لا تزال المدرسة الجزائرية تشهد "ظواهر مرضية" في ما يخص العنف المدرسي الذي له تأثيرات سلبية في إنتاج نظام تربوي صحي قادر على إنجاب أفراد ذي جودة علمية معرفية وأخلاقية راقية، بحسب خبراء نفسيين.
وتتخذ ظاهرة ضرب الأطفال في الوسط المدرسي أشكالاً عدة، تستدعي في كل مرة تحذير الفاعلين من تداعياتها والوصول إلى تجريم كل أفعال العنف الواقعة على أطفال المدراس.
تبريرات
ويقول جمال (اسم مستعار) وهو أستاذ في ابتدائية بالعاصمة، إنه يضطر في مناسبات معينة إلى معاقبة تلاميذه بسبب الاكتظاظ إذ يقول "أدرّس في قاعة فيها 40 تلميذاً بمستويات تعليمية متباينة، وألجأ أحياناً إلى الضرب للتحكم في الانضباط داخل القاعة".
وبحسب علماء النفس فإن لجوء المعلمين للعقاب المدرسي يدفع بالتلاميذ في مرات كثيرة إلى النفور من الدراسة، فيضطرون مكرهين إلى ترك مقاعد الدراسة في سن باكرة، فيجدون أنفسهم في الشوارع ضائعين.
وهذا حال أحد الأولياء الذي قال إن ابنه تخلى عن الدراسة في سن الـ 16 بسبب خوفه من عقاب المعلمة، قبل أن يصبح مدمناً على تعاطي المخدرات.
ويروي قصته فيقول، "بعد توقف ابني وليد عن الدراسة وجد نفسه يتخبط في فراغ قاتل في هذا السن الحساس، ليبدأ بعدها بتعاطي المخدرات، فاضطررت إلى منعه من طريق الترهيب، قبل أن أستعمل معه العنف اللفظي والجسدي في سن الـ 20، مما دفعه إلى محاولة الهجرة السرية بطريقة غير شرعية لإيطاليا، وبعد محاولتين فاشلتين تمكن من مغادرة البلاد".
ظاهرة اجتماعية باثولوجية
وتكشف دراسات أكاديمية بحثية أجريت على ظاهرة الضرب في الحقل التربوي أن العنف المدرسي ما هو إلا ظاهرة اجتماعية باثولوجيه برزت إثر تراكم ظروف وعوامل غير سوية جعلتها تتضخم في المؤسسات التربوية التي تعود أساساً إلى أسباب أسرية ومدرسية وبيئية ونفسية، ومن بينها اكتظاظ الأقسام خصوصاً في المناطق التي تعرف تدفقاً سكانياً هائلاً، وكذلك متطلبات بعض الأساتذة والواجبات المدرسية التي تفوق قدرات التلاميذ وإمكاناتهم.
وفي المحصلة تقدير وثناء ومعاملة حسنة للتلاميذ المتفوقين فقط، في حين تنهال الإهانات والشتم الراسبين، وهذا ما تشير إليه دراسة أكاديمية بعنوان "العنف في المدرسة الجزائرية: عوامله وسبل الوقاية منه" صدرت عام 2018، المنجزة من كل من عمار بن تروش وإلياس شرفة، وهي دراسة تسلط الضوء على الاختلالات والاستنسابية في التعاطي التي نجدها في المدرسة الجزائرية والتي كثيراً ما أدت إلى حالات عنف خطرة أفضت إلى حوادث مؤلمة، نجد منها عدم الإدراك بأهمية التعاطي الفردي مع التلاميذ وعدم تفهم متطلباتهم، لا سيما في تلك المرحلة العمرية الحساسة وعدم مراعاة الفروق الفردية داخل الصف، إضافة إلى عدم تقدير التلميذ كإنسان له احترامه وكيانه، والتشهير بجوانب الضعف عند التلميذ والإكثار من انتقاده والحط من كرامته، وعدم إتاحة الفرصة للتلميذ للتعبير عن مشاعره وتفريغ غضبه بطرق سليمة.
"مفسدة التربية"
ويؤكد كثير من الأطباء النفسيين أن اللجوء إلى استخدام العقاب الجسدي ضد الطفل له آثار سلبية، على اعتبار أن التربية لا تعني الضرب والقسوة بقدر ما هي مساعدة الطفل على التكيف بنجاح مع الوسط الذي يعيش فيه، سواء كان ذلك على الصعيد العائلي أو الاجتماعي أو المدرسي.
وتكشف الطبيبة النفسية سارة عكوش أن "هناك سبلاً وطرقاً أفضل لتربية التلاميذ وتوجيههم"، إذ تقول إن "الطفل الذي تعرض للضرب من الكبار لا شك في أنه سيستخدم العنف في ما بعد ضد من هم أصغر سناً، وحتى في المجتمع في ما بعد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف أنه يتعين على المربي أن يحاول غرس سلوك طيب في نفسية الطفل من خلال الموازنة بين الثواب المادي والمعنوي عبر محاولة مكافأته عند قيامه بعمل جيد لكي نعزز فيه الثقة بالنفس.
ولا تزال المؤسسات التربوية تفتقر إلى الأنشطة الإيجابية النافعة التي تمتص فائض طاقة التلاميذ على غرار الرياضة، الموسيقى والرسم والأشغال اليدوية، والتي تصقل شخصية التلميذ وتنميها وتكسبها الخبرة والمعرفة، وتزيد من الشعور بالثقة في النفس وتنمي الألفة والمحبة بينه وبين المدرسة.
ويدعو الباحث والكاتب عبدالرحمن العيسوي إلى تأهيل وإعداد الأستاذ الحديث على أسس علمية وتربوية وأخلاقية ودينية ووطنية، وتلقينه كيفية خلق برامج ترفيهية الهدف منها إحراز البطولات والفوز بالمسابقات مما يحفز الطلاب أكاديمياً ونفسياً، ومن ذلك تدعيم دور الأسر المدرسية التي ترعى الهوايات أو الأنشطة الحرة وتنميتها، وتنظيم المسابقات الثقافية والعلمية والفنية لشغل أوقات التلاميذ وتنمية مواهبهم وإبعادهم من اللهو والعنف والعدوان.
محاذير قانونية
ودفعت ظاهرة تنامي العنف المدرسي الحكومة لاتخاذ "إجراءات تكفل حماية للأطفال المتمدرسين الذين باتوا عرضة لجرائم عدة تشكل تهديداً صارخاً لهم، سواء في حياتهم وسلامة أجسامهم أو في نفسيتهم وأخلاقهم".
وقد أصدرت وزارة التربية الجزائرية كثيراً من المناشير والمراسلات التي تدعوا إلى تجنب المعلم استخدام الضرب كوسيلة تربوية وتحث على محاربة العنف داخل المؤسسات التربوية".
ويمنع القانون الجزائري في الشق المتعلق بنظام الجماعة التربوية في المؤسسات التربوية والتكوينية، منعاً باتاً استخدام الضرب كوسيلة تربوية لمعاقبة التلاميذ، ومنع حتى العنف اللفظي والإساءة داخل المؤسسات المدرسية مثل السب والشتم والإهانات والتهديد والوعيد.
ويعتبر التشريع أن الأضرار الناتجة من ضرب التلاميذ مهما كانت الأسباب، خطأ فردي يتحمل مسؤوليته الموظف الفاعل ولا تتحمل الإدارة مسؤولية فعلته، ولا تدافع عنه أمام المحاكم بصفته موظفاً عمومياً، كما أن الإدارة تقوم بمتابعة الموظف المخطئ إدارياً من طريق مجلس التأديب لمعاقبته، وقد ينتهي به الأمر إلى الفصل والطرد.
كذلك يقر القانون الجزائري عقوبة على مرتكبي العنف ضد الأطفال، إذ نصت المادة (962) من قانون العقوبات على أن "كل من ضرب أو جرح عمداً قاصراً لا يتجاوز سن 16 أو منع منه عمداً الطعام أو ارتكب ضده عمداً أي عمل آخر من أعمال العنف أو التعدي في ما عدا الإيذاء الخفيف، فتكون عقوبة العنف ضد الأطفال في الجزائر السجن من عام إلى خمسة أعوام وغرامة من 500 إلى 5 آلاف دينار جزائري".
وتقول أرقام رسمية إنه خلال 2020 تم تسجيل حوالى 6293 حادثة عنف، أي ارتفاع بنسبة أربعة في المئة مقارنة مع سنة 2019، فيما تسجل سنوياً نحو 200 ألف طفل تحت سن الـ 16 سنة في سوق العمل، ويرتفع هذا الرقم لنحو نصف مليون خلال موسم رمضان والاصطياف.