منذ عام 1978 توجد قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان بموجب قراري مجلس الأمن 425 و426 ومقرها الرئيس رأس الناقورة.
على رغم الوجود الفاعل لقوات حفظ السلام الدولية في الجنوب اللبناني ووجودها العسكري المتزايد، حيث يصل عدد جنود البعثة إلى 13000 من 47 دولة مختلفة، وعلى رغم أنها لعبت دوراً أساسياً بضمان الاستقرار عند الحدود وفي مشاريع تنموية عديدة أقامتها هناك، تبقى هناك علامات استفهام حول ما إذا كان عملها مقيداً بأي شكل من الأشكال بوجود عناصر "حزب الله" في المنطقة.
اليوم، قبيل ساعات معدودة من توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في رأس الناقورة، تكثر التساؤلات حول الاستعدادات لهذا الحدث وحول المرحلة الجديدة التي ستتبعه.
أهداف عسكرية وتنموية
وفق ما يوضحه المتحدث باسم "اليونيفيل" في لبنان أندريا تيننتي خلال حديثه مع "اندبندنت عربية"، حصل تغيير بارز في مهمات البعثة منذ أن وجدت في جنوب لبنان عام 1978.
وأكد تيننتي أنه مهمات "اليونيفيل" أولاً لم تكن ذات هدف إنساني أو تنموي في المنطقة، بل وجدت لهدف عسكري للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أنه مع وجود "قوات حفظ السلام الدولية" في جنوب لبنان طوال هذه السنوات استطاعت أن تسهم بدعم ومساعدة أهالي المنطقة والبلديات من جوانب عديدة وفي مشاريع عدة.
وأوضح أن من هذه المشاريع ما هو ممول من "اليونيفيل" ويخصص لكل منها مبلغ 25000 دولار أميركي كحد أقصى بهدف تحسين نوعية حياة أهالي الجنوب عبر إعادة تأهيل البنى التحتية والمدارس وتأمين المولدات الكهربائية والطاقة الشمسية، التي تعد من أبرز متطلبات البلدات حالياً والمساعدات الطبية والغذائية.
كما أن ثمة مشاريع تمولها كل كتيبة بحسب ميزانيات معينة تخصصها لها الحكومات التابعة لها، كما يقدم أطباء "اليونيفيل" الرعاية الطبية لآلاف من أهالي المنطقة أسبوعياً مع الأدوية التي تلزمهم، بحسب تيننتي، لافتاً إلى أن "اليونيفيل" لديها ميزانية سنوية تقدر بـ500 ألف دولار أميركي لإقامة مشاريع تنموية في المنطقة بالتعاون مع البلديات.
يضاف إلى ذلك أن قسم الأعمال المدنية في "اليونيفيل" يعمل على تمكين فئات معينة، خصوصاً النساء عبر تدريبهن وتأمين التجهيزات والمواد اللازمة للعمل والإنتاج وبيع منتجاتهن لكسب العيش.
مع الإشارة إلى أن "اليونيفيل" تساعد في هذه النواحي جميعاً فيما لا تؤمن الدعم المادي، لكنها تعتبر مزود فرص العمل الثاني بعد الدولة اللبنانية، حيث يعمل ضمنها مئات اللبنانيين من المنطقة وخارجها فيشكل هذا مصدر دخل مهم لهم، إضافة إلى كل العاملين الأجانب والجنود الذي يعيشون في الجنوب أو لبنان عامة، مع ما لذلك من أثر مهم في إنعاش الاقتصاد.
هدف البعثة الأساسي
تبقى مهمات "اليونيفيل" الأساسية حفظ الاستقرار والأمن في المنطقة، وبناء على قرار مجلس الأمن تمديد تفويضها من شهر أغسطس (آب) الماضي لمدة عام، تعمل البعثة على توفير الدعم الكامل للجيش اللبناني لزيادة إمكاناته من النواحي كافة.
وأخيراً تعمل البعثة على تأمين المحروقات والأدوية والغذاء لعناصر الجيش، نظراً للأزمة التي تمر بها البلاد، وحرصاً على الحفاظ على قدراته ليستمر في الحفاظ على الأمن في جنوب لبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب تيننتي هذا هو هدف البعثة الأساسي، حيث تجند كل ما لديها من إمكانات من أجل الجيش اللبناني ليتسلم المنطقة بالكامل، فخلال الأزمة كان الجيش اللبناني عاجزاً عن تأمين المحروقات لمشاركة "اليونيفيل" في دورياتها.
ويقضي القرار 1701 بوجود عدد عناصر للجيش اللبناني مواز لقوات حفظ السلام الدولية، ولم يصل الجيش اللبناني يوماً إلى هذا المعدل، بل كان عدد عناصره أقل بكثير خصوصاً في المرحلة الأخيرة، ما دعا "اليونيفيل" بتفويض من مجلس الأمن إلى تأمين المحروقات والمساعدات الغذائية لتعزيز إمكاناته حتى يتمكن من القيام بدوريات معها.
واستناداً إلى القرار 1701، الذي يدعو إلى وقف العمليات القتالية في لبنان، فمن مهمات "اليونيفيل" القيام بدوريات يصل عددها إلى 450 في اليوم الواحد بالطائرات المروحية أو بالعربات أو سيراً على الأقدام في جولات بالشوارع، لضمان استقرار المنطقة بالتعاون مع الجيش اللبناني والحد من التوتر على الحدود ومراقبة الخروقات.
ونسبة 20 في المئة من هذه الدوريات تكون بمرافقة الجيش اللبناني فيما تكون كلها بعلم مسبق من استخبارات الجيش اللبناني.
التعاطي مع "حزب الله"
فيما يقضي تفويض البعثة بالتعاون مع قيادة الجيش والدولة اللبنانية ويخولها مناقشة الشؤون السياسية التي تدخل في إطار مهماتها مع مختلف الأطراف السياسية ومن ضمنها "حزب الله"، ما من تعاون رسمي وخاص مع الحزب خارج هذا الإطار.
فتفويض البعثة واضح ويقضي بتعاون "اليونيفيل" مع الجيش والسلطات اللبنانية، في المقابل يتم التعاون مع المخاتير ورؤساء البلديات في المنطقة وقد ينتمون إلى "حزب الله" أو "حركة أمل"، إنما التعاون معهم لا يكون على أساس انتمائهم الحزبي، بل انطلاقاً من أدوارهم الرسمية كمخاتير ورؤساء بلديات وفي إطار تنفيذ مهمات "اليونيفيل" والقيام بأنشطتها التنموية.
حالياً، ترسل "اليونيفيل" تقارير حول وجود منظمة غير حكومية تابعة لـ"حزب الله" هي Green without borders التي تهدف إلى زرع مليون شجرة في الجنوب لما للشجرة من رمزية كـ"رفيق المقاوم".
وأخيراً هي تضع مستوعبات عند الخط الأزرق، ما يولد جواً من التوتر بالنسبة إلى إسرائيل ويعد مصدر قلق لها، في الوقت نفسه تعتبر السلطات اللبنانية هذا حقاً لاعتبار أن ذلك لا يشكل تعدياً على الخط الأزرق، وثمة حرص على المراقبة من قبل "اليونيفيل" وإرسال تقارير إلى مجلس الأمن في حال حصول خروقات.
من جهة أخرى، تبين لـ"اليونيفيل" وجود مسلحين في البلدات، وقد حصل إطلاق نار للمرة الأولى خلال الفترة الأخيرة من أربعة مواقع مختلفة، ما استدعى التدخل وإرسال تقارير بهذه الخروقات أيضاً.
بالنسبة إلى أهالي المنطقة، من الطبيعي أن يكون لوجود "قوات حفظ السلام الدولية" بهذه الأعداد الكبيرة وقيامهم بمئات الدوريات خلال النهار في هذه المنطقة الصغيرة، أثر في الأهالي، وقد يخلق هذا جواً من التوتر أحياناً.
إنما تعد الحوادث قليلة ولا تذكر معهم، بحسب تيننتي، فيجري التعامل بإيجابية تامة وثمة قبول واضح لوجود "اليونيفيل" بعد عشرات السنوات، خصوصاً أن المنطقة مرت بنزاعات واحتلالات وقد لعبت البعثة دوراً مهماً في تقديم الدعم للأهالي في ظل الصعوبات التي مروا بها.
هذا باستثناء بعض فترات التوتر وبعض الخروقات والمعلومات الخاطئة التي تنتشر أحياناً حول أنشطة "اليونيفيل"، كما حصل بعد تجديد التفويض الخاص بوجودها في الجنوب، حيث تم التداول بأخبار حول أن عدد الدوريات بالتعاون مع الجيش اللبناني قد تراجع.
هذه الأخبار ليست صحيحة أبداً، فالجيش اللبناني لا يقوم بعدد الدوريات نفسه، لأن أعداد عناصره في ظل الأزمة لا يتخطى الـ3000، فيما يتخطى عدد قوات "اليونيفيل" الـ10 آلاف، ويؤكد تيننتي أنه سواء أكانت الدوريات برفقة الجيش اللبناني أو من دونه، يتم تبليغ استخبارات الجيش بها دوماً، كما تبذل البعثة جميع الجهود لدعم الجيش في هذه الأزمة، لأن هذا جزء من مهماتها.
مع الإشارة إلى أن أهالي المنطقة يشعرون بالارتياح عادةً لدى رؤية الجيش اللبناني مع قوات "اليونيفيل"، لذلك يهم البعثة بشكل خاص القيام بدوريات برفقة الجيش اللبناني.
البعثة والترسيم البحري
في ما يتعلق باتفاق ترسيم الحدود البحرية قدمت "اليونيفيل" الدعم اللوجيستي للأطراف السياسية، لا سيما أنها تشرف على منطقة رأس الناقورة، حيث تجري المفاوضات.
ويقتصر دور "اليونيفيل" على تأمين المقر لتوقيع الاتفاق وبقية الأمور اللوجيستية في المنطقة استعداداً لهذا الحدث، خصوصاً أنها البعثة الوحيدة التي لها قوات بحرية مع خمس بواخر لدعم الجيش حرصاً على عدم دخول أي سلاح غير شرعي عبر المياه اللبنانية، كما تعمل على تدريب القوات البحرية التابعة للجيش اللبناني.
أما في ما عدا ذلك، فليس لـ"اليونيفيل" أي دور في المفاوضات أو في توقيع اتفاقية الترسيم البحري، ويتولى بقية الشؤون مكتب الأمم المتحدة في نيويورك.
علماً بأن اللقاء الوحيد الذي يجلس فيه الطرفان معاً في غرفة واحدة هو "الاجتماع الثلاثي" الذي يعقد من عام 2006 لدراسة المسائل المتعلقة بتطبيق القرار 1701.
وخلال 16 عاماً عقد أكثر من 150 اجتماعاً بينهما، فكانت هناك حاجة إلى التنسيق بين الجهات المفاوضة بعد حرب يوليو (تموز) 2006 لأن إسرائيل كانت ستنسحب من المنطقة والجيش اللبناني لم يكن حاضراً آنذاك، منذ تلك الفترة انطلق "الاجتماع الثلاثي" الذي يضم ضباطاً من الجيش اللبناني وضباطاً إسرائيليين، إضافة إلى "اليونيفيل"، ويعقد في نقطة تخضع لإشراف البعثة الإيطالية في مقر يبعد مسافة 50 متراً من الحدود.
من الجانب اللبناني لم تكن الأمور سهلة في المرحلة الأولى، بل كانت الأجواء متوترة لفكرة الجلوس في غرفة واحدة مع الضباط الإسرائيليين، لكن عادت وسارت الأمور بإيجابية وجلس الكل في غرفة واحدة يدخلونها بشكل لا يلقي فيه الجانبان التحية على بعضهما ويجلس كل في جانب من الغرفة.
يدخل الجانب اللبناني أولاً ويليه الجانب الإسرائيلي بعد 10 دقائق، فيجلسان حول طاولة بشكل حرف U ويجلس على رأسها ممثلون لـ"اليونيفيل"، وعند الخروج أيضاً يخرج كل من الطرفين تباعاً من دون إلقاء التحية إلا على ممثلي "اليونيفيل" وبشكل لا يلتقيان فيه، فيما يمنع التقاط الصور.
منذ ذلك الحين يلتقي الطرفان كل ستة أشهر، إلا في حال وجود حالة طارئة، وانطلاقاً من هذا الاجتماع أقيمت المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية في الموقع نفسه وبالطريقة ذاتها، ويمنع على أي طرف لبناني آخر الدخول، وإن كان يعمل في "اليونيفيل"، إلا في حال الحصول على ترخيص خاص إذا كانت هناك ضرورة لذلك.
ماذا بعد التوقيع؟
السؤال المطروح اليوم هو هل من الممكن أن يحدث تغيير في مهمات "اليونيفيل" بجنوب لبنان بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية.
يؤكد تيننتي أن أي تغيير في مهمات البعثة يستدعي تعديلاً خاصاً في تفويض "اليونيفيل" بالعودة إلى مجلس الأمن وبتوافق جميع أعضائه وبموافقة جميع كتائب الدول التي أرسلت جنودها، لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، لكن ذلك لا يحصل تلقائياً، على حد قوله، بل ثمة مسار معين لتعديل التفويض حتى يحصل تغيير في المهمات بعد توقيع الاتفاق.
أما بالنسبة إلى التغيير الذي يمكن أن نشهده في المنطقة، فثمة آمال تعلق على هذه الاتفاقية التي قد تنعكس إيجاباً لجهة الحد من التوتر بين الطرفين المتنازعين وتأمين الاستقرار الأمني، لكن حتى تحصل استثمارات في المنطقة بعد التوقيع من المفترض أن يزيد الاستقرار ويخف التوتر.
قد يكون الوضع الجديد إيجابياً للكل، لكن المطلوب التزام جميع الأطراف للحفاظ على الاستقرار، أما مغادرة قوات "اليونيفيل" جنوب لبنان فرهن بالانتهاء من ترسيم الخط الأزرق بالكامل وضمان الاستقرار في المنطقة وانتهاء النزاعات مع إسرائيل، ولذلك تعمل البعثة على دعم الجيش اللبناني بشكل كامل وزيادة إمكاناته لتسلم مهمات "اليونيفيل" في الجنوب في مرحلة لاحقة.
بشكل عام، شهدت المنطقة من عام 2006 فترة الهدوء الأطول في جنوب لبنان من تاريخ بدء النزاع مع إسرائيل، ولعبت "اليونيفيل" دوراً في ذلك، خصوصاً مع حرصها على التزام الطرفين حفظ الهدوء وتجنب الخروقات.
وقد يأتي الاتفاق بمزيد من الاستقرار في المنطقة ويحد من التوتر، وإن كان التكهن بذلك صعب حالياً، لذلك تبذل "اليونيفيل" جهوداً لإنهاء جميع النقاط المتعلقة بالخط الأزرق لضمان الاستقرار عبر تحديده كاملاً، بما أنه ما من حدود نهائية حتى يكون الاستقرار تاماً ونهائياً بشكل يمنع أي توتر أو نزاعات مستقبلاً.
ما هو الخط الأزرق؟
في عام 2000 مع الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، واستناداً إلى القرار 425، كان على "اليونيفيل" الإشراف على عملية الانسحاب والتأكيد عليها.
حينها كان لا بد من وضع خط معين يمكن على أساسه تأكيد هذا الانسحاب، وانطلاقاً من ذلك وضع الخط الأزرق، وهو عبارة عن حدود واضحة أو علامات بين لبنان وإسرائيل.
وأرسلت الأمم المتحدة خبراء من نيويورك عادوا إلى وثائق تاريخية وضع على أساسها الخط الأزرق أو خط الانسحاب على أساس خريطة حددت بخط أزرق، فعرف بهذا الاسم.
أما الوثائق التي اعتمدت فهي تلك التي قسم فيها الفرنسيون والبريطانيون المنطقة بعد الحرب العالمية عام 1923. وضعت عندها علامات بالحجارة كحدود بين لبنان وفلسطين وتم توقيع اتفاق لتقسيم المنطقة، ثم في عام 1948 اشتعلت الحرب بين العرب وإسرائيل ووضعت حدود أخرى في عام 1949 شكلت ما يعرف بـ"خط الهدنة" أو الخط الأخضر.
وقد زودت "اليونيفيل" لبنان وإسرائيل بخرائط تظهر حدود كل منهما، التي لا يمكن تخطيها وتمت الموافقة على ذلك، فيما تشرف البعثة على تطبيق هذا الاتفاق.
لكن كان للبنان اعتراض على بعض النقاط في منطقة معينة لم يوافق فيها على الحدود التي وضعت ضمن الخط الأزرق، ومن ضمنها منطقة علما الشعب، لاعتبارها لا تتوافق مع الحدود التاريخية للبلاد.
وبقيت هذه الحدود غير واضحة، كما بدا في جولة لـ"اندبندنت عربية" على المنطقة العسكرية المقفلة للمدنيين، إلا بأذونات من الجيش اللبناني، لذلك قررت "اليونيفيل" بمبادرة منها وضع علامات تحدد فيها إلى حد ما الخط الأزرق، حتى يتمكن الكل من رؤية الحدود تجنباً لتخطيها.
ووضعت البعثة براميل زرقاء صغيرة تحدد الخط الأزرق أو المنطقة الحدودية، وبينها خط افتراضي غير مرئي يجمع بينها، وإن كان من الممكن تخطيه كما يحصل غالباً كونه غير واضح وفق ما يظهره الواقع على الأرض.
حتى الآن حددت نصف مساحة الخط الأزرق، فمن أصل مساحة 120 كيلومتراً التي تشكل الخط الأزرق حددت النقاط لـ60 كيلومتراً فقط بسبب الخلافات بين الطرفين حول بعض النقاط.
كما توجد بعثة صغيرة غير "اليونيفيل" من "مراقبي الهدنة" منذ عام 1949 وتضم ضباطاً من دول عدة، وهي تابعة للأمم المتحدة.
هذه البعثة تدرس الحدود بكثير من الدقة وتقيم حواجز في المنطقة التي يمنع فيها السلاح تماماً وتصل مساحتها إلى 1000 كلم2.