في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، كان من المقرر أن تستلم الصحافية الفلسطينية شذى حماد جائزة "كوت شورك" الدولية من مؤسسة "تومسون رويترز"، لكن ذلك لم يحدث إذ قررت إدارة الجائزة سحبها من الإعلامية بدعوى معاداة السامية.
شذى قدمت لمؤسسة "تومسون رويترز" ثلاثة تقارير صحافية نشرتها على مواقع إخبارية دولية، وبعد عملية التقييم تلقت بريداً إلكترونياً يبلغها بالفوز بجائزة "كوت شورك" لعام 2022، عن فئة جائزة المراسلين المحليين، التي تستهدف أعمال الصحافيين الملهمة التي تنطوي على الأحداث الواقعية في البلدان النامية.
سحب الجائزة
بعد إعلان "تومسون رويترز" أسماء الفائزين في الجائزة، نشرت منظمة "هونست ريبورتنغ" المتخصصة بمراقبة الصحافيين الفلسطينيين العاملين في الإعلام الدولي مقالة ذكرت فيها أن "شذى كتبت قبل سنوات على حسابها عبر منصة (فيسبوك) منشورات تحرض على اليهود والإسرائيليين، ودائماً تصف القتلى الفلسطينيين بالشهداء، ونشرت مقالة تعادي السامية، لذلك هذه الصحافية غير مؤهلة لنيل جائزة بهذا المستوى".
وبعد أقل من يوم من نشر المقالة، سحبت "تومسون رويترز" الجائزة من الصحافية الفلسطينية، وبررت ذلك بأن هذا القرار من أجل حماية نزاهة جوائز "كورت شورك"، وكتبت بياناً جاء فيه "اتخذنا قراراً صعباً بسحب جائزة شذى حماد أعقاب اكتشاف منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يؤيد خطاب الكراهية، واستخدام شذى لغة متطرفة معادية للسامية، هذه الخطوة من أجل حماية نزاهة جوائز كورت شورك".
أثار هذا القرار، موجة تضامن إعلامية كبيرة مع الصحافية، وفي الوقت نفسه حملة تنديد بالمعايير الدولية المفروضة على العاملين في مجال الأخبار مع المؤسسات العالمية.
تقول شذى "لدي تخوف كبير من طريقة التغطية مستقبلاً، فمن الممكن أن نصل لمرحلة لا نرى فيها اسم فلسطين على منصات الإعلام الدولية، هناك مؤسسات تشن هجوماً على مقالاتنا الصحافية، وتحرض علينا بذريعة استخدام مصطلحات من القاموس الفلسطيني أو تحت شعار معاداة السامية".
معاداة السامية تهمة عقابها الفصل
في الواقع، لم يكن حدث سحب الجائزة من شذى مفاجئاً للصحافيين الفلسطينيين، إذ سبق أن جرى إيقاف عمل أكثر من 15 إعلامياً ممن يتعاونون مع المواقع الإخبارية الدولية خلال العام الحالي بتهمة معاداة السامية.
وأخيراً، أنهت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية التعامل مع ثلاثة مصورين من قطاع غزة، وجاء هذا القرار بعدما أعدت منظمة "هونست ريبورتنغ" تقريراً وجهت فيه لهم تهماً بمعاداة السامية، ومخالفة القوانين المعمول بها في الولايات المتحدة.
وكان من بين الموقوفين عن العمل المصور حسام سالم، الذي ذكرت عنه "هونست ريبورتنغ" في تقريرها أنه "يحرض على الإرهاب، ويترحم على القتلى الفلسطينيين بمن فيهم أحد أقاربه وهذا أبشع صور الإرهاب الفلسطيني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حول ذلك يقول سالم "أشعر أن هذه البداية، وحبل التشويه لصورة الصحافي الفلسطيني العامل مع الإعلام الدولي على الجرار، بهدف منع وصول انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين الإنسانية".
ومن بين الموقوفين عن العمل بالتهمة نفسها نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر الذي يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين، إذ قامت وكالة الأنباء الفرنسية "AFP" بفصله بعد تلقيها معلومات تشير إلى أنه يعادي السامية.
يقول أبو بكر "أعتقد أن سبب فصلي حملة تشويه جرت بحقي، بعدما بدأت في ملف ملاحقة قادة إسرائيل وتقديمهم للمحاكم الدولية بسبب الجرائم والاعتداءات على الصحافيين الفلسطينيين".
تسعة صحافيين خلال شهر
وكانت مؤسسة "دويتشه فيله" المملوكة للحكومة الألمانية، أكثر المؤسسات الإعلامية التي أوقفت تعاونها مع الصحافيين الفلسطينيين هذا العام، إذ لوحدها أنهت التعامل مع 12، منهم تسعة عاملين في مجال المراسلة والتحرير وكتابة الأخبار خلال أقل من شهر بتهمة معاداة السامية.
يقول الصحافي ياسر أبو معيلق الذي أوقف من العمل من "دويتشه فيله" إنه وجهت إليه اتهامات بكتابة منشورات على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يدين فيها العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وعلى خلفية ذلك اتهم بمعاداة السامية، وجرى إنهاء التعامل معه برفقة عدد من زملائه.
كما، رفعت الصحافية الفلسطينية فرح مرقة قضية ضد "دويتشه فيله" في المحكمة الألمانية، وحصلت على قرار بأن إقالتها من الإذاعة المملوكة للدولة بتهمة معاداة السامية غير مبررة قانوناً، وعلى المؤسسة الاعتذار لها وتعويضها وإعادتها إلى وظيفتها.
يقول هاوكه رينسدورف محامي الصحافية فرح مرقة، إن المنشورات التي اتهمت فيها موكلته لم تكن تحتوي على أي تعبير معاد للسامية، ولم تذكر إسرائيل، بل تحدثت عن حرية التعبير وهو حق مكفول".
في المقابل، يقول كارل يوستن رئيس قسم الإشراف على المحتوى الصحافي في "دويتشه فيله"، إن العاملين في "DW" ملتزمون الإخلاص لقيم واستراتيجيات المؤسسة الألمانية، بينها الاعتراف الواضح بحق إسرائيل في الوجود، إضافة إلى نبذ معاداة السامية، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على الحسابات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.
يضيف "شكلنا لجنة تحقيق، وكل من اتهم في معاداة السامية جرى إيقافه، وهذا أمر مبرر، بسبب التعليقات التي نشروها على حساباتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي".
نقابة الصحافيين تتابع الموضوع
في الواقع، أغلب الصحافيين الفلسطينيين الموقوفين عن العمل من وسائل الإعلام الدولية، كان خلفه منظمة "أونست ريبورتينغ" يقول مديرها التنفيذي جيل هوفمان، إنهم يعتبرون منظمة رقابة إعلامية مناصرة لإسرائيل، ويعملون مع الحكومة الإسرائيلية على تشارك المعلومات.
ويضيف "ليس من المبرر السكوت عن معاداة السامية في منشورات الصحافيين الفلسطينيين العاملين مع مؤسسات دولية، ونرى أنه من المفروض عدم وجودهم في هذا المكان".
أما من ناحية نقابة الصحافيين الفلسطينيين يقول عضو الأمانة العامة فيها عمر نزال، إن قرار فصل الصحافيين على خلفية معاداة السامية يعد إنهاء للوجود الفلسطيني في وسائل الإعلام الدولية، ونعتبر ذلك قرارات تعسفية.
يضيف نتعامل مع جميع هذه القضايا بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين، ونتحدث مع المؤسسات ونرفع قضايا قانونية حول هذا الإجراء المرفوض، مشيراً إلى أن الفصل لا يعني أنه يجب على الصحافي الفلسطيني الانحياز للرواية الإسرائيلية.