قالت الحكومة الأوكرانية إن روسيا ترتكب "إبادة بالطاقة" عن طريق قصفها نصف بنية الطاقة التحتية في البلاد تقريباً، فيما حذر مسؤولون أوكرانيون من أن هذه الأضرار قد تخلق أكبر كارثة إنسانية تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي حديثه إلى "اندبندنت"، صرح وزير الطاقة الأوكراني غيرمان غالوشينكو بأن روسيا تسعى إلى "زرع الظلمة واليأس" عن طريق تنفيذ ضربات يومية "بالجملة" تستهدف سلسلة إمداد التيار الكهربائي، أدت، إضافة إلى احتلال المنشآت، إلى قطع الكهرباء عن أعداد كبيرة من السكان.
كما قال إن 40 في المئة من كامل بنية الطاقة التحتية في البلاد قد تضررت، بما في ذلك الدمار الهائل الذي لحق بمنشآت توليد الطاقة الخضراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن 90 في المئة من إمكانات توليد الطاقة من الرياح و40 في المئة من قدرة توليد الطاقة الشمسية قد تعطلت في المحصلة.
جاء كلام السيد غالوشينكو في غمرة تحذيرات أطلقها مسؤولو الطاقة الأوكرانيون في شأن سلسلة الضربات الجوية التي وقعت في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، ورجحوا أنها "أكبر هجوم على البنية التحتية للطاقة في التاريخ".
وقالوا إن الوضع بلغ درجة من الخطورة أرغمت أوكرانيا على وقف إمداد الاتحاد الأوروبي بالكهرباء، فيما كانت هذه التغذية تساعد أوروبا على توفير بديل لموارد الطاقة الروسية.
وقال السيد غالوشينكو "إن روسيا عاجزة عن كسب المعركة الميدانية أمام قواتنا المسلحة لذلك قررت خوض مسار إبادة مجال الطاقة".
"يتعمد الروس شن هجمات على منشآت الطاقة في هذا الوقت، مع بدء موسم البرد، وفيما إمداد الطاقة مهم بشكل خاص للمواطنين. وهدفهم ليس أن يزرعوا الظلام فحسب بل أن يوقعوا اليأس كذلك في نفوس الأوكرانيين".
وحث شركاء البلاد في الغرب على تزويدها بمزيد من الأنظمة الدفاعية الجوية التي يمكن نشرها خصيصاً لحماية منشآت الطاقة والمنشآت النووية.
وناشدهم بقوله "نحن نحارب لأجل (أوروبا) كذلك. ونأمل أن يستمر دعمكم لنا لأن أجواءنا لا تزال بحاجة إلى الحماية".
شركات الطاقة الأوكرانية دقت ناقوس الخطر كذلك.
فقد قال فولوديمير كودريتسكي، رئيس شركة أوكرينيغرو، التي تشغل الشبكة الكهربائية في أوكرانيا، لـ"اندبندنت" إن سلسلة الغارات كانت "أكبر هجوم على البنى التحتية للطاقة في التاريخ".
وأضاف: "لم يشهد العالم غارات على هذا المستوى. نتحدث هنا عن مئات الصواريخ التي استهدفت البنية التحتية لتوزيع الكهرباء بالتحديد. لا أذكر أي حالة أخرى رأينا فيها هذا الحجم من الدمار".
وفي هذه الأثناء، حذرت أنتونينا أنتوشا من مجموعة ديتيك، أكبر مستثمر خاص في مجال الطاقة في أوكرانيا الذي يدير عدة محطات لتوليد الكهرباء، من أن الأضرار ستؤدي إلى قطع النور والتدفئة عن ملايين الأشخاص في البلاد، وسوف تسفر بالتالي عن "أكبر كارثة إنسانية منذ عام 1945".
وأضافت "لدينا اعتقاد تام بأن هذه ليست سوى البداية وبأن الهجمات ستتواصل على أهداف أخرى. وأكثر السيناريوهات جنوناً هو أن تستهدف الهجمات محطة توليد طاقة نووية".
عم الظلام أوكرانيا في أعقاب موجة غير مسبوقة من الغارات الروسية على شبكة توزيع الكهرباء، مع اقتراب فصل الشتاء القاسي.
اعترفت موسكو عدة مرات باستهدافها البنية التحتية لكنها تنفي استهداف المدنيين أو انتهاك القانون الدولي منذ إطلاق الرئيس بوتين غزوه للبلاد في فبراير (شباط).
إنما في المقابل، قالت منظمة العفو الدولية وغيرها من الجماعات الحقوقية إن الهجمات على المنشآت ربما ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
وعلقت ماري ستروذرز، مديرة منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى في المنظمة "من الواضح جداً بأن الجيش الروسي يحاول إضعاف الإنتاج الاصطناعي وتعطيل النقل وزرع الخوف واليأس وحرمان المواطنين في أوكرانيا من التدفئة والكهرباء والمياه مع اقتراب الشتاء القارس".
وأضافت "ليست معنويات السكان المدنيين هدفاً شرعياً، وشنه هذه الهجمات التي هدفها الوحيد هو إرهاب المدنيين هو جريمة حرب".
ناشد الرئيس زيلينسكي المواطنين شخصياً أن يقلصوا استهلاكهم للطاقة، مع البدء بتطبيق تقنين للكهرباء مدته أربع ساعات في كل البلاد، لتحقيق الاستقرار في الشبكة المتضررة.
وقال وزير الطاقة إن المدنيين استجابوا لهذه الدعوة بالفعل فقلصوا الاستهلاك الوطني بنحو 10 في المئة، لكن ذلك لا يزال غير كاف لوقف قطع الكهرباء المخطط والضروري، الذي من المتوقع أن يطول كثيراً، إذ نبهت كييف المواطنين الأسبوع الماضي أن يستعدوا لقضاء أسبوع بلا كهرباء.
ووصل الضغط على الشبكة إلى درجة دفعت بنائبة رئيس الوزراء إيرينا فيريشوك إلى مناشدة الأوكرانيين اللاجئين عدم العودة.
وفي مقابلة تلفزيونية يوم الثلاثاء، توجهت السيدة فيريشوك للأوكرانيين الذين يحتمون في الخارج حالياً بقولها إنه عليهم انتظار الربيع قبل العودة إلى موطنهم.
ولفتت إلى أن الشبكة "لن تتحمل" عودة اللاجئين من الخارج، وأن الوضع "سيزداد سوءاً" عندها.
وقال السيد غالوشينكو لـ"اندبندنت" إن جزءاً كبيراً من المشكلة التي يواجهونها هي أنه بعد إجرائهم أعمال التصليح والترميم، تتعرض المواقع نفسها للقصف من جديد.
قتل 54 عاملاً في قطاع الطاقة في الأقل، غالباً في هجمات مزدوجة على أنظمة توزيع الكهرباء، وشبكات الربط، والمحطات الفرعية ووحدات التوليد الحرارية، بحسب السيد غالوشينكو.
وأضاف "إن هدف العدو هو إعاقة إعادة توصيل إمداد الطاقة من مصادر أخرى. وغالباً ما تستهدف نيرانه التجهيزات نفسها مراراً وتكراراً إلى أن تتعرض للتدمير بالكامل".
وأعرب كودريتسكي عن اعتقاد أوكرانيا بأن روسيا تستخدم خرائط لأوكرانيا من العهد السوفياتي، إضافة إلى المعلومات المتوفرة من المصادر المفتوحة، لضرب الشبكة بشكل دقيق.
وقال إنهم يستهدفون المحطات الفرعية التابعة لأوكنيغرو بـ"ست أو سبع جولات (متتالية) من القصف" أحياناً.
وأضاف "غالباً ما يكرر الروس ضرباتهم، مثل الهجمات المزدوجة، أو الثلاثية أحياناً"، مشيراً إلى مقتل خمسة من عمالهم.
وحذرت السيدة أنتوشا، من ديتيك، من أن هذا الانقطاع في التيار الكهربائي يعني موت المدنيين، مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
تعرضت خمس محطات كهربائية حرارية من أصل ست تديرها ديتيك للهجوم، مما أسفر عن إصابة عشرة موظفين، ومقتل واحد.
تطال المخاوف كذلك قطاع الطاقة المتجددة في أوكرانيا.
عملت أوكرانيا، قبل الحرب، على تنويع المصادر في قطاع الطاقة، وكان المسؤولون يفتخرون بسرعة نمو قطاع الطاقة الخضراء الذي زود البلاد، قبل الحرب، بنحو 11 في المئة من إجمالي مصادر الطاقة المتنوعة التي تستخدمها. منذ بداية الحرب، تعطلت نحو 90 في المئة من إمكانات توليد الطاقة من الرياح و40 في المئة من قدرة توليد الطاقة الشمسية.
كما تزداد المخاوف في شأن محطات الطاقة النووية في البلاد.
تحتل روسيا محطة زابوروجيا النووية منذ مارس (آذار). وهي الأكبر في أوروبا ويمكنها توليد أكثر من ستة آلاف ميغاواط من الطاقة.
وتزعم أوكرانيا بأن قرابة 500 جندي ومركبة عسكرية تحتل المحطة النووية وأن الموظفين الأوكرانيين العاملين فيها تعرضوا للتعذيب وأجبروا على مواصلة العمل.
وقال الوزير غالوشينكو "أثناء محاولتهم فصل محطة زابوريجيا النووية عن الشبكة الكهربائية في أوكرانيا، قطع الروس الطاقة في المحطة ثلاث مرات حتى الآن، بعد قصفهم خطوط الطاقة التي تغذي (الشبكة) بالطاقة منها".
"في ذلك الوقت، كانت (المحطة) تعمل على مولدات الديزل التي يمكن أن تتعرض أيضاً لقصف الجيش الروسي في أي لحظة. وعندها ربما الذي ينتظرنا هو سيناريو فوكوشيما".
ودعا القوات الروسية والعناصر الروس إلى مغادرة المحطة النووية فوراً، كما ناشد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تخلق منطقة حيادية لا يوجد فيها الجيش الروسي ولا الأوكراني.
ومن جهتها، حثت المفوضية الأوروبية دول وشركات الاتحاد الأوروبي أن تتبرع بمزيد من المال والمعدات لدعم قطاع الطاقة في أوكرانيا.
لكن وزير الطاقة قال إنهم بحاجة إلى أنظمة دفاع جوي توقف الغارات الجوية، إذ لا جدوى من إعادة بناء محطات توليد الكهرباء والمحطات الفرعية إن تعرضت للقصف مجدداً.
وأضاف "لا تزال أجواؤنا بحاجة إلى الحماية. حماية تمتد إلى منشآت الطاقة والمنشآت النووية. نحتاج إلى أنظمة دفاع جوية. حاجتنا إليها ماسة وفورية".
© The Independent