح طلعت أن "الأذى" المتوقع هو الظرف الوحيد الذي يسمح فيه بأن يقوم الطبيب بإصدار قراره ومخاطبة جهة علاجية لترسل مختصين ليصطحبوا الحالة بطريقتهم إلى مركز علاجي، فهم مدربون ومؤهلون على مثل تلك التصرفات، لافتاً إلى شق آخر، وهو أن الأمر "لا يقتصر فقط على أقارب الدرجة الأولى".

وأشار إلى أنه لو وجد شخص ما أن لديه جاراً يشك بأنه يتعاطى الممنوعات وتنطبق عليه هذه الصفات يمكنه الاتصال بالجهات الرسمية المتخصصة لتعاين الحالة، وتقول رأيها فإذا ثبت أنه يمثل خطراً سيقومون بعمل اللازم، مشدداً على أن صاحب القرار هنا ليس الجار أو القريب، لكنه الطبيب المختص التابع لهيئة رسمية، لكن الطرف الثالث قام فقط بالإبلاغ. وفي هذه الحالة المستشفى "يكون ملزماً بعدم السماح بخروج المريض إلا إذا وصل إلى نسبة شفاء معينة، ولم يعد يمثل تهديداً".

ليس الأقارب فقط

هذه النقطة بدت ملتبسة بعض الشيء، بخاصة أنه على مدار الأيام الماضية تردد كثير من المعلومات، التي تشير إلى أنه ليس من حق أحد التدخل في تلك الحالات سوى ذوي المريض، لكن يعود الطبيب هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر ليوضح طريقة سير هذه العملية، بينها أن تقوم "لجنة محايدة" من الأمانة العامة للصحة النفسية بناء على بلاغ معين بالتوجه لفحص الحالة، فإذا وجدوا أن المدمن يعاني اضطرابات عقلية مصاحبة للتعاطي فهنا سيجبر على العلاج في مركز طبي متخصص في تلك الحالات، فاللجنة هي التي تقرر، وإذا ما وجدوا أنه يتمتع بعقلية سليمة على رغم تعاطيه فإنه يسمح له بالعلاج في المنزل تحت الإشراف الطبي، لكن هناك حالة أخرى معمول بها أيضاً بحسب تأكيدات بحري، وهي تسمى "الشحن"، وفيها يقوم أقارب المريض مثل الأب والأم مثلاً بأخذه عنوة إلى المستشفى إذا استشعروا خطورة عليه وعلى أنفسهم، فهذا من حقهم.

لكن يشير بحري أيضاً إلى أن هذا التصرف "لا يحق للزوجة أبداً"، لأنها بحسب القانون قد تكون مستفيدة أو صاحبة مصلحة، بالتالي اقتصرت عملية "شحن المريض" على أشخاص بعينهم.

واللافت أن فكرة الإجبار بحسب ما يجري على أرض الواقع تنحصر في الأغلب على المرضى النفسيين، سواء كان إدماناً أو اكتئاباً أو مرضاً آخر تم تشخيصه طبياً بأنه قد يؤدي بصاحبه إلى الإتيان بتصرفات تؤذيه وتؤذي غيره.

القانون يحمي "المتعاطين" أيضاً

بحسب تقرير رسمي صادر عن صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي العام الماضي، فإن نسبة المدخنين في مصر تقترب من 28 في المئة، ونسبة المتعاطين تقترب من ستة في المئة، فيما ذكر التقرير أن من ينطبق عليهم صفة المدمنين لا يتخطون 2.3 في المئة، وهي النسبة التي كانت وفقاً للمسح القومي عام 2015 نحو 3.3 في المئة، ووفقاً لتحليل بيانات الخط الساخن الخاص بالصندوق والمتعلق بالبلاغات المختلفة، فقد تضاعف عدد الاتصالات بمقدار الضعف مقارنة بعام 2014 لتقترب من 100 ألف اتصال. وكان لافتاً أن النسبة الكبرى تتعلق بمتعاطين من سن 15 إلى 40 سنة، إذ إن المراهقين أكثر عرضة للانخراط في تلك الدوامة، بالتالي تتوجه لهم برامج التوعية والوقاية من خلال حملات متعددة.

اقرأ المزيد

يعود المحامي السياسي والقانوني شادي طلعت للحديث عن نقطة أخرى تتعلق بضرورة وجود "وعي مجتمعي"، منوهاً إلى أنه ينبغي أن يعرف الناس التفاصيل القانونية أيضاً كي يكون لديهم خطة للتصرف إذا تعرضوا لمواقف مشابهة، داعياً إلى التعامل من خلال جهات رسمية ومختصة، فإذا قام أحدهم مثلاً بإجبار مريض نفسي على الذهاب للمستشفى من دون الاستعانة بالجهات المعنية، وتعرض المريض الذي هو بطبيعة الحال ليس في حاله الطبيعية للضرب أو الأذى، فالمعتدي هنا على رغم أنه يسعى لمساعدته، لكنه خالف القانون، وأصبح متهماً بجنحة تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات، فليس لأن المعتدى عليه خالف القانون يكون من المستباح الاعتداء عليه.

وأشار طلعت إلى أن الطبيب الذي يصدر القرار النهائي هو من يتحمل المسؤولية المدنية والجنائية، بالتالي يجب ترك الإجراءات القانونية والطبية لأهلها، كي لا يجد الشخص نفسه متورطاً في أزمة كبيرة على رغم حسن نيته، لافتاً إلى أن القانون المصري يعاقب من يثبت تعاطيه المخدرات بالحبس لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.

ثلاثة أنواع من المرضى

وبعد السجال الذي صاحب أزمة المطربة شيرين عبدالوهاب التي قالت والدتها وشقيقها في تصريحات تلفزيونية موثقة بالفيديو إنهما اضطرا إلى اللجوء لإدخالها مستشفى للعلاج من التعاطي خوفاً عليها بعد ما تفاقم وضعها النفسي، متهمين بعض من حولها لجرها إلى هذا المستوى، دار تساؤل جوهري أيضاً، هل المريض المجبور على العلاج يمكن أن يتحسن ويعود لحياته الطبيعية، أم أنه يظل غير مقتنع وغير مستجيب، بالتالي تذهب الجهود سدى؟

يفرق الطبيب هاشم بحري بين ثلاثة أنواع من المرضى المتلقين للعلاج، مشيراً إلى أن أصعب الأنواع هو المتردد، لأنه غير حاسم لموقفه ومذبذب، بالتالي تكون رحلة علاجه شاقة، أما الأفضل والأكثر إنجازاً وتعاوناً، فهو من يطلب العلاج بمحض إرادته، ويفجر مفاجأة بتأكيد أن من يتم أخذه للعلاج جبراً وفقاً لتقرير طبي خوفاً من أن يتسبب بأذى لنفسه أو من حوله، تكون نتائج علاجه جيدة للغاية كذلك، لافتاً إلى أن المريض في هذه الحالة يكون يائساً تماماً وغير مصدق أنه سوف يتمكن من تجاوز مرضه، وتعلقه بالمواد المخدرة، فحينما يجد أنه يتقدم، ويقطع شوطاً في حياته بشكل إيجابي يصبح متعاوناً، وهذا بالطبع بشكل عام.

وقال بحري إن فترة التخلص من المادة المخدرة في بداية العلاج تستغرق عادة من شهر إلى ثلاثة أشهر، ثم بعدها يأتي دور منع الانتكاسة عن طريق العلاج السلوكي، لأن هذه هي الخطوة الأهم، وهي تستمر طويلاً، وإذا مر العام الأول من دون عودة المريض للتعاطي فهذا يعتبر نجاحاً، وتقل فرصه في الانتكاسة كلما تقدمت السنوات، موضحاً أن نسبة من يعودون إلى طريق الإدمان بعد مرور سنوات من تعافيهم تكون قليلة للغاية، حيث إن التعافي طويل الأمد عادة يكون في المنزل، وفي البيئة الطبيعية بعيداً من جدران المستشفى.

المزيد من تحقيقات ومطولات