رغم مرور أكثر من 11 سنة على إطاحة حكم الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، لم تنجح الحكومات المتعاقبة بعد 2011 في استرجاع الأموال المنهوبة من قبل عائلة بن علي وأصهاره التي تم تهريبها إلى الخارج، وظلت سردية استرجاع "أموال الشعب المنهوبة" شعار الحكومات المتتالية وصولاً إلى الرئيس الحالي قيس سعيد، الذي أعلن في سبتمبر (أيلول) 2020 تشكيل لجنة خاصة بهذا الملف من دون تحقيق أي تقدم في مسار استرجاع تلك الأموال.
وفي أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي رفع التجميد عن أموال سبعة أفراد من عائلة الرئيس الأسبق بن علي، مما أعاد السؤال حول أسباب عدم تمكن السلطات التونسية من استرجاع تلك الأموال وتباطؤ القضاء التونسي في حسم مختلف القضايا المتعلقة بالملف.
مطالبة للرئيس بالتحرك
اعتبرت "أنا يقظ" (منظمة رقابية) في بيان لها أن "رئيس الدولة طالما ادعى حرصه على استرجاع الأموال المنهوبة من دون أن تكون هناك أي مجهودات دبلوماسية أو إجرائية في مستوى آمال الشعب التونسي الطامح إلى استرجاع أمواله المهربة طوال أكثر من عقد من الزمن".
وتابعت أنه "على رغم قرار رئيس الجمهورية تشكيل لجنة لاسترجاع الأموال المنهوبة منذ نحو السنتين يترأسها وزير الخارجية، فإن هذه اللجنة لم تجتمع ولم تنشر أي تقارير عن أنشطتها مع العلم أن أمر إحداثها ينص على أن ترفع اللجنة كل ثلاثة أشهر إلى رئيس الجمهورية تقريراً حول نشاطها وتقدم أشغالها، لكنها بقيت مجرد وعد زائف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكرت المنظمة أنها سبق أن حذرت من "نية الاتحاد الأوروبي رفع التجميد عن أموال وممتلكات بين سبعة إلى 10 أشخاص من عائلة الرئيس السابق بن علي".
كما ذكرت أنها "طالبت رئيس الجمهورية قيس سعيد بالتحرك العاجل لإيقاف هذا القرار المحتمل من خلال تحريك آليات الدبلوماسية التونسية والجهاز القضائي والتسريع في ترجمة ونشر الأحكام القضائية الباتة والصادرة ضد هؤلاء الأشخاص".
يشار إلى أن مجلس الاتحاد الأوروبي رفع أخيراً تجميد أموال سبعة أفراد من عائلة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي والمقربين منها.
وكان الاتحاد الأوروبي راسل رئاسة الجمهورية التونسية ليعلمها أن آخر أجل لرفع التجميد عن الأموال المنهوبة في دول أوروبية سيكون نهاية يناير (كانون الثاني) 2021.
وعلى رغم مرور عقد من الزمن على مطالب استرجاع الأموال المهربة للخارج لم تسترجع تونس إلا مبالغ زهيدة مقارنة بحجم الأموال التي تم تهريبها.
حكومات متواطئة
وفي حين لا توجد أرقام رسمية عن حجم تلك الأموال المهربة، يقدر فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس هذه الأموال بنحو 23 مليار دولار، بينما صرح رئيس الجمهورية قيس سعيد بأن "قيمة الأموال المنهوبة من البلاد تقدر بـ13.5 مليار دينار (نحو خمسة مليارات دولار)، "ويجب إعادتها في مقابل صلح جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها".
ويؤكد القاضي السابق أحمد صواب لـ"اندبندنت عربية" أن "القضاء التونسي يواجه صعوبات في هذا الملف، من ذلك الأحكام الغيابية التي لا يعترف بها القضاء الأوروبي، نظراً إلى غياب ضمانات المحاكمات العادلة للمقربين من بن علي"، داعياً القضاء العدلي إلى التسريع في الإجراءات وإصدار أحكام نهائية وباتة.
ويضيف صواب أن هناك "نوعاً من التراخي من القضاء في التعاطي مع تلك الملفات يصل إلى حد التواطؤ في مختلف الحكومات التي استخدمت ملف الأموال المهربة للمزايدات السياسية من دون تحقيق نتائج فعلية".
ويعتبر القاضي السابق أن "ملف الأموال المنهوبة يتطلب مسارات قضائية طويلة ومعقدة ومكاتب محاماة دولية وأموالاً ضخمة من أجل الحسم في الملفات وفق إجراءات قضائية سليمة".
إجراء إداري روتيني
في المقابل قلل وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كورشيد في تصريح خاص من أهمية قرار رفع التجميد على الأموال المنهوبة لفائدة عدد من أقارب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، معتبراً أن الخطورة "إجراء إداري روتيني وليس قراراً قضائياً".
وأضاف أن "تلك الأموال يمكن للدولة التونسية أن تسترجعها ولو بعد سنوات من خلال المسار القضائي"، داعياً القضاء التونسي إلى "إصدار الأحكام النهائية والباتة في تلك الملفات".
وتحدث كورشيد عن تجربته عندما كان وزيراً في التعاطي مع هذا الملف من خلال "تسجيل بعض التقدم في ترجمة الأحكام القضائية وتحريرها وإرسالها إلى الجهات المعنية في الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع وزارة الخارجية".
وأضاف أن "القضاء التونسي لم يتحرك بالشكل المطلوب في تلك الملفات"، ملقياً باللوم على عدم الاستقرار الحكومي، وبخاصة أن "ملف الأموال المنهوبة مر بعديد من المراحل والجهات، مما أسهم في تشتيت الجهود من دون تحقيق نتائج واضحة".
ويؤكد وزير أملاك الدولة السابق أن "السبيل الوحيد لاسترجاع تلك الأموال هو المسار القضائي"، داعياً إلى "تعديل القوانين التونسية وملاءمتها مع القوانين الدولية في هذا المجال، والكف عن استخدام موضوع الأموال المنهوبة للمزايدات السياسية".
من جهتها، تعتبر الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة لـ"هيئة الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين في تصريحات صحافية، أن "تعدد الجهات المتداخلة في ملف استرجاع الأموال المنهوبة وغياب التنسيق بينها أدى إلى عدم تحقيق تقدم في مسار استعادة تلك الأموال"، مشيرة إلى أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد غير مسؤول عن ذلك".
واعتبرت بن سدرين أن "أكبر إخفاق في الملف كان من قبل القطب القضائي المالي"، مضيفة أن "الأموال غير المجمدة أكبر بكثير من الأموال التي جرى تجميدها".
ويراوح ملف الأموال المنهوبة مكانه لأكثر من عقد من الزمن بسبب تعدد المتدخلين فيه، بينما يواجه القضاء صعوبات هيكلية ويفتقد الإرادة السياسية القوية من خلال توفير الإمكانات المادية واللوجيستية من أجل إقناع الجهات الخارجية برد الأموال عبر أحكام قضائية باتة ونهائية تحترم شروط المحاكمات العادلة.