صخب وجدل ضجت بهما وسائل الإعلام الأميركية عقب استكمال الملياردير إيلون ماسك عملية الاستحواذ على موقع "تويتر" مقابل 44 مليار دولار، الخميس الماضي، وقيامه بتسريح رئيس الشركة باراغ أغراوال والمدير المالي نيد سيغال والمسؤولة القانونية فيجايا غادي. غير أنه ما زاد العالم الافتراضي ضجيجاً، كانت تلك التغريدة التي قال فيها ماسك، إن "الكوميديا أصبحت مسموحة في (تويتر)"، مما أثار مخاوف من تخفيف القيود على خطاب الكراهية أو الخطابات العنصرية والأخبار الزائفة.
وعلى مدار اليومين الماضيين، واجه ماسك اتهامات عدة داخل الولايات المتحدة من الجماعات اليسارية التي قالت إنه "متعطش للفوضى"، ووصفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأنه "عامل فوضى جيوستراتيجية".
وفي أوروبا بدت حال من التأهب لأي سياسات يمكن أن تتعارض مع القواعد الأوروبية لتنظيم الشبكات الاجتماعية، إذ غرد تييري بريتون المفوض الأوروبي المكلف الإشراف على السوق الرقمية قائلاً "في أوروبا، العصفور سيحلق وفق قواعدنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الجانب الآخر، احتفى المحافظون في الولايات المتحدة باستحواذ الرجل الأغنى في العالم على "العصفور"، معتقدين أن وجهات نظرهم وآراءهم ستلقى حرية أوسع بعيداً من القيود الليبرالية السابقة التي طالما اعتبرت عدداً من آراء المحافظين عنصرية، مما أسفر عن غلق آلاف الحسابات ومن بينها حساب مغني الراب الأميركي كانيه ويست، وقبله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب المتهم بالتحريض على العنف. وغردت النائبة الجمهورية مارجوري تيلور غرين، المعروفة بتأييدها لترمب من حسابها الرسمي قائلة "حرية التعبير.. نحن ننتصر". وردد زميلها في الحزب السيناتور تيد كروز تعليقات مشابهة واصفاً استحواذ ماسك على "تويتر" بأنه "واحد من أكبر التطورات لصالح حرية التعبير في العصر الحديث".
قلب المشهد السياسي
لعل تغيير المشهد السياسي جراء سياسات "تويتر" الجديدة قبل انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس بأيام قليلة والانتخابات الرئاسية 2024، هي أكثر ما يثير فزع الليبراليين في الولايات المتحدة وتحديداً أعضاء الحزب الديمقراطي الحاكم، في الوقت الذي تعاني شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن، تراجعاً متواصلاً في استطلاعات الرأي.
في الوقت نفسه، أعرب ماسك عن رغبته في إعادة حساب ترمب الذي ينوي خوص انتخابات 2024، ما يشكل تحدياً مضاعفاً لبايدن الذي بدت كثير من علامات الاستفهام حول صحته في الآونة الأخيرة، فضلاً عن الأداء الاقتصادي الذي يثير الاستياء نتيجة ارتفاع معدل التضخم.
واعتبر عديد من المعلقين الأميركيين الذين ينتمون للتيار المحافظ إتمام صفقة استحواذ ماسك على "تويتر" انتصاراً لقضيتهم، لا سيما قبل الانتخابات بنحو أقل من أسبوعين، وأعرب بعضهم عن آماله أن يتبع مارك زوكيربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" المالكة لمنصة "فيسبوك" خطوات ماسك، وهو ما يعتقد المراقبون أنه ربما يحدث حتماً.
آثار افتراضية أوسع
طالما كانت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ساحة تنافس قوي بين اليمين واليسار الأميركي، وعادة ما كانت فيها الغلبة للأخير الذي يسيطر على وسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة، ومن ثم فإن استحواذ رجل أعمال يرغب في منح مساحة في منصة قوية مثل "تويتر" للمحافظين يشكل تهديداً لخصومهم السياسيين.
وقال أنجيلو كاروسون رئيس مؤسسة "ميديا ماترز" (مؤسسة بحثية تميل لليسار) إن "فيسبوك" حتماً سيلغي الحظر المفروض على حساب ترمب إذا أقدم "تويتر" على الخطوة، مضيفاً في تعليقات لمجلة "تايم" الأميركية، أنها "يمكن أن تكون لها آثار كبيرة في الساحة الرقمية، إنه يمنح الجمهوريين في الأساس مكبر صوت لأسوأ أشكال الأكاذيب الانتخابية، التي يمكن أن تثير مزيداً من الشكوك حول الديمقراطية وحتى التهديدات، وإذا تمكنوا من استهداف بعض هذه السباقات الانتخابية المحلية، فيمكن أن يكونوا مزعجين للغاية".
وعلى غرار "فيسبوك"، أعلن ماسك أنه يخطط لإنشاء "مجلس إدارة المحتوى" على "تويتر"، مؤكداً أن المجلس سيتكون من أشخاص لديهم "وجهات نظر متنوعة على نطاق واسع".
وأوضح أنه لن يتم اتخاذ أية قرارات رئيسة في شأن المحتوى أو إعادة الحسابات المعلقة قبل انعقاد المجلس، لكن مجلس "الإشراف العالمي" الذي شكله "فيسبوك" قبل عامين، ويعمل بمثابة "محكمة عليا" تتخذ قرارات في شأن القضايا الشائكة والمنشورات التي تتضمن كلاماً يحض على الكراهية، فشل في إرضاء المستخدمين الذين شكوا من وضع قيود متزايدة على منشوراتهم، كما لا يزال المراقبون يعتقدون أن ماسك سيتدخل حتماً في سياسات "تويتر".
فوضى جيوسياسية
التنافس السياسي والانتخابي ليس وحده الذي أثار الصخب والقلق حيال "ماسك- تويتر"، لكن ما هو أبعد من ذلك كثيراً التأثير الجيوسياسي للملياردير الذي يمتلك شركات "تسلا" و"سبيس إكس" و"بورينغ" و"نيورالينك" و"أوبن أيه آي"، فطالما كانت آراء ماسك في ما يتعلق بالسياسة الدولية وشؤون الدول الأخرى مجل جدل وانتقاد، ومن ثم يخشى منتقدوه من صعوبة فصل آرائه عن مصالحه التجارية، وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن ماسك برز كممثل فوضوي جديد على مسرح السياسة العالمية.
وفي الأسابيع الأربعة الماضية، عرض ماسك خطة سلام لروسيا وأوكرانيا أثارت غضب المسؤولين الأوكرانيين عندما نشر استطلاعاً للرأي على حسابه بـ"تويتر" تضمن إعادة إجراء الانتخابات "تحت إشراف الأمم المتحدة" في الأراضي التي ضمتها روسيا أخيراً بشكل غير قانوني، وأشار في مقابلة صحافية إلى أنه يمكن استرضاء الصين إذا منحت سيطرة جزئية على تايوان، ما دفع المسؤولين في تايبيه لمطالبته بالتراجع عن اقتراحه.
وتقول "نيويورك تايمز" إنه في حين أن كثيراً من المليارديرات يحبون التغريد بوجهات نظرهم في الشؤون العالمية، لكن لا يمكن أن يقترب أي منهم من تأثير ماسك وقدرته على التسبب في المتاعب، وقد خاض أحياناً في مواقف حتى بعد أن نصح بعدم القيام بذلك "تاركاً وراءه بالفعل كثيراً من الفوضى".
مع ذلك، كثيراً ما كان ماسك لاعباً إيجابياً في المشهد الدولي، حيث وفر للأوكرانيين الإنترنت من خلال نظام الأقمار الصناعية "ستارلينك"، ومول جزءاً من الأجهزة والخدمات مما مكن المدنيين والجنود من الوصول إلى وسائل اتصال مهمة خلال الحرب المستمرة مع روسيا. وقالت كارين كورنبلوه مديرة صندوق مارشال الألماني (مؤسسة أبحاث جيوسياسية) ومستشارة سابقة للرئيس باراك أوباما "لقد أصبحت التكنولوجيا مركزية في الجغرافيا السياسية، إنها رائعة وفوضوية، وهناك إيلون ماسك يقف في الوسط".
لكن خلال الشهر الحالي، أثار ماسك الجدل مجدداً عندما غرد قائلاً إن شركته "سبيس إكس" لا يمكنها أن تمول خدمة "ستارلينك" للإنترنت في أوكرانيا إلى الأبد، مشيراً إلى أن الشركة تنفق نحو 20 مليون دولار شهرياً لتشغيل الخدمة، وأفاد تقرير أن الشركة طلبت من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الدفع مقابل خدمة "ستارلينك"، في حين أشارت صحف أميركية إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا أسهمت في الكلفة.
تبقى الصين هي النقطة الأكثر قلقاً في ما يتعلق بالمصالح الجيوسياسية، إذ تشكل التوترات بين الصين وتايوان مخاطر كبيرة على إمبراطورية أعمال ماسك، حيث تدير "تسلا" منشأة تصنيع في شنغهاي تنتج ما يصل إلى 50 في المئة من سيارات الشركة الجديدة، وتسيطر حكومة بكين بإحكام على كيفية عمل الشركات الغربية في البلاد، وهو ما جعل المراقبين يشعرون بالقلق في شأن التأثير الذي قد يسببه اعتماد "تسلا" على الصين في مواقف ماسك السياسية.