شي جينبينغ ليس ماوتسي تونغ ولا دينغ شياو بينغ، لكنه وصل إلى مرتبتهما وهي تسميته كثالث زعيم للحزب الشيوعي الصيني "ربان السفينة العظيم".
ماو الشاعر وصاحب الطبقة الصينية من الماركسية قاد المسيرة الكبرى إلى النصر في بكين عام 1949، وأقام الصين الشعبية واكتفى بزعامة الحزب تاركاً رئاسة الجمهورية ورئاسة اللجنة العسكرية لرفاقه.
دينغ المناضل القديم ونائب رئيس الوزراء الذي أهين خلال الثورة الثقافية الكارثية، قاد الصين بعد ماو و"عصابة الأربعة" إلى النهضة الحديثة بالانفتاح الداخلي والخارجي، واكتفى بالتوجيه وترك الأمانة العامة للحزب ورئاسة الجمهورية للمداورة بين الجيل الجديد من الرفاق على أساس 10 سنين على فترتين لكل واحد، وطلب أن ينص الدستور على منع "عبادة الفرد".
سمعة والده
أما شي فإن ما ساعده في تسلق المناصب وصولاً إلى المنصب الأعلى ليس ما لديه من مواهب ومؤهلات، بل سمعة والده شي زونغشن واحترام الجميع له كمناضل قديم ووزير للدعاية أيام ماو.
شي تابع النهضة التي بدأها دينغ وأوصل الصين إلى ثاني اقتصاد في العالم بعد أميركا، كما نقلها من قوة برية إلى قوة بحرية وجوية وتكنولوجية تعتبرها واشنطن المنافس الجيوسياسي القوي الوحيد لها.
وعلى غرار "الكتاب الأحمر" لماو، صدر كتاب جيب يحمل أفكار شي التي صارت مادة للتدريس بحسب الدستور، لكنه أول زعيم بعد مرحلة دينغ يتم تمديد ولايته خمس سنوات أخرى بعدما انقضت سنواته الـ 10 في السلطة بقرار خلال المؤتمر الـ 20 للحزب الشيوعي، وهو أول زعيم يمسك بالمناصب الثلاثة المهمة في السلطة، قيادة الحزب ورئاسة الجمهورية ورئاسة اللجنة العسكرية.
يقال في الغرب إن أميركا تخاف من "صين قومية" لا من "صين شيوعية"، لكن شي يلعب الورقتين الشيوعية والقومية معاً، فهو يشدد على الأيديولوجيا الماركسية لدى كوادر الحزب بمقدار ما يفاخر بالرابطة القومية.
يقول بصراحة "نحن ضد القيم الغربية الأكاديمية"، ويحذر من "التلوث الروحي" و"اللبرلة البورجوازية"، ويصر على تشديد قبضة الحزب على كل شيء في البلاد، وأبرز وعوده اثنان، أولهما أن الصين ستكون عام 2049، أي في الذكرى المئوية لانتصار الثورة، قوة عالمية كونية، وثانيهما التجديد العظيم لشباب الأمة الصينية، وأقوى سلاح في يده إلى جانب مناصبه هو محاربة الفساد، لأن هذا السلاح سيف مصلت فوق رؤوس الجميع، بحيث يتلمس رأسه أي ناقد لأية سياسة قبل أن يفتح فمه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مركزة السلطة
كان دينغ يقول "خبئ قوتك وانتظر وقتك"، لكن شي رأى أن الوقت حان لكشف القوة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً، ولم يكتم القول إنه قاد الصين إلى مركز المسرح العالمي وفرض التعددية القطبية على أميركا، وقبل سنوات كان يرد على الذين يحسبون الصين قوة عظمى بأن بلاده "دولة نامية في العالم الثالث" ولا تطمح إلى مرتبة القوة العظمى ولا للهيمنة على أحد، لكن مشروع "الحزام والطريق" كشف ما يخطط له شي في الخارج إلى جانب ما يركز عليه في الداخل، وهو ما سمّاه اقتصاد "الدوائر المزدوجة والازدهار المشترك"، والترجمة العملية لذلك هي القدرة على الانتقال من التصدير إلى الاستهلاك، والأخذ من الغني من دون الاستيلاء على كل ثروته، وإعطاء المحروم ليعيش وينهض.
لكن مركزة السلطة في يد واحدة تشكل نقطة ضعف بمقدار ما هي نقطة قوة، فلا مفر من الخلافات والأحقاد والحسد بين الكبار على قمة السلطة، والحزب الشيوعي في رأي البروفيسور كاي شيا العضو فيه، "منظمة مافيا أكثر مما هو حزب سياسي"، إذ ينقل كاي عن مسؤول كبير في الحزب أن شي يتعامل مع رفاقه كإمبراطور، والويل لمن ينتقده.
كاي عمل أستاذاً في المدرسة المركزية للحزب الشيوعي الصيني من عام 1998 إلى 2012، وهو علّم ودرب الآلاف من كوادر الحزب واستمر يقدم الاستشارات للقيادة العليا حتى بعد تقاعده.
وفي عام 2020، كما يروي في مقالة نشرتها "فورين أفيرز"، انتقد شي فتم طرده من الحزب وأوقف راتبه التقاعدي وجرى تحذيره من أن سلامته في خطر، فهرب إلى المنفى في أميركا.
وليس أخطر من مركزة السلطة سوى البقاء طويلاً فيها، وشي جمع بينهما ولم يجد مفارقة في ممارسة الأحادية في الداخل والدعوة إلى التعددية في الخارج.