مع بدء العد التنازلي الأخير لانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، يعكس النمط التاريخي لها، تصوراً واضحاً ومشؤوماً بالنسبة للرئيس جو بايدن وللديمقراطيين هذا العام، وهو أن أداء حزب الرئيس عادة ما يكون سيئاً في انتخابات منتصف المدة الرئاسية، لكن على الرغم من استمرار هذا النمط على مدى عقود طويلة لا يعرف السياسيون والباحثون إلا القليل عن سبب حدوثه، ولماذا يتم كسر هذه القاعدة أحياناً بطريقة أو بأخرى، ومع ذلك فإن غالبية المؤشرات والتجارب التاريخية السابقة لا تحمل أنباء طيبة للرئيس بايدن والديمقراطيين.
لماذا ينخفض الإقبال؟
لم يفقد الديمقراطيون الأمل في تحول التأييد الشعبي لصالحهم في الساعات السابقة على موعد الانتخابات في الثامن من الشهر الحالي اعتقاداً منهم أنه في عصر السياسات التي تشهد استقطاباً متزايداً، سيكون بوسعهم إقناع وحشد الناخبين ذوي التفكير المستقل بالخروج ودعم مرشحهم من دون استعداء المؤيدين الأساسيين لحزبهم، الذين من المرجح أن يصوتوا لصالحهم على أي حال.
لكن التاريخ يشير إلى أنه منذ أربعينيات القرن الـ19، استمر تراجع إقبال الناخبين على التصويت بانتظام في انتخابات التجديد النصفي، وفقاً لدراسة نشرها مركز بيو للأبحاث، ففي العقود الأولى للجمهورية، اجتذبت انتخابات التجديد النصفي عدداً من الناخبين أكثر من المنافسات الرئاسية، وفي ذلك الوقت، كانت معظم الولايات تمنح فقط حقوق التصويت لمالكي العقارات، وكان الكونغرس وليس الرئاسة، يميل إلى أن يكون مركز السلطة الرئيس للحكومة الفيدرالية وعليه تتركز الحملات الانتخابية.
لكن الظروف تغيرت في عشرينيات القرن الـ19، عندما ألغت معظم الولايات شرط الملكية، وارتفع الاهتمام بالسياسة بشكل متزايد، ولجأ السياسيون إلى الناس العاديين، ووجهت الأحزاب كثيراً من طاقتها للفوز بالسيطرة على البيت الأبيض بعد انتخابات 1824 المتنازع عليها التي فاز بها جون كوينسي آدامز على الرغم من حصول أندرو جاكسون على أكبر عدد من الأصوات.
وبحلول عام 1840، تجاوزت نسبة الإقبال بين الناخبين البيض 80 في المئة، كان العدد الإجمالي للأصوات المدلى بها في ذلك العام أعلى بنسبة 60 في المئة عما كان عليه في عام 1836. (حصل السود على حق التصويت في عام 1870 مع التعديل الـ15 للدستور، والنساء في عام 1920 مع التعديل الـ19).
الافتقار للعامل المبهر
غير أن علماء السياسة لاحظوا اهتماماً أقل بالانتخابات النصفية، وافترض جيمس كامبل أستاذ العلوم السياسية في جامعة بافالو، أن زيادة الاهتمام والمعلومات بالانتخابات الرئاسية عادة ما تعمل لصالح حزب ما، ومن المرجح أن يصوت أنصار ذلك الحزب بنسبة أكبر، بينما من المحتمل أن يظل أنصار الحزب الآخر الذي تقل حظوظ فوزه خلال هذه الدورة في منازلهم وقت الانتخابات الرئاسية.
أما المستقلون الذين يفتقرون إلى الالتزام الحزبي الدائم، فينقسمون بشكل غير متناسب لصالح الحزب المميز، ولهذا تفتقر انتخابات التجديد النصفي إلى هذا العامل المبهر حيث تعود نسبة الإقبال من الحزبيين والمستقلين إلى المستويات والأنماط المعتادة.
عقاب الرئيس
أشارت ورقة بحثية أجراها برايان نايت الباحث في جامعة براون، إلى تفسيرين متنافسين لسبب خسارة حزب الرئيس دائماً لمقاعد الكونغرس في الانتخابات النصفية، الأول هو "عقاب الرئيس"، والثاني هو "تفضيل المنافس" حيث يميل الناخبون في منتصف المدة الرئاسية إلى إبداء عدم الرضا عن أداء الرئيس أو التأكد من أن حزبه لا يسيطر على جميع مقومات الحكم التنفيذية والتشريعية في وقت واحد، فضلاً عن سبب آخر وهو تكرار التحولات في أيديولوجية الناخبين بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات النصفية، واستنتج نايت أنه في حين أن العوامل الثلاثة تسهم في ما يسميه "فجوة منتصف المدة" ، فإن العقوبة الرئاسية تتمتع بالتأثير الأكبر.
وإذا اتبعت انتخابات عام 2022 هذا الاتجاه، فمن شبه المؤكد أن يفقد الديمقراطيون مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، الثلاثاء المقبل، وهو ما تشير إليه عديد من استطلاعات الرأي، بخاصة وأنه منذ عام 1842 خسر حزب الرئيس مقاعد في 41 من 44 انتخابات نصفية، بينما كانت الاستثناءات في أعوام 1934 و1998 و2002.
لماذا يعاقب الناخبون الرئيس؟
جادل علماء السياسة حول هذا الموضوع لعقود، حيث تركز بعض النظريات السياسية على سبب ميل حصول الرؤساء على نتائج أسوأ من غيرهم في الانتخابات النصفية، فربما تتعلق النتائج بشكل رئيس بمدى الموافقة الشعبية على أداء الرئيس، أو ربما تتعلق بالاقتصاد أو بشكل أكثر تحديداً بالتضخم في مقابل نمو الدخل الشخصي.
ولا تبدو أي من هذه العلامات رائعة بالنسبة للرئيس بايدن في الوقت الحالي، إذ إن نسبة التأييد له بلغت 40 في المئة وهي ثاني أدنى نسبة تأييد لأي رئيس في هذه المرحلة من رئاستهم منذ دخول الاقتراع الحديث حيز الاستخدام، ويشهد الاقتصاد علامات ركود محتملة العام المقبل وفقاً لبعض المقاييس، كما أن التضخم لا يزال عند أعلى مستوى له منذ 40 عاماً ويقوض القدرة الشرائية للناخبين، كما لا تزال البلاد في خضم وباء "كوفيد-19" ويموت نحو 400 شخص كل يوم مع اقتراب فصل الشتاء، وعلاوة على ذلك لم يوحد بايدن البلاد حول قيادته.
ومع ذلك لا توجد حيلة غريبة يمكن أن تضمن نجاح حزب الرئيس في انتخابات منتصف المدة، أو نظرية واحدة تشرح بشكل مثالي كل نتيجة، ولكن هناك عديداً من الأمور التي تؤخذ في الاعتبار معاً، التي تقطع شوطاً طويلاً في محاولة تفسير سبب حدوث ذلك في كثير من الأحيان وما قد تنذر به الانتخابات النصفية لشهر نوفمبر بالنسبة لبايدن.
نتائج الانتخابات النصفية بالأرقام
تظهر نتائج الانتخابات النصفية الأميركية نمطاً صارخاً عبر التاريخ، إذ خسر حزب الرئيس مقاعد في مجلس النواب في 17 مرة من 19 انتخابات نصفية منذ الحرب العالمية الثانية، وعادة ما تكون الخسائر كبيرة، في حين أن المكاسب نادرة وقليلة إن حدثت، حيث تزيد هذه الخسائر على 10 مقاعد، مع ارتفاع بعضها بشكل ملحوظ أحياناً إلى 54 مقعداً كما حدث عام 1994، و63 مقعداً في عام 2010، لكن في الدورتين النصفيتين الوحيدتين اللتين حصل فيهما حزب الرئيس على مقاعد في مجلس النواب، كانت المكاسب صغيرة، وبلغت خمسة مقاعد في عام 1998 وثمانية مقاعد في عام 2002.
وعلى الرغم من أن حزب الرئيس حصل على عدد أقل من الأصوات في غالبية انتخابات التجديد النصفي، فإن الرؤساء ترومان وكينيدي وجونسون وكارتر نجحوا جميعاً في الفوز بمزيد من الأصوات والسيطرة على مجلس النواب على الرغم من خسارة بعض المقاعد، لكنها كانت حقبة مختلفة في السياسة الأميركية، وأقل استقطاباً، وظل الديمقراطيون يحتفظون بالسيطرة على مجلس النواب لمدة 40 عاماً على التوالي، لكن لم يعد بإمكان بايدن الاعتماد على أي من ذلك.
ولم يختلف الأمر في مجلس الشيوخ، فقد ساد نفس الاتجاه العام بوضوح، إذ خسر حزب الرئيس مقاعد مجلس الشيوخ في 13 من أصل 19 مرة انتخابات نصفية في فترة ما بعد الحرب العالمية، وفي استثناءات قليلة حصل حزب الرئيس على قليل من المقاعد الإضافية وكان آخرها حزب ترمب الجمهوري الذي حصل على مقاعد في عام 2018.
وبشكل عام، فإن الموجات المعاكسة لحزب الرئيس شائعة وغالباً ما تكون كبيرة جداً، في حين أن أفضل ما استطاع أي رئيس تحقيقه في منتصف المدة في أي وقت خلال السنوات الأخيرة هو شيء قريب من التعادل.
ظاهرة عامة
لا يقتصر هذا الاتجاه الذي يعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية على حزب الرئيس فقط، إذ يحدث ذلك أيضاً في الولايات الأميركية، حيث يفقد حزب حاكم الولاية عادة مقاعد في انتخابات الهيئة التشريعية للولاية، كما أنها ليست مجرد ظاهرة أميركية، بحسب ما يقول "مات غروسمان"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية ميتشغان الذي يشير إلى أن هذا يحدث أيضاً على المستوى الدولي في الأنظمة التي يتم فيها انتخاب رئيس تنفيذي بعيداً عن انتخابات منتصف المدة.
وغالباً ما يتغير هذا الاتجاه بحلول الوقت الذي تجري فيه الانتخابات الرئاسية التالية، حيث يتم إعادة انتخاب معظم الرؤساء، وعادة ما يتحسن أداء حزبهم في الاقتراع الذي يكون فيه الرئيس أيضاً في ورقة الاقتراع، مقارنة بانتخابات الفترات النصفية.
ولتوضيح هذا السلوك الانتخابي يجب إدراك عاملين رئيسيَن يفسران سبب اختلاف نتائج الانتخابات، وهما نسبة المشاركة والإقناع.
المشاركة والإقناع
تعني نسبة المشاركة الكبيرة، تغيير في تركيبة الناخبين، لأن الأعداد الكثيفة من الناخبين تعني وجود أشخاص مختلفين في الآراء بنسبة أكثر يدلون بأصواتهم، مقارنة بالدورة السابقة في منتصف المدة، حيث تكون نسبة المشاركة دائماً أقل بكثير مما كانت عليه في السنوات الرئاسية، ومن ناحية أخرى، يشمل الإقناع الناخبين الذين يحضرون في المرتين، ولكنهم يغيرون رأيهم، ويتحولون في تأييدهم بين الأحزاب.
أحد التفسيرات التي تتمحور حول نسبة الإقبال هو أن عدم مشاركة الرئيس في الاقتراع يؤدي بطبيعته إلى عدم مشاركة عديد من مؤيديه في الانتخابات، لأنهم أدركوا بشكل صحيح، أنه سيظل في السلطة بعد الانتخابات النصفية، ومن ثم فإن المخاطر بالنسبة لهم تبدو ببساطة أقل، حيث لا يوجد احتمال لهزيمة كاملة، وقد يشعر البعض بخيبة أمل أيضاً من أداء الإدارة الجديدة ويشعرون بحاجة أقل للتصويت، على الرغم من أن كثيرين سيدلون بأصواتهم مرة أخرى عندما يحل موعد إعادة الانتخاب وتكون الرئاسة على المحك، ولهذا يقبل منتقدو الرئيس على التصويت وهم متحمسون في المعارضة ولديهم دافع لمحاولة التحقق من سلطته.
النموذج الحراري
في المقابل، يؤكد التفسير الذي يرتكز حول الإقناع على ميل الرأي العام إلى التحول ضد الرئيس، كما يتضح من النمط الشائع المتمثل في انخفاض معدلات التأييد في العامين الأولين من الرئاسة، وتنص هذه النظرية على أن الوظائف العامة في الأساس مثل منظم الحرارة، تبدأ العمل عندما يكون الجو حاراً جداً أو شديد البرودة لاستعادة درجة الحرارة المفضلة، وعلى هذا الأساس يمكن أن يستنتج الناخبون أن السياسات أصبحت محافظة للغاية في ظل نظام جمهوري فينتخبون رئيساً ديمقراطياً جديداً، لكن بعد ذلك، يستنتجون سريعاً أن السياسات أصبحت ليبرالية للغاية، وتتأرجح مرة أخرى نحو الجمهوريين في الانتخابات النصفية، ثم بعد أن يستعيد الجمهوريون بعض السلطة، ربما يتأرجح الرأي نحو الديمقراطيين ويعيدون انتخاب رئيس ديمقراطي، وهو مسار اتبعته كل من رئاستي أوباما وكلينتون.
وفي العلوم السياسية، يشار إلى هذا باسم "النموذج الحراري"، إذ يفترض بعض علماء السياسة أن هذه التقلبات تحدث استجابة لتغيرات السياسة، وعلى سبيل المثال، ينقل الديمقراطيون السياسة إلى اليسار أكثر مما يفضله الناخبون، بينما يجادل آخرون بأن الأمر لا يتعلق حقاً بالسياسة، بل مَن المسؤول، لكن حقيقة أن الديمقراطيين يمسكون بالسلطة يمنح الناخبين الإحساس بأن الأمور أكثر ليبرالية في البلاد الآن، مما يؤدي إلى تأرجح كثيرين إلى اليمين.
ويظل السؤال هو هل إقبال الناخبين أم عدم حماس المؤيدين أم الإقناع أم التحولات الحرارية هو الأكثر تأثيراً، لكن بينما لا توجد إجابة قاطعة إلا أنهم جميعاً يؤثرون في النتيجة.
ماذا يعني ذلك لبايدن والديمقراطيين؟
إذا كانت شعبية الرئيس أو ما يعرف باسم الموافقة على أدائه الرئاسي، والاستجابة المتصورة لدى الناخبين للأزمات، ونمو الدخل الحقيقي للفرد، هو ما يجب أن نبحث عنه كمؤشر، فإن بايدن يتخبط حالياً في العوامل الثلاثة، حيث تبلغ شعبيته نحو 40 في المئة فقط، وقد خيمت تقييمات طريقة تعامله مع الوباء والاقتصاد والتضخم على أدائه، بينما ينذر مقياس دخل الفرد بالسوء بشكل خاص بالنسبة لبايدن، بسبب تأثيرات التضخم.
وبالمقارنة، كان أداء الرؤساء الوحيدين الذين شهدوا نمو الدخل السلبي في رئاستهم بحلول منتصف المدة سيئاً للغاية وهم أيزنهاور في 1954 و1958، ونيكسون في عام 1974، وحتى عندما يكون النمو في الدخل ضعيفاً مثلما حدث مع باراك أوباما عام 2010 وكلينتون في عام 1994، تكون خسائرهما تاريخية في الانتخابات النصفية.
وبالنظر إلى مدى الصعوبة التاريخية التي تواجه الرئيس بايدن في الحصول على التعادل في انتخابات التجديد النصفي، فإنه لا يحتاج إلى شيء واحد فقط بل عدة أشياء لتحقيق هذه الغاية، وهي تحسين معدل التأييد، وزيادة الدخل الحقيقي، ومن المحتمل أنه يحتاج إلى كل من إقبال الناخبين والإقناع وأن يعطي الناخبين الديمقراطيين المتقطعين سبباً للإدلاء بأصواتهم هذا العام، واستعادة بعض الناخبين الذين وافقوا عليه في البداية، ولكنهم تململوا منذ ذلك الحين، ومع صعوبة تحقيق ذلك، إلا أن التحول في استطلاعات الرأي الذي أشار إليه يحتاج إلى معجزة لم تظهر بعد أمام الناخبين.