توصل تحقيق بريطاني واسع تناول طريقة عمل قسم الولادات في مستشفى "إيست كينت" في إنجلترا، إلى أن سوء الرعاية كان السبب وراء وفاة 45 طفلاً [حديث الولادة] وإلحاق ضرر بـ97 آخرين، إضافة إلى التسبب بإصابة أو وفاة أمهات، مشيراً إلى أن جميع هذه الحوادث كان من الممكن تجنبها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المراجعة التي دققت في أكثر من 200 حالة، وشملت أكثر من عقد من الزمن من الإخفاقات في وحدة الولادات في "مستشفيات إيست كينت الجامعية" East Kent Hospitals University Trust، لاحظت وجود "نمط من الأذى المتكرر" في المؤسسة الاستشفائية.
وتبين من التحقيق أنه في 97 حالة من أصل 202، كان يمكن لحالة الأمهات أو الأطفال أن تكون مختلفة. من ضمن تلك الحالات كان يمكن تجنب وفاة 45 رضيعاً وإصابة 12 آخرين بتلف في الدماغ كما كان من الممكن تفادي وفاة أو تأذي 23 من الأمهات اللاتي قصدن تلك الوحدة للولادة. التحقيق وجد كذلك تقصيراً في رعاية نحو 54 حالة، لكنه رأى أن ذلك لم يكن ليغير النتيجة.
المراجعة هذه كانت برئاسة الدكتور بيل كيركب، والذي كان قد تولى تحقيقاً سابقاً أجري في عام 2015 في شأن إخفاقات مماثلة حصلت في "مستشفى موركامب بي" Morecambe Bay والتي تسببت بوفاة 16 طفلاً وثلاث أمهات.
الدكتور كيركب وصف في مؤتمر صحافي ما حصل في "إيست كينت" بأنه "مؤسف" و"مروع". وقال: "عندما قدمت تقريري عن حوادث قسم الولادات في "مستشفى موركامب بي" في عام 2015، لم أتخيل أنني سأعود لأضع تقريراً آخر عن مجموعة مماثلة من الحالات بعد نحو سبع سنوات".
وأوضح في رسالة بعث بها إلى وزيرة الصحة البريطانية تيريز كوفي، أن "الإخفاقات التي حصلت في كينت لم تكن بمثابة "حادثة استثنائية"، منبهاً إلى أنه ما لم تباشر هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" NHS بمعالجة سوء الرعاية في أقسام الولادات، فإن تحقيقات أخرى آتية لا محالة".
وكانت مراجعة لأداء المستشفى بين العامين 2009 و2020 قد خلصت إلى أن تلك الإخفاقات كانت جلية لكبار مديري المؤسسة الصحية وأعضاء مجلس إدارتها، وأنه كان من الممكن تحديد هذه المشكلات التي وقعت ومعالجتها.
وكان التقرير الذي نشر يوم الأربعاء الماضي قد سجل الملاحظات الآتية:
• إخفاقات جسيمة في العمل الجماعي، مع وجود سلسلة مشكلات بين القابلات وأطباء التوليد وأطباء الأطفال وخدمات حديثي الولادة.
• "اختلال في العمل الجماعي" وسلوك سيئ، انعكسا سلباً على طريقة الاستجابة لحوادث السلامة.
• "رعاية غير رحيمة" (من جانب العاملين في وحدة الولادات).
• فشل متكرر في الاستماع لشكاوى العائلات.
• الخلافات بين طاقم القابلات والعاملين في مجال التوليد كانت معروفة ولم يصر إلى معالجتها.
• إخفاق الجهاز التنظيمي في تحديد أوجه القصور في وقت مبكر وبشكل واضح بما فيه الكفاية.
الحكومة البريطانية كلفت الدكتور كيركب قيادة التحقيق، بعد أن كانت "اندبندنت" قد كشفت عن أن أكثر من 130 رضيعاً تعرضوا لإصابات في الدماغ أثناء عمليات الولادة في المستشفى، وذلك على مدى أعوام عدة.
الدكتور كيركب وفريق المراجعة طالبا باتخاذ إجراءات على المستوى الوطني، محذرين من "تكرار محطات الفشل هذه"، وداعين إلى "استخلاص العبر التي من شأنها أن تسهم في تحسين أداء وحدات الولادة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضاً على المستوى الوطني".
شرارة الفضيحة الصحية كانت قد انطلقت مع كشف أسرة الطفل هاري ريتشفورد الذي توفي بعد سلسلة من الأخطاء كانت قد ارتكبت من قبل طاقم موظفي وحدة الولادات في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017. وقد أصدر قاضي التحقيق حكماً بأن وفاة الطفل كانت نتيجة الإهمال و"كان يمكن تفاديها بالكامل".
وفي قضية بارزة، غرمت "لجنة مراقبة جودة الرعاية" Care Quality Commission المستشفى مبلغ 761 ألف جنيه استرليني (852 ألف دولار أميركي) بعد المحاكمة، وذلك بسبب فشله في حماية الطفل هاري ريتشفورد ووالدته سارة ريتشفورد من الأخطاء التي كان يمكن تجنبها، والتي أدت إلى وفاة الطفل.
وكانت "لجنة مراقبة جودة الرعاية" قد وجدت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أن النقص في عدد الموظفين في المستشفى جعل القابلات يعملن لمدة 20 ساعة في اليوم، مع أخذهن القليل من الوقت للاستراحة.
يشار إلى أن هذا التقرير يأتي على أثر مراجعة أجريت في فضيحة قسم الولادات في "مستشفى شروزبيري أند تيلفورد" Shrewsbury and Telford Hospital NHS Trust التي نشرت نتائجها في وقت سابق من هذه السنة، والتي توصلت إلى أن الإخفاقات في المؤسسة الصحية تسببت بوفاة وإصابة أكثر من 250 طفلاً.
"لم أجد من يصغي إليَّ"
توفيت ديزي، ابنة إيما روبينسون في عام 2014، بعد ساعات من ولادتها. وتصف الوالدة في مقابلة أجرتها معها "اندبندنت" كيف اضطرت إلى التوجه إلى المستشفى قبل أسبوع من الموعد المحدد لتحفيز الولادة، بسبب شعورها بصداع نصفي، ونتيجة ارتفاع في ضغط الدم وتورم، ووجود زلال في البول.
على رغم هذه الأعراض، طلب منها أن تنتظر الموعد الأساسي للولادة، لكن قبل نحو 48 ساعة من ذلك، أخذت تشعر بآلام المخاض، وعندما وصلت إلى المستشفى من أجل وضع طفلتها، كان ضغط دمها مرتفعاً للغاية إلى درجة اضطرارها إلى أخذ حقنة "إبيديورال" Epidural (التخدير فوق الجافية أو ما يعرف أيضاً باسم إبرة الظهر).
وتروي إيما الأحداث التي حصلت معها أثناء المخاض على النحو الآتي: "أتوا إليَّ في مرحلة ما وتحدثوا معي قائلين: بما أنك لا تحققين تقدماً، سنوقف مصل الهرمون (سائل ملح خفيف يضاف إليه هرمون أوكسيتوسين الذي ينتجه عادة الجسم أثناء عملية الولادة لإحداث التقلصات) كي تتمكني من النوم. أنت بحاجة إلى ولادة قيصرية، لكن لا يمكن إعطاء الأولوية لطفلتك، إذ توجد قبلك امرأتان أخريان تحتاجان هما أيضاً إلى ولادة قيصرية. إنهما بحاجة إلى هذا التدخل لأن طفليهما في وضع خطر أما طفلتك فهي بخير".
وتضيف: "كنت في الـ19 من عمري، شعرت بأنهم لا يستمعون إليَّ إلا عندما تكون والدتي في الغرفة، لأنها كانت ممرضة. لم أشعر أن أحداً كان يصغي إليَّ. أحسست بأنه كان يتم التعامل معي بصورة نمطية، وبأن مهما كان ما أمر به فإنهم يفهمون أكثر. أعتقد أن أحد الأمور الأخرى التي يتعين العمل على تغييرها هي الاستماع لرأي أهل الطفل".
تأزم الوضع بعد وقت وجيز من ولادة طفلتها ديزي، فقد كان على العاملين في وحدة الولادة أن يهرعوا إليَّ من أجل إنعاشها بشكل مأسوي، لكن بعد أكثر من ساعة قيل للأم إن الطفلة لا تستجيب لمحاولات إنقاذها.
بعد وفاة ديزي، وضعت روبينسون في جناح مع نساء أخريات كانت ولادتهن سليمة. وتصف الوضع الذي عاشته بالقول: "شعرت طيلة الوقت بخدر حيال ما يدور حولي، وكان كل شيء يبدو ضبابياً. بكيت كثيراً. أشعر باشمئزاز عندما تعود بي الذاكرة إلى الوراء، وأعاني قلقاً شديداً منذ فقداني طفلتي. كان الاستماع لآخرين، في وقت أعلم فيه بأنني لن أنجب طفلتي، أمراً مؤثراً وصعباً للغاية".
وضع الطبيب الشرعي في وقت لاحق تقريراً يقول فيه إن الطفلة ديزي توفيت بسبب متلازمة الموت المفاجئ للرضيع، لكن على رغم ذلك، تؤكد إيما أنه لم يتم الاحتفاظ بمشيمتها لإجراء اختبارات لها، ولا يمكن تالياً تأكيد حالة ارتفاع ضغط الدم التي يمكن أن تحدث أثناء الحمل Pre-Eclampsia.
وتقول روبينسون إن التحقيق الذي أجراه المستشفى في وفاة طفلتها ديزي، سجل بشكل غير صحيح أنها رفضت إجراء ولادة قيصرية.
وتقول في هذا الإطار: "كانوا يقولون لنا باستمرار إن هناك نقصاً في عدد العاملين الصحيين خلال فترة الليل، وإنه يتعين على ديزي أن تنتظر لأنها كانت تبدو بخير عندما كانوا يتحققون من نبضات قلبها، وتالياً لم تكن تشكل أولوية، على عكس الوالدتين الأخريين، اللتين كان وضعهما أكثر إلحاحاً. إن طفليهما هما اليوم على قيد الحياة فيما طفلتي رحلت".
وتختم بالقول: "أشعر بأنهم أخفقوا في التعامل معنا وبأن ديزي دفعت الثمن. أحس بالفظاظة نفسها التي كان عليها الوضع في عام 2014 لأنني لم أحصل على إجابات... ولا أريد لأمهات أخريات أن يعانين من وضع مماثل. آمل في أن يسهم هذا التقرير في تغيير وضع الرعاية داخل وحدات الولادة".
© The Independent