تعرض آلاف المتظاهرين في مسيرات بالعاصمة السودانية الخرطوم لدخان الغاز المسيل للدموع، الجمعة 21 أكتوبر (تشرين الأول)، خلال تظاهرهم احتجاجاً على الانقلاب العسكري المستمر منذ نحو سنة، وسط جهود للتوصل إلى تسوية سياسية.
وشوهدت قوات الأمن، المنتشرة بكثافة في وسط الخرطوم، وهي تطلق الغاز المسيل للدموع وتلاحق المتظاهرين على بعد كيلومتر واحد تقريباً من المطار. وأطلق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين عبر نهر النيل في أم درمان، وشوهد متظاهر مصاب وهو يحمل بعيداً.
وحدثت تظاهرات أخرى في مدينة بحري المتاخمة، بالإضافة إلى تظاهرات على مستوى البلاد في مدن نيالا وعطبرة والقضارف من بين مدن أخرى.
وجاءت التظاهرات، التي تتزامن مع ذكرى انتفاضة 1964، استجابة لدعوة من لجان المقاومة السودانية التي رفضت المحادثات مع الجيش، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية المشتركة في الوقت الحالي في المناقشات.
وشوهد متظاهرون من جميع الأعمار محتشدين في الطريق المؤدي إلى مطار العاصمة، حاملين مكبرات صوت ومعلقين ملصقات. وحرق آخرون إطارات سيارات لغلق الطرق.
"العسكر إلى الثكنات"
وهتف نحو ألف متظاهر في الخرطوم "الشعب يريد إسقاط النظام"، وفي مدينة أم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل، هتف محتجون "العسكر إلى الثكنات" في إشارة إلى مطالبتهم بالحكم المدني.
ومنذ الصباح تجوب قوات الشرطة العاصمة الخرطوم وجسورها. وكانت لجان المقاومة وهي مجموعات الأحياء التي تنظم التحركات المناهضة للانقلاب، تدعو منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر.
ويحيي السودانيون المؤيدون للديمقراطية اليوم الذكرى الـ58 لأول "ثورة" أطاحت النظام العسكري في السودان، البلد الذي شهد تاريخه انقلابات، وحُكم بشكل شبه مستمر من مجلس عسكري.
في 2019 بعد أشهر من التعبئة في الشارع أرغمت الحشود الجيش على إنهاء 30 عاماً من الديكتاتورية العسكرية برئاسة الفريق عمر البشير ثم تقاسم السلطة مع المدنيين.
لكن في 25 أكتوبر 2021 تخلى عبدالفتاح البرهان عن هذا التحالف.
مذاك، كل أسبوع وعلى رغم القمع الذي أسفر عن مقتل 117 شخصاً وفقاً لأطباء مؤيدين للديمقراطية، يتظاهر السودانيون المعادون للمجلس العسكري.
وتحسباً لوقوع ضحايا جدد، دعت السفارة الأميركية في الخرطوم الخميس، قوات الأمن إلى "ضبط النفس" في بيان نشر على "تويتر".
وقال عادل أحمد شاهد عيان لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف إن نحو 600 متظاهر تجمعوا في وسط المدينة يقرعون الطبول وينشدون أغاني الثورة ويطالبون بالحكم المدني.
وفي منطقة شرق النيل شرق العاصمة الخرطوم تجمع نحو 750 متظاهراً يهتفون ضد حكم العسكر وفق شاهد عيان.
وقبل عام بالتحديد أحيت التظاهرات "ثورة أكتوبر" 1964، وشارك فيها آلاف السودانيين في جميع أنحاء البلاد في اختبار قوة من قبل أنصار الحكم المدني في مواجهة الجيش الذي نفذ بعد أربعة أيام انقلابه.
حالة الطوارئ في النيل الأزرق
في سياق آخر أعلن حاكم ولاية النيل الأزرق حالة الطوارئ الجمعة، ومنح قوات الأمن صلاحيات كاملة "لوقف" القتال القبلي الذي أودى بـ150 شخصاً في يومين.
وجاء في مرسوم أصدره أحمد العمدة بادي، اطلعت عليه وكالة الصحافة الفرنسية، أنه "يعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء إقليم النيل الأزرق لمدة 30 يوماً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكلف المسؤولين المحليين للشرطة والجيش والاستخبارات وكذلك قوات الدعم السريع بـ"التدخل بكل الإمكانات المتاحة لوقف الاقتتال القبلي".
وكان مدير مستشفى ود الماحي عباس موسى قد أفاد وكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف بـ"مقتل 150 شخصاً بين أطفال ونساء وشيوخ وشباب أغلبهم مات نتيجة الحرق، كما جرح 86 آخرون يومي الأربعاء والخميس" في المنطقة الواقعة على بعد 500 كيلومتر من الخرطوم.
وفرضت السلطات منذ الإثنين حظر التجول ليلاً بعد مقتل 13 شخصاً وفق الأمم المتحدة، في اشتباكات بين أفراد قبيلة الهوسا وقبائل متناحرة، لكن الاشتباكات تجددت على رغم الانتشار الأمني.
وتظاهر مئات الخميس في الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق احتجاجاً على العنف. وطالب متظاهرون آخرون برحيل المحافظ بادي، معتبرين أنه غير قادر على حماية السكان.
وقتل ما لا يقل عن 149 شخصاً ونزح 65 ألفاً في النيل الأزرق بين يوليو (تموز) ومطلع أكتوبر، وفق الأمم المتحدة.
استغلال الأراضي
في بداية أعمال العنف، احتج أفراد من قبيلة الهوسا في جميع أنحاء السودان على خلفية ما اعتبروه تمييزاً ضدهم، بسبب العرف القبلي الذي يحظر عليهم امتلاك الأرض في النيل الأزرق لأنهم آخر القبائل التي استقرت في الولاية.
يعتبر استغلال الأراضي مسألة حساسة للغاية في السودان، إحدى أفقر دول العالم، حيث تمثل الزراعة والثروة الحيوانية 43 في المئة من الوظائف و30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول الخبراء إن النزاعات القبلية تتصاعد في السودان بسبب الفراغ الأمني، وخصوصاً بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين فصائل مسلحة والحكومة المركزية عام 2020.
وزاد من تدهور الأمور انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، عندما أطاح قائد الجيش عبدالفتاح البرهان شركاءه المدنيين من الحكم الانتقالي المتفق عليه عقب سقوط الرئيس السابق عمر البشير في 2019.
والأسبوع الماضي قتل 19 شخصاً وجرح 34 آخرون في نزاع قبلي بولاية غرب كردفان (جنوب)، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وقتل منذ يناير (كانون الثاني) نحو 550 شخصاً ونزح أكثر من 210 آلاف بسبب النزاعات القبلية في السودان، وفق المصدر نفسه.