بينما يبدأ الرئيس الصيني شي جينبينغ ولايته الثالثة فإن هدفه هو جعل بلاده متقدمة في العقد المقبل، مما يعني أن الاقتصاد يحتاج إلى التوسع بمعدل نحو 5 في المئة. لكن الاتجاهات الأساسية - التركيبة السكانية السيئة والديون الثقيلة وتراجع نمو الإنتاجية - تشير إلى أن إمكانات النمو الإجمالية للبلاد تبلغ حوالى نصف هذا المعدل.
فالآثار المترتبة على نمو الصين بنسبة 2.5 في المئة لم تُهضم بالكامل في أي مكان في العالم، بما في ذلك بكين. وذلك لسبب رئيس هو أنه بافتراض أن الولايات المتحدة تنمو بنسبة 1.5 في المئة، مع معدلات تضخم مماثلة وسعر صرف مستقر، فإن الصين لن تتفوق على أميركا كأكبر اقتصاد في العالم حتى عام 2060. هذا إذا ما حدث ذلك في أي وقت مضى.
ويعتمد النمو على المدى الطويل على مزيد من العمال الذين يستخدمون مزيداً من رأس المال، واستخدامه بشكل أكثر كفاءة (الإنتاجية). في حين تنمو الصين، مع تقلًص عدد السكان وانخفاض نمو الإنتاجية، من خلال ضخ مزيد من رأس المال في الاقتصاد بمعدل غير مستدام.
دخل الفرد
وتعد الصين الآن دولة ذات دخل متوسط، وهي مرحلة يبدأ فيها العديد من الاقتصادات بشكل طبيعي في التباطؤ بالنظر إلى القاعدة الأعلى. ويبلغ دخل الفرد فيها 12500 دولار، أي خمس دخل الفرد في الولايات المتحدة، بحسب "فايننشال تايمز"، ويوجد اليوم 38 اقتصاداً متقدماً، وقد نمت إلى ما بعد مستوى الدخل البالغ 12500 دولار في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. في حين أن هناك 19 اقتصاداً فقط مرشحاً للنمو بنسبة 2.5 في المئة أو أسرع خلال السنوات العشر المقبلة. وقد تحقق ذلك بفضل زيادة عدد العمال ونمو السكان في سن العمل بنسبة 1.2 في المئة في السنة. فيما كان لدى اثنين فقط (ليتوانيا ولاتفيا) قوة عاملة متقلًصة.
وستكون الصين الدولة الكبيرة الأولى متوسطة الدخل التي تحافظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 في المئة، على رغم انخفاض عدد السكان في سن العمل، والذي بدأ في عام 2015. وفي الصين، يعد هذا الانخفاض حاداً، في طريقه إلى الانكماش بمعدل سنوي يقارب 0.5 في المئة في العقود المقبلة. ثم هناك الديون. ففي 19 دولة حافظت على نمو بنسبة 2.5 في المئة بعد الوصول إلى مستوى الدخل الحالي للصين، حيث بلغ متوسط الدين (بما في ذلك الحكومة والأسر والشركات) 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. في حين لا توجد ديون تقترب من ارتفاع ديون الصين.
الصين والديون
وقبل أزمة عام 2008، ظلًت ديون الصين ثابتة عند حوالى 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. بعد ذلك، بدأت ضخ الائتمان لتعزيز النمو، وارتفعت الديون إلى 220 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2015. ويؤدي فرط الديون عادة إلى تباطؤ حاد، وكان قد تباطأ الاقتصاد الصيني في 2010، ولكن من 10 في المئة إلى 6 في المئة، أي أقل دراماتيكية مما كانت تتوقًعه الأنماط السابقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الصين قد تجنبت تباطؤاً أعمق بفضل طفرة قطاع التكنولوجيا. والأهم من ذلك، من خلال إصدار مزيد من الديون. إذ يصل إجمالي الدين إلى 275 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد موّل كثير منه الاستثمار في فقاعة العقارات وذهب كثير منه هدراً.
وعلى رغم أن رأس المال - الاستثمار العقاري إلى حد كبير - ساعد في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي، انخفض نمو الإنتاجية بمقدار النصف إلى 0.7 في المئة في العقد الماضي. وانهارت كفاءة رأس المال. ويتعين على الصين الآن استثمار 8 دولارات لتوليد دولار واحد من نمو الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف المستوى الذي كان عليه قبل عقد من الزمن. وهو الأسوأ في أي اقتصاد رئيسي.
في هذه الحالة، سيكون النمو 2.5 في المئة إنجازاً. في حين أن الحفاظ على نمو الإنتاجية الأساسية بنسبة 0.7 في المئة بالكاد يُعوّض انخفاض عدد السكان. ولتحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة، ستحتاج الصين إلى معدلات نمو رأسمالية قريبة من معدلات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فيما ذهب معظم هذه الأموال إلى البنية التحتية المادية مثل الطرق والجسور والإسكان. ونظراً لحجم أزمة الإسكان، من المحتمل أن يتراجع نمو رأس المال الإجمالي إلى حوالى 2.5 في المئة.
بالطبع، هناك اتفاق على أن الصين يمكنها أن تحقق أي هدف تُحدده الحكومة، لكن التوقعات الإجماعية لم ترق إلى مستوى الإقرار بوتيرة التباطؤ الصيني في السنوات الماضية. فمن المرجح أن ينخفض النمو إلى أقل من 3 في المئة. وفي حوالى عام 2010، اعتقد البعض أن الاقتصاد الصيني سيتجاوز الاقتصاد الأميركي بالقيمة الاسمية في حلول عام 2020.
ولكن، بحلول 2014 كان بعض الاقتصاديين يدّعون أن الصين كانت الاقتصاد الأكبر في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية - وهو بناء يعتمد على قيم العملات النظرية من دون أي معنى في العالم الحقيقي. وجادل هؤلاء المُنظًرون بأن اليوان مُقوّم بأقل من قيمته بشكل كبير ومن المُحتّم أن يرتفع مقابل الدولار، مما يكشف عن هيمنة الاقتصاد الصيني.
وبدلاً من ذلك، انخفضت قيمة العملة الصينية، ولا يزال اقتصادها أصغر بمقدار الثلث من اقتصاد الولايات المتحدة من حيث القيمة الاسمية. إذا كان هناك أي شيء، فإن 2.5 في المئة هو توقّع مُتفائل يُقلًل من المخاطر على النمو، بما في ذلك التوترات المتزايدة بين الصين وشركائها التجاريين الرئيسيين، والتدخل الحكومي المتزايد في القطاع الخاص الأكثر إنتاجية - التكنولوجيا - وتزايد المخاوف بشأن عبء الديون.
بالتالي، فإن لنمو الصين بنسبة 2.5 في المئة تداعيات كبيرة على طموحاتها كقوة عظمى اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية. واحتمالات أن يتجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي أقل بكثير مما يُدركه العالم.