"لم نلق من الجانب السوري إلا كل الترحيب والشفافية في التعاطي مع ملف عودة النازحين السوريين". هكذا استهل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كلمته في مؤتمر صحافي، وبعدها استؤنفت قوافل "العودة الطوعية" للاجئين السوريين.
منذ بدء الخطة عام 2017، عاد قرابة 540 ألف سوري طوعاً إلى بلادهم، لكن المبادرة سرعان ما توقفت مع نهاية عام 2019 بسبب انتشار فيروس كورونا. وفي الآونة الأخيرة، وضعت الحكومة اللبنانية خطة لإعادة 15 ألف لاجئ إلى سوريا شهرياً، لكن الخطة تصطدم برفض الأمم المتحدة التي ترى أن الأمن لم يستتب بعد في سوريا، وتطلب من السلطات اللبنانية التريث في الوقت الراهن.
سبق ذلك اجتماعات لتجنب الأزمة مع المنظمات الدولية وتحديداً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وقد أُعدت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في شأن هذا الملف شرح لبنان خلالها التداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية السلبية التي لحقت به، لا سيما بعد وصول أكثر من 80 في المئة من الشعب اللبناني إلى خط الفقر.
هواجس العودة
في زيارة إلى مخيم الدلهمية في بر إلياس المكتظ بالسكان والأولاد الذين يلعبون بينما تغيب عنه كل مقومات الحياة والخدمات الأساسية كالمياه الصالحة للشرب وخيمة بلاستيكية تحمي من عواصف الشتاء، يروي إبراهيم (46 سنة) هواجسه حيال العودة قائلاً "إلى أين سنعود؟ إلى المنازل التي هدمت؟ هناك لا توجد كهرباء ولا مياه ولا أمان. نطالب الدولة اللبنانية اليوم إذا أرادت أن ترحلنا بشكل قسري أن تقوم بترحيلنا إلى خارج سوريا، أي إلى أي دولة أوروبية، لكن إلى سوريا مستحيل، فسبل العيش هناك عدم وميتة"، مضيفاً "أحد أصحابي بعد عودته إلى البلاد قال لي إن الأوضاع هناك سيئة أكثر من لبنان".
وعن المساعدات التي يتلقونها من المفوضية تقول أمونة (66 سنة) "أوضاعنا في لبنان جد تعيسة، علماً أن برنامج الأمم لا يغطي بشكل كامل كل الأسر. ويتهموننا بأننا نتقاضى المساعدات النقدية بالدولار وهذا غير صحيح، إذ من المفترض أن نتقاضى 27 دولاراً يومياً لكنهم يعطوننا 500 ألف ليرة بدلاً من مليون و80 ألفاً. وهناك المساعدة المالية الشهرية التي يجب أن تكون 173 دولاراً نتقاضى منها مليون ليرة فقط".
ولفتت إلى أن "فاتورة الكهرباء والمياه والمواد الغذائية الأساسية تضاعفت وإيجار الخيام بالدولار ونحن مقبلون على برد قارس، لكن على الرغم من هذه الظروف نفضل أن نعيش هنا على أن نعود إلى بلادنا".
أما الشاويش محمد علي (52 سنة) فيؤكد أن "مساعدات الأمم لا تغطي المصاريف كلها، بخاصة أن كل المواد الغذائية ارتفعت أسعارها، والفاجعة الكبرى أننا مقبلون على شتاء قارس بينما صعد سعر برميل المازوت إلى 12 مليون ليرة وطن الخشب إلى سبعة ملايين ليرة، وتحتاج العائلة في النهار الواحد كحد أدنى من 30 إلى 40 كيلوغراماً من الخشب للتدفئة وخمسة ليترات مازوت".
تلكؤ الجهات الحكومية
في السياق، شدد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور الحجار في تصريح صحافي، على أن هذا اليوم هو "يوم وطني بامتياز"، وأن ما يحصل "ليس عملاً استعراضياً، وهناك دفعة ثانية وثالثة ورابعة، وسنستمر ونشتغل معاً من أجل العودة الطوعية".
وفي محاولة منا للتواصل مع الوزير الحجار جاء الرد من مكتبه الإعلامي بأن الوزير لا يريد إجراء مقابلة في هذا الإطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النائب فادي علامة لـ"اندبندنت عربية" "أهمية التواصل بين الحكومتين السورية واللبنانية للإسراع بإنجاز الملف"، معتبراً أن "الحكومة تسير ببطء خصوصاً من جهة التواصل مع الحكومة السورية، فالأعداد التي تعود إلى سوريا من خلال مؤازرة الأمن العام لا تزال خجولة وهناك قسم منهم لا نعلم متى يعودون عبر المعابر غير الشرعية، لذا نريد حلاً جذرياً".
وأشار علامة إلى أن "هناك صنفين من النازحين: النازح الاقتصادي والنازح السياسي. وبحسب الدراسات فإن الأكثرية نزحت بسبب الأوضاع الاقتصادية، وهي اليوم مسجلة في الأمم للاستفادة المادية أو ربما يعملون في وظائف أخرى، وعلى الرغم من الإجراءات الجديدة بوجود كفيل لضبط الأمور فإن الفوضى قائمة".
ولفت إلى أن "البنى التحتية اليوم غير قادرة على أن تستوعب مزيداً من الأعباء في القطاع التربوي والصحي، بخاصة أن الأوضاع داخل المخيمات غير آدمية بدليل تفشي الكوليرا"، مناشداً "الجهات الدولية بالتحرك سريعاً خصوصاً أن النازحين باتوا يشكلون ثلث سكان لبنان، ما يترتب عليه أعباء ومنافسة في سوق العمل". أضاف "80 في المئة من التقارير الأمنية أشارت إلى أنه عند كل نزاع أمني هناك سوريون مشاركون".
المفوضية كثفت الدعم
أكدت المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد أن "المفوضية تحترم الحق الإنساني الأساس للاجئين في العودة بحرية وبشكل طوعي إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه وبما يتماشى مع المبادئ الدولية للعودة الآمنة والكريمة وعدم الإعادة القسرية".
وأشارت إلى أنه "في كل عام يختار آلاف اللاجئين ممارسة حقهم في العودة، وتواصل بذلك المفوضية الانخراط في الحوار مع الحكومة اللبنانية بما في ذلك مكتب الأمن العام في سياق حركات العودة التي ييسرها".
أما عن المساعدات الإنسانية المقدمة إليهم، فأوضحت أن "المفوضية كثفت مساعداتها الإنسانية إلى اللاجئين واللبنانيين المحتاجين على الصعيدين المجتمعي والفردي المباشر. فعلى سبيل المثال، دعمت البلديات بمشاريع مختلفة مثل تركيب أعمدة وألواح الطاقة الشمسية، وأعادت تأهيل وتوسيع مراكز الرعاية الصحية، ودعمت المجتمعات بمشاريع لإدارة النفايات الصلبة في جميع أنحاء لبنان، كما دعمت هذا العام العائلات اللبنانية الضعيفة بمساعدة نقدية مباشرة".
وعن أنواع المساعدات الموجهة للاجئين الأكثر ضعفاً قالت أبو خالد إنها "تتضمن مواد الإغاثة الأساسية والرعاية الصحية والدعم النفسي الاجتماعي أو مبالغ نقدية يتلقاها اللاجئون بالليرة اللبنانية وليس بالدولار الأميركي، بالتعاون مع شركائنا من منظمات أممية أخرى. وتتلقى هذه العائلات ما بين مليون ليرة لبنانية لكل أسرة شهرياً (مساعدة نقدية متعددة الأغراض) أو 500 ألف ليرة لبنانية لكل فرد شهرياً (للطعام بحد أقصى ستة أفراد لكل عائلة)".
أما عن أعداد اللاجئين الذين رحلوا إلى بلادهم، فبحسب بيان المديرية العامة للأمن اللبناني فقد "تم تأمين العودة الطوعية لـ511 نازحاً سورياً من مناطق مختلفة في لبنان إلى الأراضي السورية عبر مراكز المصنع والعبودية وعرسال الحدودية".
وأشارت إلى أن "الأعداد توزعت عبر المراكز الحدودية الثلاث، حيث غادر 12 من أصل 12 نازحاً عبر مركز المصنع، وفي مركز العبودية غادر 12 من أصل 13 نازحاً، وعبر مركز وادي حميد– عرسال– معبر الزمراني غادر 487 من أصل 726، مما يدل على أن عدد المغادرين بلغ 511 نازحاً من أصل 751 كان مقرراً عودتهم، وهذا الفرق في عدد المغادرين يؤكد أن العودة طوعية بامتياز".