Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرق الفرات على صفيح ساخن بين "قسد" والقوات التركية

لا تتوقف أنقرة عن تذكير واشنطن بوعودها مطالبة إياها بالوفاء بها

مبنى السرايا في مدينة منبج السورية (اندبندنت عربية)

لا تهدأُ المساعي التركية نحو الإطباق على مدينة منبج السورية، في ريف حلب الشرقي المتاخمة لحدودها الجنوبية وسط أجواء مشحونة وساخنة شمالاً، بالتزامن مع جبهة سوريا جنوباً الرازحة على صفيح ساخن والمليئة بالتوترات، لا تنكفئ معها الطائرات الإسرائيلية عن استهداف ما تصفه بمواقع إيرانية والإغارة عليها وآخرها في حمص، وريف العاصمة في الأول من يوليو (تموز) الحالي.

منبج الساخنة

وسط هذه الأجواء المشحونة، بدا جلياً عزم أنقرة على استغلال الوقت واقتناص آخر المدن في الريف الشرقي الواقع تحت سيطرة كردية، دافعةً قوات درع الفرات المدعومة تركياً إلى الاشتباك على مدار يومين مع قوات تتبع لمجلس منبج العسكري، ووصفت مصادر مطلعة الاشتباكات بالأعنف من نوعها بين الطرفين المتنازعين على ضفاف نهر الساجور، بالقرب من منطقة "عون الدادات".

وأفاد مصدر من المجلس العسكري المشرف على أمن المنطقة والمسيطر عليها بأن نقاطاً للمجلس تعرضت لهجوم شمال منبج بدءاً من يوم الثلاثاء الماضي من قبل مقاتلي درع الفرات.

في المقابل، كثّف طيران التحالف طلعاته ورجّح مصدر عسكري أنه طيران أميركي تزامن تحليقه مع العمليات العسكرية والاشتباكات المندلعة قبل أن تخفت حدتها من دون أن يُقدم على ضرب أي هدفٍ عسكريٍ مكتفياً بالمراقبة والاستطلاع.

الدراجات النارية

في غضون ذلك، تحدثت مصادر أهلية في المدينة عن تشديد أمني مكثّف وغير مسبوق تشهده أرجاء المدينة مع قرارات أمنية، منها ما صدر الخميس بعدم تجوّل الدراجات النارية وهي الآليات التي يعتمد معظم أهل المنطقة عليها في قضاء حوائجهم معلّلة السلطات المسؤولة في المدينة قرارها بوجود ازدحام مروري لا بد من حلّه.

وفي حين أشار مصدر مطلع إلى أن المجلس الحاكم في منبج وضع خريطة طريق مفصّلة لمرور الدراجات النارية، لا سيما منع مرورها بشكل نهائي بأماكن قريبة من نقاطٍ عسكرية وأمنية مثل (التجنيد والسرايا) وكذلك الأسواق مشدداً على تنفيذ القرار في 13 يوليو الحالي، يربط مراقبون قرار منعها بمخاوف أمنية خصوصاً أنه جاء عقب انفجار دراجة نارية مفخخة في السويداء أسفر عن مصرع خمسة أشخاص.

الوفاء بالوعد

دبلوماسياً، لا تتوقف أنقرة عن تذكير واشنطن بوعودها مطالبةً إياها بالوفاء بها ومنها تسليم منبج وطرد أحزابٍ كردية مقاتلة منها (ب ب ك) الكردي والمصنّف تركياً بتنظيم إرهابي، وتوسّعت دائرة التفاوض عن ذلك المطلب بعد حديثٍ عن انسحابٍ أميركي إبان القضاء على تنظيم داعش في آخر معاقله بالباغوز شرق البلاد.

ولم يفوّت وزير الدفاع التركي خلوصي أكار فرصة لقائه الثنائي مع جيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص بسوريا وذلك في بروكسل على هامش اجتماع وزراء الناتو في 27 يونيو (حزيران)، حاضّاً إياه على إسراع الخطى باتجاه تطبيق اتفاق بلديهما لما يسمى "خريطة الطريق" في يونيو 2018 والذي يضمن إخراج الأحزاب الكردية المقاتلة من منبج.

خفايا المدينة

على المقلب الآخر، تقف الولايات المتحدة أمام الحشد التركي نحو منبج بكثير من التريث بعد أن سيطرت عليها مع التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية حليفتها الإستراتيجية ميدانياً والمدعومة منها، وتمكّنت "قسد" بعد هجوم في يونيو 2016 من السيطرة على المدينة بغطاء جوّي من قوى التحالف معظمها طائرات أميركية.

ومثّلت هذه المدينة كما يرى مراقبون بالنسبة إلى واشنطن ورقة ضغطٍ حتى على تركيا حيث خرجت عن سيطرة السلطة السورية في التاسع من يوليو 2012 لتحكم نفسها محلياً عبر مجالس بلدية منتخبة من دون أي تنظيم أو إدارة دولية، إلى أن تحرك تنظيم داعش محكماً السيطرة عليها في يناير (كانون الثاني) 2014 ما دفع بواشنطن للسيطرة عليها وإدارتها من بعد عبر "قسد".

وتخوض غالبية سكان المدينة من العشائر العربية صراعات خفية ومشاكل علنيّة على خلفية حوادث تنشب بين الفينة والأخرى مع الأكراد الذين يحكمون المنطقة، فضلاً عن عدم رضى تلك العشائر العربية على طريقة إدارة المدينة والتي يغيب فيها دورها في حين يمسك الأكراد بزمام السلطة بدعم أميركي، الأمر الذي تغذيه أنقرة للحصول على تأييد لها لتجهز على ما تصفه بمعقل كردي يقف حاجزاً أمام توغلها مستكملة منطقتها الآمنة.

الآثار المسروقة

وتتجلّى معلومات شبه مؤكدة عن اتجارٍ بالآثار إضافة إلى التنقيب والاكتشافات الأثرية لما تنضح به المدينة من كثافة مدافنها الأثرية التي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، ويتبادل الأهالي أحاديث عن مشاهداتهم تحركات مريبة من قبل مجموعات مسلحة تعمل على نهب الكنوز الدفينة منذ أن سيطر داعش على المدنية. وتحوّلت منبج إلى موقع مهم وإستراتيجي حتى للآثار المهربة وسوق لتصريفها وتهريب القطع الأثرية منها ومن مناطق ومدن كتدمر والحسكة والرقة، وتعبر مهرّبة إلى العراق وتركيا ومنها إلى أسواق تصريف عالمية.

وهكذا تترقّب قوات سوريا الديمقراطية وتتهيأ لهجوم تركي سيكون حاسماً بأسلوبه العسكري مع قوات درع الفرات المدعومة منه، وما الاشتباك الأخير على ضفاف نهر الساجور أحد تفرعات نهر الفرات إلا اختباراً لجاهزية نقاط المجلس العسكري كما يرى مراقبون تمهيداً لمعركة باتت وشيكة المعالم، ويتوقف ذلك على إعطاء الولايات المتحدة تركيا الضوء الأخضر، أو السماح لها في ضوء الوفاء بوعدها التاريخي لأنقرة.

المزيد من العالم العربي