قرر رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك الثلاثاء، 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إبقاء وزير المال جريمي هانت في منصبه الذي عينته فيه ليز تراس على عجل منتصف أكتوبر لتهدئة العاصفة المالية الناجمة عن برنامجها الاقتصادي.
وهانت البالغ من العمر 55 عاماً سياسي متمرس تولى وزارتي الصحة والخارجية، وقام منذ تعيينه بإلغاء كل الخفوضات الضريبية التي أعلنتها حكومة ليز تراس وحذر من إجراءات صعبة آتية، مما أثار مخاوف من عودة التقشف، ويتوقع أن يطرح إجراءات جديدة في شأن الموازنة في الـ 31 من أكتوبر.
كذلك عين سوناك حليفه المقرب دومينيك راب وزيراً للعدل ونائباً لرئيس الوزراء، وهما منصبان شغلهما في عهد بوريس جونسون.
ويمثل هذا التعيين عودة دومينيك راب (48 عاماً) الذي كان وزيراً للخارجية بين أعوام 2019 و2021، ثم وزيراً للعدل حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، على أعلى مستوى في الحكومة.
وعندما كان نائب رئيس الوزراء حل راب مكان جونسون عندما أدخل الأخير المستشفى لأيام للمعالجة من "كوفيد-19" ربيع العام 2020، وكذلك أبقى سوناك جيمس كليفرلي في منصبه وزيراً للخارجية.
وكان ملك بريطانيا تشارلز الثالث عين زعيم حزب المحافظين الجديد ريشي سوناك اليوم الثلاثاء، كثاني رئيس للوزراء في عهده بعد وقت قصير من قبوله استقالة ليز تراس.
وبعد وصوله إلى قصر باكنغهام عند الساعة 10.07 بتوقيت غرينتش، عقد وزير المال السابق البالغ من العمر 42 سنة أول لقاء له مع الملك، وفقاً للصور التي وزعها قصر باكنغهام.
وغادرت ليز تراس داونينغ ستريت الثلاثاء بعد 49 يوماً من تسلمها السلطة، وقبل تعيين خلفها ريشي سوناك رسمياً رئيساً للحكومة من قبل الملك تشارلز الثالث.
ولدى خروجها من مقر إقامة رئيس الحكومة، أعربت تراس عن تمنياتها بـ"كل النجاح الممكن" لخليفتها "لمصلحة بلدنا".
وأطلقت المحافظة التي تبلغ من العمر 47 سنة، نداءً لاعتماد الجرأة في السلطة. وقالت إنها "مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأننا يجب أن نتحلى بالجرأة لمواجهة التحديات".
واستعرضت فترة حكمها المشحونة، معددةً جنازة الملكة إليزابيث الثانية وتولي تشارلز الثالث العرش، إضافة إلى دعم الأسر في مواجهة ارتفاع فواتير الطاقة.
وبذلك، يدخل سوناك البالغ 42 سنة التاريخ كأصغر رئيس للحكومة البريطانية. كما أنه أول زعيم بريطاني من أصل هندي والأول من مستعمرة بريطانية سابقة.
وهذه المرة الأولى التي يسمي فيها الملك تشالز الثالث رئيساً للحكومة، فقد سميت رئيسة الحكومة المستقيلة ليز تراس من قبل الملكة إليزابيث الثانية في السادس من سبتمبر (أيلول) في قصر بلمورال الاسكتلندي، ثم توفيت الملكة بعد ذلك بيومين.
وبعد فوزه داخل حزب المحافظين الاثنين، وعد سوناك بـ"الاستقرار والوحدة". وقال إن "جمع الحزب والبلاد سيكون أولويتي القصوى"، مضيفاً أن "المملكة المتحدة دولة عظيمة لكن لا شك في أننا نواجه تحدياً اقتصادياً عميقاً".
وسيصبح سوناك رئيساً للحكومة في بلد يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة، فقد تخطى التضخم معدل الـ10 في المئة وهو الأعلى بين دول مجموعة السبع. ويأتي ذلك فيما لا تزال أسعار الطاقة آخذة في الارتفاع وكذلك أسعار المواد الغذائية، وفي وقت تحوم فيه مخاطر الركود. وسيتعين على سوناك تهدئة الأسواق التي اهتزت بسبب إعلانات ميزانية حكومة ليز تراس في نهاية سبتمبر، والتي ألغيت معظم أجزائها في سياق اتخذ منحى كارثياً.
إصلاح الأخطاء
وقال سوناك اليوم الثلاثاء إنه سيحاول معالجة الفوضى التي تركتها ليز تراس التي سبقته في المنصب، واستعادة الثقة في السياسة البريطانية ومواجهة "أزمة اقتصادية متجذرة"، لكنه حذر البلاد مما وصفه بقرارات صعبة قادمة.
ومن أمام مكتبه في داوننغ ستريت، وجه سوناك التحية إلى تراس، التي أحدث برنامجها الاقتصادي اضطرابا في الأسواق، قائلا إن الأخطاء التي ارتكبتها لم تكن "وليدة نوايا سيئة".
كما أشار إلى سلفها، بوريس جونسون، قائلا إن التفويض الذي منحه المحافظون في انتخابات 2019 لرئيس الوزراء الأسبق لم يكن ليتحمله شخص واحد، وإنه سيسترشد بوعوده.
وقال "أريد أن أشيد بمن سبقتني في المنصب ليز تراس... بعض الأخطاء ارتُكبت. لم تنبع من نوايا سيئة. بل على العكس تماما في الواقع. لكنها أخطاء مع ذلك".
وأضاف "تم انتخابي كزعيم لحزبي ورئيس للوزراء، وذلك جزئيا لإصلاحها (الأخطاء). ويبدأ هذا العمل على الفور. سأضع الاستقرار الاقتصادي والثقة في صميم أجندة هذه الحكومة. وهذا يعني اتخاذ قرارات صعبة".
وقال سوناك، وهو أحد أغنى المشرعين في البرلمان، مناشدا الشعب البريطاني الذي يواجه ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، إنه يقدر تماما مدى صعوبة الأمور بالنسبة لكثيرين.
وأضاف "كل ما يمكنني قوله هو أنني لست خائفا. أعرف المنصب الرفيع الذي قبلته وآمل أن أفي بمتطلباته.
"لذلك أقف هنا أمامكم مستعدا لقيادة بلدنا إلى المستقبل. لوضع احتياجاتكم فوق السياسة، للتواصل وبناء حكومة تمثل أفضل تقاليد حزبي. معا يمكننا تحقيق أشياء لا تصدق".
جونسون يدعم
من جهته، كسر رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون صمته الثلاثاء مُعلناً تقديم دعمه الكامل لرئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك.
وغرّد جونسون، المعروف بعلاقاته المتوترة مع سوناك، "تهانينا لريشي سوناك في هذا اليوم التاريخي، هذه اللحظة المناسبة لكل محافظ كي يمنح رئيس الحكومة الجديد دعمه الكامل والصادق".
وكان جونسون قد تخلّى عن ترشّحه لرئاسة الحكومة، ما سهّل الطريق أمام سوناك في الوقت الذي لم تتأهّل فيه منافسته بيني موردنت لخوض هذا السباق.
ولدى عدوله عن الترشّح، قال جونسون لسوناك إنه على قناعة بأنه كان ليحصل "على فرصة جيدة للعودة إلى دوانينغ ستريت" لو قرر البقاء في السباق. واستقال جونسون في تموز (يوليو) بعد توالي الاستقالات في حكومته وبينها استقالة سوناك.
الالتزام باتفاقات "بريكست"
وفي السياق دعت المفوضية الأوروبية سوناك إلى الالتزام الكامل بالاتفاقات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست"، وبخاصة المتعلقة بالترتيبات الجمركية في إيرلندا الشمالية.
وفي تغريدة تهنئة موجهة إلى سوناك، أكدت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين أنه "في هذه الأوقات العصيبة لقارتنا نعول على علاقة متينة مع المملكة المتحدة للدفاع عن قيمنا المشتركة مع الالتزام الكامل باتفاقاتنا".
وأعلن المفوض الأوروبي المسؤول عن العلاقات مع بريطانيا بعد "بريكست" ماروس سيفكوفيتش "لا أزال مصمماً على العمل بشكل مكثف وبناء لدعم مثل هذه الشراكة مع الاحترام الكامل لاتفاقاتنا، وهذا يشمل جهودنا لإيجاد حلول مشتركة بموجب البروتوكول الخاص بإيرلندا وإيرلندا الشمالية".
وكان رئيس الوزراء المحافظ السابق بوريس جونسون عاد عن أبرز نص في اتفاق "بريكست" والمتعلق ببروتوكول إيرلندا الشمالية الذي وقعه وصادق عليه الطرفان، وراجع من جانب واحد الوضع الجمركي لإيرلندا الشمالية بعد "بريكست."
والبروتوكول الذي أبرم لحماية السوق الأوروبية الموحدة أنشأ حدوداً جمركية في بحر إيرلندا لإبقاء إيرلندا الشمالية في المدار الجمركي للاتحاد الأوروبي، وتجنب إنشاء حدود برية بين المقاطعة البريطانية وجمهورية إيرلندا، العضو في الاتحاد الاوروبي، وحماية اتفاق الجمعة العظيمة الذي وقع في العام 1998.
ولحل هذه المعضلة وافقت حكومة جونسون على أن تبقى إيرلندا الشمالية بحكم الأمر الواقع ضمن السوق الأوروبية، مما أدى الى وجود الحدود الجمركية.
وليز تراس التي خلفته هي مهندسة القانون الذي يهدف إلى تجاوز الاتفاق التي وقعتها لندن مع بروكسل في شأن إيرلندا الشمالية.
وأطلقت المفوضية الأوروبية بالفعل سبعة إجراءات انتهاك ضد المملكة المتحدة قد تؤدي إلى إحالتها إلى القضاء الأوروبي لعدم الامتثال لأحكام هذا النص.
انقسامات عميقة
كذلك، يصل سوناك إلى السلطة خلال مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار. وهو خامس رئيس للحكومة البريطانية منذ عام 2016، عندما اختارت البلاد الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء أجري حينها.
سيترأس سوناك حزب المحافظين الذي يشهد انقسامات عميقة بعد 12 عاماً على وجوده في السلطة. وحذر النواب في معسكره من أنه يجب عليهم "الاتحاد أو الموت"، في ظل تحقيق المعارضة العمالية تقدماً في استطلاعات الرأي قبل عامين من الانتخابات العامة.
وحل هذا التحذير على الصفحات الأولى من الصحف اليومية البريطانية، فقد أشادت "ذي ديلي ميل" بـ"حقبة جديدة"، بينما قالت "ذا صن"، "عسى أن تكون القوة معك ريشي"، واضعة سيفاً ضوئياً في يد هذا المشجع الكبير لسلسلة "حرب النجوم".
استبعد سوناك انتخابات مبكرة يطالب بها حزب "العمال"، لكن وفقاً لاستطلاع أجرته شركة "إيبسوس" الاثنين، فقد أعرب 62 في المئة من الناخبين عن رغبتهم في إجراء مثل هذه الانتخابات قبل نهاية عام 2022.
كذلك، أفاد استطلاع أجراه مركز "يوغوف" بأن 38 في المئة فقط من البريطانيين راضون عن تبوؤ ريشي سوناك رئاسة الحكومة.
وسيتعين على هذا المؤيد لـ"بريكست" والذي ينظر إليه على أنه براغماتي، تشكيل حكومة بسرعة من أجل منح ضمانات للأسواق وإرضاء المجموعات المكونة لغالبيته، في ظل مخاطر مواجهة مصير ليز تراس. كذلك، سيتعين عليه شرح نواياه خصوصاً أنه لم يتحدث عنها خلال الحملة السريعة لرئاسة حزب المحافظين التي بدأت الخميس.
فقد فاز سوناك من دون برنامج أو تصويت من الأعضاء، بعد تخلي رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عن الترشح وفشل منافسته بيني موردنت في التأهل.
وخلال الحملة الانتخابية السابقة التي أجريت في الصيف، والتي خسر خلالها أمام ليز تراس، شدد وزير المال السابق (2020-2022) على ضرورة محاربة التضخم واصفاً وعود تراس بخفض الضرائب بـ"الحكاية الخيالية".
وفي ما يتعلق بالهجرة، أعرب سوناك عن تأييده للبرنامج المثير للجدل والمتمثل في إرسال المهاجرين الذين وصلوا بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة إلى رواندا. ومع ذلك، تم حظر هذا المشروع في المحكمة.