تتوالى معارض الكتب العربية بين عاصمة وأخرى، حتى أضحت بمثابة مواعيد ينتظرها القراء العرب، ليطلعوا على جديد النشر ويلتقوا كتابهم المفضلين من روائيين وشعراء، ويتابعوا برامج من الندوات واللقاءات، و"يتمونوا" بما يحلو لهم من كتب عربية أو مترجمة، باتوا لا يجدونها إلا في المعارض، بعدما انحسر حضور المكتبات وتضاءل دورها في توفير ما يُنشر في العواصم والمدن العربية، لأسباب عدة وفي مقدمها، أزمة التوزيع التي تنعكس سلباً على أحوال الكتاب المطبوع، على رغم الارتفاع النسبي لأرقام التوزيع الإلكتروني. حتى الكتاب، على اختلاف حقول إبداعهم وتجاربهم، ينتظرون أيضاً هذه المعارض ليلتقوا قراءهم ويحاوروهم في الندوات ويوقعوا لهم كتبهم. ولعلهم يسعون أيضاً في هذه المعارض، إلى لقاء المترجمين والناشرين الأجانب للبحث في إمكانات ترجمة كتبهم إلى اللغات الأجنبية.
أما الناشرون العرب، فهم ينتظرون هذه المعارض سنوياً، لأنها تمثل الآن "السوق" الحقيقية للكتاب، توزيعاً وبيعاً، عطفاً على عقد صفقات مبيعات "الجملة" التي تمثل حلاً موقتاً لأزمة التوزيع عربياً، وكذلك إبرام اتفاقات الترجمة من اللغات الأجنبية والعكس، التزاماً بمبادئ الحقوق الأدبية. وأبرز ما أضحى يميز أجواء المعارض، ما عدا بعض منها، غياب الرقابة غياباً شبه تام، على خلاف التوزيع على المكتبات. لا ضغوط تمارس على الناشرين ولا على الكتاب وكتبهم، بل إن الناشرين يحظون بالكثير من التسهيلات التي تريحهم. نادراً ما تجد ناشراً يرفع شكوى أو يتأفف أو يتذمر. لقد أصبحت معارض مثل معرض الشارقة وأبو ظبي والرياض وجدة وعمان على سبيل المثل، أسواقاً مهمة لكتبهم. ويفاجأ الزائر عندما يرى أعداداً من الزائرين يجرون عربات صغيرة مثل تلك التي يجرونها في "المولات " أو "السوبرماركت"، لكنها ملأى بالكتب.
ذاكرة الكتاب
غداة انصرام أربعين عاماً على انطلاق "معرض الشارقة الدولي للكتاب" تبدو الدورة الحادية والأربعون، كأنها ترسخ ذاكرة هذا المعرض، والأعوام بل العقود التي جعلت من موعده كل سنة مناسبة للاحتفال بالكتاب العربي على اختلاف مصادره وأنواعه، كما بمؤلفيه وناشريه وقرائه. أما أبرز الملامح التي يحملها المعرض في دورته الحادية والأربعين، فتمثل في ضخامة البرنامج المرافق للمعرض بأيامه الاثني عشر، وقد ضم نحو 1200 نشاط بين ندوات وأمسيات ولقاءات ومحاضرات وعروض مسرحية وسواها. وتستضيف الدورة الراهنة 95 دولة عربية وأجنبية، ونحو ألفي دار للنشر، عربية وأجنبية. وبحسب إحصاءات المعرض، فالكتب العربية والأجنبية المعروضة تبلغ هذه السنة مليون و500 ألف كتاب، وتمت دعوة نحو 150 كاتباً عربياً وأجنبياً. وواضح أن معرض الشارقة يولي الكتاب الآسيوي اهتماماً لافتاً، سواء في الأجنحة الكثيرة التي يقيمها وللكتب المستوردة ودعوة الكتاب والمؤلفين للقاء القراء الذين ينتظرونهم سنة تلو أخرى. ونظراً إلى ازدياد عدد الزوار الفيليبينيين، يقدم المعرض مبادرة "البرنامج الثقافي الفيليبيني"، الذي يخصص يوماً حافلاً بالأنشطة المعنية بالثقافة الفيليبينية.
وبهدف تسليط الضوء على عالم أفريقيا وثقافتها، ينظم المعرض "البرنامج الثقافي الأفريقي" الذي يتضمن 6 أنشطة ثقافية يشارك فيها 17 ضيفاً من 3 دول، هي مالي والسنغال ونيجيريا، ومن أبرز الأسماء المشاركة في هذا البرنامج: الروائي السنغالي أبو بكر إبراهيم إنجاي، الكاتب المالي عبد القادر إدريس ميغا، والباحث النيجيري إبراهيم خليل يوسف.
يصعب على زائر المعرض إحصاء الأنشطة التي تصخب بها القاعات والصالات، خصوصاً أن هذه الأنشطة تتم في حال من التوازي، لقاءات هنا وأخرى هناك وأخرى هنالك، محاضرة هنا ومسرحية هناك وقراءة وأمسية وحفلات توقيع... قد يحار الزائر أي نشاط يقصد ولكن عليه أن يختار، وكل زائر يختار ما يحلو له. ويدرك هذا الزائر أن من المستحيل متابعة كل ما يحصل.ولئن كان معرض الشارقة في أحد وجوهه حيزاً للنشر وهمومه وللناشرين وقضاياهم من خلال اللقاءات والندوات التي يعقدونها، وكانت كثيرة هذه السنة، فهو أيضاً منبر إماراتي وخليجي وعربي لإطلاق الكتب الجديدة.
"كلمة للعالم"
أما شعار المهرجان فهو هذه السنة "كلمة للعالم"، وقد احتل هذا الشعار لوحات المعرض والجدران والواجهات، وارتفع أيضاً على الطرق والأعمدة مكتوباً على لوحات توزعت وسع مدينة الشارقة. إنها الكلمة حقاً التي لا بد منها، الكلمة التي يجب أن تنمو في النفوس مثل حبة خردل فتنبت وتصبح شجرة، هي شجرة المعرفة والنور.
لم تعد "الضخامة" معياراً لمقاربة معرض الشارقة الدولي للكتاب، فهذا المعرض الذي ولج عامه الحادي والأربعين، بات واحداً من أهم المعارض العربية حجماً وتنظيماً وتحديثاً تقنياً وانفتاحاً على عصر العولمة والثورة الرقمية. وفي هذه الدورة تتبدى بوضوح طموحات معرض الشارقة إلى تحقيق المزيد من الانفتاح و "البهرجة" الإعلامية والتحديث شكلاً ومضموناً، وإلى ترسيخ الطابع الاحتفالي أكثر فأكثر. ويكفي زائر المعرض أن يمر بـ "قاعة الإعلام والصحافة"، كي يكتشف حجم الحركة الإعلامية التي يتسم بها المعرض هذه السنة والتي تعج بالصحافيين والإعلاميين، العرب والآسيويين، المنكبين على أجهزة الكمبيوتر.
هذه السنة تحل إيطاليا ضيف شرف على المعرض، وفي المناسبة سيتم إحياء أنشطة أدبية وثقافية وفنية، وتقام مبادرات متنوعة تجسد دور إيطاليا وحضورها في الثقافة العالمية، بصفتها أيقونة عريقة في المجال الأدبي والفني. وتمت دعوة عدد من الكتاب الإيطاليين المعروفين ومنهم: ألساندرو باريكو الذي ترجمت له روايات عدة إلى العربية، كوليتا بيرتيلي، جيوفاني بيزيتي، غلوريا كامبانر، ألساندرو بورغيزي، لويجي بالليريني... ويحضر أيضاً بعض المستشرقين الإيطاليين ومنهم المستشرقة والمترجمة المعروفة فرانشيسكا ماريا كوراو. وستعرض جملة من المؤلفات لأشهر الكتاب الإيطاليين، تشكل في مجموعها نموذجاً إبداعياً وثقافياً نابضاً.
محمود درويش
وللمرة الأولى يخصص المعرض جناحاً للشاعر الكبير محمود درويش، بالتعاون مع "مؤسسة محمود درويش". في الجناح تُعرض مؤلفات درويش وأعماله الشعرية والنثرية، وترتفع شاشة عرض تبث فيلماً وثائقياً قصيراً عن حياته، ومقاطع من القصائد التي ألقاها بصوته. وينظم المشرفون على الجناح، عدداً من الحوارات المفتوحة مع زوار المعرض، لتسليط الضوء على تجارب عدد من المبدعين العرب، وعلى دورهم في إثراء الحياة الثقافية.
وفي حدث بارز يتيح المعرض الفرصة أمام زواره، لمعاينة بل ولقراءة، مخطوطات عربية وإسلامية نادرة يعود عمرها إلى مئات السنين، بعض منها يعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط، وبعض يعود إلى القرن السابع الهجري. ويقيم معرض الشارقة معرضاً خاصاً يكشف، عبر المخطوطات والصحف القديمة دور المعرفة في تشكيل الحضارة العربية، بالتعاون مع "جامعة القلب المقدس الكاثوليكية" و"مكتبة أمبروزيانا" الإيطالية.أما مجموعة المخطوطات النادرة المعروضة فتتضمن بعض المقتطفات من القرآن الكريم التي نُسخت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد، وهي عبارة عن مزيج من صفحات منقوشة ومذهّبة وأخرى بسيطة، و"الدرّ المنضود في عجائب الوجود"، وهي مخطوطة في علم الكونيات، نُسِخت في القرن الثاني عشر الهجري. ويحتوي المعرض أيضاً على مخطوطة "روضة الألباب، وتحفة الأحباب، ونخبة الأحساب لمعرفة الأنساب" لابن مقيد (المؤيدي)، وتتضمن شجرة عائلة النبي (مخطوطة في علم الأنساب)، فضلاً عن مجموعة من المخططات والرسوم للشجرة.
وتُعرض مخطوطة تحتوي على جزء من كتاب فيروز آبادي "القاموس المحيط''، وهو من أشهر قواميس اللغة العربية التي نُسِخت عام 828 هـ، و"كشف الوجوه - السبع قراءات" لمكي بن أبي طالب القيسي، وهي مخطوطة في علوم القرآن يعود تاريخها إلى عام 678 هجري. ويعرض أيضاً كتاب "تاريخ العرب تحت حكم الخلفاء" الذي يعود تاريخ نشره إلى العام 1753 للمؤلف فرانسوا آوجيير دو ماريني. ويشتمل المعرض على كتاب للمؤرخ الشهير هيرودوت، طبع في العام 1733 تحت عنوان "المآثر التاريخية للإغريق والبرابرة عبر حياة هوميروس"، ويضم 10 خرائط منقوشة وهوامش موسعة للشروحات. وتحتوي إحدى صفائح المنقوشات على خريطة لمصر القديمة يظهر فيها ترميز واضح لأهرامات الجيزة، إلى جانب بعض الألواح السومرية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وكذلك بعض البرديات من مكتبة الإسكندرية القديمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعشية افتتاحه استضاف المعرض "مؤتمر الناشرين" في دورته الـ12، على مدى 3 أيام، وقد جمع عدداً من ممثلي دور النشر والوكلاء الأدبيين من مختلف دول العالم. هذا المؤتمر يوفر فرصة للمشاركة في منصات مخصصة للاجتماعات وعقد الصفقات التجارية وتبادل الخبرات والمعارف، حول آفاق تطوير القطاع وإبراز الممارسات العالمية الرائدة في قطاع النشر.
ويشهد المعرض انطلاق الدورة الثانية من اللقاء الوطني للمكتبات، وهو يعقد بالشراكة مع جمعية المكتبات الأميركية، بمشاركة 30 دولة. وتحضر في اللقاء، نخبة من المتخصصين وممثلي أمناء المكتبات الأكاديمية والعامة والمدرسية والحكومية والخاصة من المنطقة والولايات المتحدة ودولٍ أخرى.