تعرضت التلميذة في المستوى الابتدائي رحاب بنرقية إلى كسر في يدها اليمنى مما تطلب إجراء جراحة، وذلك إثر تعرضها لضرب مبرح من قبل أستاذها، بحسب ما ذكر ولي أمرها.
هذه الحادثة أعادت للواجهة موضوع العقاب في المدارس المغربية في ظل وجود تجاوزات تصل إلى التسبب في جروح خطرة.
العصا لا تزال موجودة
وعلى رغم حظر المغرب كل أنواع العقاب الجسدي والنفسي في المدارس، إلا أنه لا يزال يسجل توالياً لحالات عنف من بعض الأساتذة بحق التلاميذ، وعلى رغم تراجع أعداد تلك الحالات مقارنة بالعقود السابقة، إلا أنه تتفجر بين الفينة والأخرى حالات من ذلك القبيل. ويوضح الباحث في المجال الفكري عبدالكريم حلات أنه "يجب التفريق بين العقوبات البديلة وبين التعنيف اللفظي والمعنوي والمادي الممارس ضد التلميذ المغربي، مما يشكل ظاهرة وليس سلوكاً فردياً معزولاً، وهي ظاهرة بكل ما تحمل الكلمة من مفاهيم"، موضحاً "أن العقوبات البديلة التي نسعى إلى توطيدها في المدارس العمومية كسلوك عقابي شرعي يسهم في الرفع من حس المسؤولية لدى الطفل، كما يسهم في الحفاظ على كرامته التي يهدرها التعنيف".
من جانبه، يقول المفتش التربوي لحسن آيت وعبو إنه "مع كل الأدبيات البيداغوجية المؤطرة للمجال التعليمي والتي تدعو إلى نبذ العنف بكل أشكاله داخل الفضاءات التربوية وخارجها، إلا أن كثيراً من ممارسات العقاب النفسي والبدني لا تزال لصيقة بالممارسات التربوية المغربية لأسباب كثيرة يتداخل فيها الاجتماعي والديني والقيمي"، موضحاً أن حالات العقاب المسجلة تتناقص خلال السنوات الأخيرة، مما يؤشر إلى أن المجتمع ينحو باتجاه الديمقراطية والحريات ولو بخطى غير ثابتة، إلا أن "العلاقة بين المدرسة والمحيط تلقي بظلالها، باعتبار أن المدرسة تسعى جاهدة إلى استئصال العقاب، بينما العنف في المجتمع يشتد أحياناً وبخاصة في بعض الأوساط ذات الوضعية الهشة، ليستمر السؤال من يسعف الآخر، المدرسة أم الوسط" على حد تعبيره.
ويؤكد يوسف حميدي وهو رئيس جمعية آباء تلاميذ إحدى مدارس مدينة تطوان، استمرار نهج بعض الأساتذة للضرب وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه الحال في ما قبل، معتبراً أنه "على رغم تقلص حجم تلك الظاهرة إلا أنها لا تزال وصمة عار في جبين المدرسة المغربية، ولها انعكاس خطر على شخصية الطفل في المستقبل"، مضيفاً أن "تلك الظاهرة تتجاوز في حالات كثيرة ما هو متعارف عليه في مجال العقاب المدرسي، إذ تشهد حالات كسر عظام وجروحاً خطرة". ويخلص حميدي إلى أن "لهذه الحالات انعكاسات لا تكون على التلميذ المعنف فقط بل تتعداه إلى باقي زملائه، ونحن كمهتمين بالشق التعليمي نقف دائماً إلى جانب هذه الحالات المؤسفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العنف يولد العنف
وتختلف الآراء حول اعتماد الضرب في العقاب المدرسي، فهناك من يرى أن استخدام الضرب من شأنه إصلاح الطفل بواسطة الخوف من العقاب، وبالتالي الاجتهاد وتحسين السلوك، وأن منع تعرض الطفل للضرب فكرة منقولة عن الغرب من شأنها جعل الأطفال مدللين أكثر من اللازم، لكن بعضهم الآخر يعتبر أن العنف لا يولد إلا العنف.
من جانبه، يشدد يوسف حميدي على أهمية منع الضرب في المدارس، موضحاً أن "اللجوء إلى العنف الجسدي يخلف أثاراً وخيمة على شخصية الطفل ويهدم نفسيته ويستحيل في المستقبل ترميم شخصية الطفل المعنف، وحينما يشتد عود هذا الطفل يصبح بدوره عنيفاً وينتقم لنفسه من أستاذه في المستوى الدراسي الثانوي أو حتى في الجامعات، لأننا ببساطة نكون قد أنتجنا جيلاً عنيفاً بنفسية غير مستقرة لا تؤمن بالحوار ولا تحمل قيم الاحترام".
وتابع، "قطاع التربية والتعليم مملوء بالشوائب، وهناك أساتذة للأسف يعانون اضطرابات نفسية خطرة جداً تضع التلاميذ في وضع خطر".
لكن حسن حمودة وهو محافظ سابق لإحدى المكتبات في مدينة طنجة، يؤكد ضرورة استخدام الضرب في مجال العقاب المدرسي قائلاً إن "ما جعل جيلنا، جيل الخمسينيات والستينيات، أحسن الأجيال تربية وخلقاً وتعليماً، أننا كنا نتلقى التربية في البيت وفي المدرسة ومن الجيران ومعارف آبائنا وكل أفراد العائلة، ولولا تلك التربية الرصينة التي يسمونها اليوم عنفاً، وكل ما تتضمنه من احترام وخوف لما التزمنا بمواعيد المدارس ولما حفظنا الدروس ولما احترمنا بعضنا ولما دخلنا باكراً قبل آذان المغرب إلى بيوتنا ولما لبسنا أزياء محتشمة ذكوراً وإناثاً، ولما ابتعدنا من التدخين والحشيش والخمور وغيرها. وأوضح "أن الاحترام والالتزام والخوف كلها تؤدي إلى التوازن والاعتدال والانضباط وعدم التمرد والتهور الذي يفضي إلى الانحراف والتسيب والتطرف، وهو ما يطبع حالياً سلوكات شوارعنا وأزقتنا وفصولنا وبيوتاتنا".
حلول
ويقترح الباحث في المجال الفكري عبدالكريم حلات بعض الحلول للحد من استخدام الضرب في المدارس، مشيراً إلى أن القوانين واضحة في محاربتها تعنيف الطفل، لا سيما التلميذ داخل الفضاء المدرسي والقوانين الداخلية للوزارة المعنية بالطفل، فجميعها تحث على الأمر نفسه.
وأوضح أن "الممارسة الميدانية أمر آخر باعتبار أن التلميذ يعنف في المدرسة العمومية تحديداً، والحل يبدأ بتوعية الآباء بحقوق أبنائهم في المؤسسات الدراسية ومواكبتهم ودعمهم في متابعات قضائية للمعنفين وبخاصة إعلامياً، إضافة إلى المتابعات القضائية".