تشهد العاصمة السعودية الرياض من 25 إلى 27 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي انطلاق فعاليات النسخة السادسة من مبادرة مستقبل الاستثمار تحت شعار "الاستثمار في الإنسانية - تمكين نظام عالمي جديد"، بمشاركة نخبة من صناع القرار والرؤساء التنفيذيين العالميين، لوضع الحلول المستدامة أمام التحديات الاقتصادية والإنسانية التي تواجه العالم حالياً.
ومبادرة مستقبل الاستثمار تتبع صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي)، والتي أطلقت عليها الصحافة الأجنبية "دافوس الصحراء" في مرحلة مبكرة من إعلانها، بوصفها واجهة للسعودية الجديدة يناقش فيها خبراء الاقتصاد والتنفيذيون الدوليون تحديات الاستثمار وآفاقه المستقبلية الواعدة كل عام.
المؤتمر الذي سيستضيفه مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات، يستقطب ستة آلاف مشارك، فيما يبلغ عدد المتحدثين 500 متحدث في 180 جلسة ستعقد بشكل متزامن، إضافة إلى 30 ورشة عمل وأربع قمم مصغرة موزعة على مدى الأيام الثلاثة، لمناقشة مواضيع مهمة من بينها: موازنة النجاح مع الاستدامة والصعود الجيو اقتصادي والمساواة في عالم غير متساو، وما يواجه قادة العالم في محاولتهم لإعادته لما كان عليه قبل جائحة كورونا، وما يواجهه من تحديات مستعصية وغير متوقعة.
مشاركة دولية رفيعة
وتستقبل الرياض وفوداً وشخصيات رفيعة من كبرى الشركات العالمية والأميركية على وجه الخصوص، على رغم التوتر في العلاقة الذي أصاب البلدين على خلفية قرار "أوبك+" الأخير الذي هدد على أثره الرئيس بايدن بأخذ إجراءات ضد السعودية، إلا أن كبار "وول ستريت" لا يبدو أنهم يشاركون بايدن موقفه من الدولة الخليجية.
إذ يستعد جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لشركة "جي بي مورغان" للحضور، إضافة إلى ديفيد سولومون من مجموعة "غولدمان ساكس"، كأبرز وجهين ماليين قادمين من نيويورك.
وبحسب تقارير صحافية فقد تم إدراج الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك ستون" ومؤسس شركة "Moelis & Co" ضمن الحضور. ومن المقرر أيضاً أن يحضر راي داليو، مؤسس شركة Bridgewater Associates، إضافة إلى كبار المسؤولين التنفيذيين الإقليميين مثل خلدون المبارك التابع لشركة مبادلة الإماراتية للاستثمار.
ومن أوروبا، فسيكون الرئيس التنفيذي لشركة "HSBC Holdings" نويل كوين، وفريدريك أوديا رئيس شركة "Societe Generale" ضمن الحضور أيضاً، وكذلك الرئيس التنفيذي لشركة Standard" Chartered Plc Bill Winters" على رغم أنه سيتغيب عن قمة "كوب 27" الشهر المقبل في مصر.
أما من الصين فلم تتضح الأسماء المشاركة بعد، إلا أن وفداً صينياً مكوناً من 80 رئيساً تنفيذياً سيكونون في العاصمة السعودية وقت الحدث.
نافذة على العالم
وأطلقت "مبادرة مستقبل الاستثمار"، التجمع الاقتصادي الأكبر في الشرق الأوسط، في عام 2017، كنافذة على العالم لأكبر مصدر للنفط في العالم، فيما يحاول تنويع اقتصاده بعيداً من الذهب الأسود تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة المبادرة، ريتشارد آتياس، إن اليوم الأول من المؤتمر سوف يشهد مناقشة عدد من الموضوعات من قبل مجموعة من الحائزين على جائزة نوبل التي ستحاول إيجاد حلول مستدامة لتلبية الحاجات الأساسية لسكان العالم، كما سيتم الحديث عن التحديات التي يطرحها النظام العالمي الجديد، فضلاً عن الفرص التي تنشأ عنه، مثل إنشاء نظام اقتصادي يحسن نوعية الحياة للمواطنين حول العالم، فيما ستعقد القمة الأولى في المؤتمر في اليوم الأول تحت شعار "صراع الأجيال".
وكشف آتياس عن أن جدول أعمال اليوم الثاني من المؤتمر يتضمن قمة "اقتصاد الطاقة الجديد"، بمشاركة متحدثين كبار لطرح رؤيتهم حول الوضع الحالي لقطاع التمويل والاقتصاد العالمي، ودور بعض الدول كاليابان في تمويل الطاقة المستدامة.
قمم مصغرة
وأضاف الرئيس التنفيذي لمبادرة مستقبل الاستثمار أن اليوم الثالث والأخير من المؤتمر سيشهد قمماً مصغرة حول صعود العملات الرقمية "الكريبتو"، ومستقبل أفريقيا بمشاركة عدد من المتحدثين من الصين وهونغ كونغ لبحث أهمية الشراكة بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط، وجلسة أخرى حول مستقبل الحوكمة البيئية والاجتماعية.
وأشار ريتشارد آتياس إلى أن قطاعات الطاقة وارتفاع الأسعار والاقتصاد الصحي العالمي سيكون لها نصيب من المبادرة، إذ يتناول المتحدثون خلال إحدى الجلسات هذه القطاعات لأهميتها بمشاركة وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وعدد من القادة الكبار المعنيين بمناقشة مجال الطاقة، فيما يتناول عديد من التنفيذيين مجال الرعاية الصحية والمجالات الأخرى.
نظام جديد
وأوضح الرئيس التنفيذي لمؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار أن العالم الآن تغير وينتقل نقلة نوعية نحو النظام العالمي الجديد الذي يتمحور حول كيف يفكر الإنسان بشكل مختلف، وكيف يكون الاستثمار بشكل مختلف، مشيراً إلى أنه يجب أن نفهم كيف يحدث هذا التغير الجديد من ناحية الاستثمار، ومن ناحية الهجرة، ومن ناحية القطاعات الجديدة التي بدأت تظهر للوجود، والتأكيد أن النظام العالمي الجديد ليس له علاقة بالسياسات الدولية.
وأفاد آتياس أن السعودية تركز على قضايا الإنسانية ويتمثل ذلك بمشروع (نيوم) الذي أطلقه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو "أحد المشاريع الرائعة التي ستحدث نقلة نوعية لمستقبل البلاد والتي يتم بناؤها لمستقبل الإنسانية، وكيفية العيش ضمن بيئة مستدامة"، مشيراً إلى أن السعودية تطلق بشكل مستمر مشاريع جديدة تراعي جودة الحياة التي تعد جزءاً من الإنسانية والتي علينا مراعاتها في هذه المبادرة.
وأكد أن مبادرة مستقبل الاستثمار تعتبر مؤسسة غير ربحية وتقوم بعدة مبادرات بهدف إحداث تأثير إيجابي في البشرية، بوصفها منصة لدعم الاقتصاد ومساعدة الشباب، مشيراً إلى أن الأولوية قبل جائحة كورونا تختلف عن الأولوية بعدها، وأن الأولويات بعد الجائحة أصبحت تتمثل في تكاليف السكن والأمن المالي والوظائف.
4 ركائز أساسية
ولفت إلى أن مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار تعتمد على أربع ركائز أساسية لتحقيقها وهي: (التعليم، والذكاء الاصطناعي، والرعاية الصحية، وتوفير الحلول التي تساعد على الاستدامة)، مفيداً أن المؤتمر سيكون الأول من نوعه على مستوى العالم لأنه يعمل على معرفة الأولويات في النظام العالمي الجديد ويتعامل معها.
وأضاف آتياس أن مبادرة مستقبل الاستثمار ومقرها الرياض استطاعت أن "تكون مختلفة عن المبادرات الأخرى من حيث الأهمية بدليل حجم المشاركة والحضور والمشاركين المميزين الذين يحمل بعضهم جوائز نوبل، وبعضهم يرأس عدداً من الشركات الدولية الكبرى"، مشيراً إلى أن المؤتمر سيكون الأول من نوعه على مستوى العالم لأنه ببساطة يعمل على معرفة الأولويات في النظام العالمي الجديد ويتعامل معها.
وقال ريتشارد آتياس إن النسخة السادسة لمؤتمر مؤسسة مستقبل الاستثمار ستتناول الحديث عن النظام العالمي الجديد، وأهم الأخطار والتحديات والفرص، والآفاق الجديدة، إضافة إلى عقد عدد من الجلسات الحوارية وورش العمل المتنوعة، لافتاً إلى أن قمة مجموعة العشرين خلال رئاسة الرياض لها أكدت أهمية التعاون للإسهام والقدرة على مكافحة جائحة كورونا وحل جميع المسائل المتعلقة بها.
كما شدد على أهمية مشاركة القطاعين العام الخاص، وهو النهج الذي تتبناه حكومة السعودية في مشروعاتها الكبيرة التي أحدثت تغيراً كبيراً من خلال التعاون بين القطاعين وهذا ما ستركز عليه المبادرة في المناقشات، مشدداً على ضرورة وجود التزام عالمي بالبعد الإنساني والاستثمار في هذا المجال.
منصة دولية
وتعد مبادرة مستقبل الاستثمار منصة دولية رائدة في مجال الاستثمار وملتقى سنوياً يجمع المستثمرين والمبتكرين والقادة من جميع أنحاء العالم، الذين يتمتعون بالقدرة على تشكيل مستقبل الاستثمار العالمي.
تهدف المبادرة إلى استغلال الفرص الاستثمارية لدفع عجلة النمو الاقتصادي، وتمكين الابتكار وتفعيل التقنيات المتقدمة، إضافة إلى استكشاف ومعالجة التحديات العالمية.
كما تعمل مبادرة مستقبل الاستثمار منذ انطلاقها في 2017 على مواصلة بناء شبكة فعالة، تضم أهم الأطراف المؤثرة في الساحة العالمية، إضافة إلى تسليط الضوء على القطاعات الناشئة التي ستعمل على رسم مشهد الاستثمار الدولي وتشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي خلال العقود القليلة المقبلة.
6 أعوام من استشراف مستقبل الاستثمار
في العام الماضي انطلقت أعمال الدورة الخامسة لمبادرة مستقبل الاستثمار 2021 تحت عنوان "الاستثمار في الإنسانية"، بمشاركة أكثر من 2000 بعثة، وخمسة آلاف مشارك من صناع القرار، وقادة شركات وصانعي سياسات ومستثمرين ومبتكرين من جميع أنحاء العالم، بهدف استكشاف الحلول للتصدي للتحديات المجتمعية والعمل على تشجيع الجهود الرامية إلى تحقيقها.
وبسبب جائحة كورونا وما فرضته من تغييرات في ظل الإجراءات الاحترازية، تم إرجاء الحدث في 2020 ليعقد في مطلع 2021، ضمن حضور شخصي محدود، وتم على رغم الظروف المضي قدماً بالحدث افتراضياً مع عدد من المدن العالمية مثل هونغ كونغ ونيويورك ولندن، وعملت مبادرة مستقبل الاستثمار على رسم معطيات جديدة لنهضة الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا، مؤكدة أهمية اعتماد التغيرات الجديدة التي يفرضها واقع ما بعد الجائحة والتركيز على الاستراتيجيات المتوازنة في الاستثمار وتبني قطاعات المستقبل، واعتماد مبادئ الاستدامة للعبور إلى نمو اقتصادي ونهضة منتظرة بعد الجائحة.
أما في عام 2019 فأدرجت المبادرة ضمن أكبر ثلاثة تجمعات لرواد الأعمال والمصرفيين عالمياً، وأطلق عليها لقب "دافوس الصحراء".
فيما شهد عام 2018 تحول الحدث إلى منصة للتوقيع على صفقات ومذكرات تفاهم فاقت قيمتها 60 مليار دولار، وركزت على مجال الطاقة تحت مظلة عملاق النفط السعودي "أرامكو".
وفي عام 2017 الذي انطلقت فيه النسخة الأولى من مبادرة مستقبل الاستثمار تم الإعلان الضخم عن مدينة "نيوم" التي تعد مدينة المستقبل والتي يجري العمل على إنشائها، إلى جانب الإعلان عن استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة السعودي ومستهدفاته لرفع الأصول تحت الإدارة.
توقيت صعب
ويأتي انطلاق فعاليات النسخة السادسة من مبادرة مستقبل الاستثمار في توقيت صعب للاقتصاد العالمي في ظل التحديات الاقتصادية التي فرضتها الحرب الروسية - الأوكرانية على العالم، والتي سبقتها أيضاً جائحة كورونا، فيما يعيش الاقتصاد السعودي اليوم تحولاً غير مسبوق، مع توافر فرص الاستثمار في جميع القطاعات الاقتصادية بما في ذلك قطاع التعدين والتقنية والسياحة، وفي المشاريع العملاقة الواعدة، سواء مشاريع نيوم ومشاريع البحر الأحمر ومشاريع القدية، وغيرها.
وحافظ صندوق النقد الدولي على توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي للعام الحالي والمقبل عند 7.6 و3.7 في المئة على التوالي، وبهذه المعدلات سيكون أكبر اقتصاد عربي الأعلى نمواً بين دول مجموعة العشرين خلال عام 2022، ثم الهند المتوقع نموها 6.8 في المئة.
وتتماشى توقعات الصندوق مع تقديرات الحكومة السعودية التي تتوقع نمو اقتصادها خلال العام الحالي بنسبة ثمانية في المئة، بدعم ارتفاع إنتاج النفط ونمو القطاع غير النفطي مدعوماً بالتعافي السريع من جائحة كورونا.
وفي حال سجل الاقتصاد السعودي معدلات النمو المتوقعة سيكون قد حقق أعلى معدلات نمو خلال 11 عاماً، أي منذ عام 2011 عندما نما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 10 في المئة.