على وقع البيانات الدولية والعربية الداعية إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، التي كان آخرها ما تضمنه البيان الختامي لقمة "لم الشمل" العربية في الجزائر من أهمية أن "يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد"، برز موقف متقدم للاتحاد الأوروبي الذي لوح بورقة العقوبات مهدداً بتنفيذها في حق أفراد وكيانات في لبنان تمنع الخروج من الأزمة اللبنانية، وذلك بعد الإعلان عن تمديد صلاحيات "اتفاق الإطار" الخاص بالعقوبات الأوروبية المتعلقة بلبنان، المتفق عليه في يوليو (تموز) 2021 حتى عام 2023. وأعقب قرار الاتحاد الأوروبي التجديد لإطار العقوبات الخاصة بلبنان عاماً إضافياً، الذي صدر بإجماع الدول الأعضاء الـ27، صدور بيان عن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعا من خلاله القيادات اللبنانية إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة بأقصى سرعة، واصفاً الجلسات الأربع التي عقدت حتى الآن بغير الحاسمة، محذراً من أن "التقلبات المؤسسية المصحوبة بعدم الاستقرار الاقتصادي قد تشكل مخاطر جسيمة على لبنان وشعبه". واستخدم الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي صيغة التذكير في التلميح غير المباشر لعواقب التعطيل والمسؤولين عنه، فذكر بإطار العقوبات الذي صدر عن الاتحاد في يوليو الماضي، الذي يسمح وفق ما جاء في البيان "بفرض إجراءات تقييدية على الأفراد أو الكيانات التي تمنع الخروج من الأزمة اللبنانية".
والإجراءات المنصوص عنها في القرار تتراوح بين تقييد الحركة ضمن أوروبا وحتى أميركا ودول أخرى متعاونة مع الاتحاد الأوروبي، ورفع قيود على سفرهم إلى الدول الأوروبية، وتجميد للحسابات، ويمكن إعلان القرارات للمسؤولية وجاهياً وعلناً إذا اقتضت الضرورة.
وكشفت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ"اندبندنت عربية" أن الاتحاد الأوروبي، ووفقاً لتطور الأحداث في لبنان، قد يصدر بياناً في المرحلة المقبلة قاسياً ومباشراً، مؤكدة أن الضغط الأوروبي يحصل بتنسيق أميركي- عربي. ولفت في هذا السياق، التزامن بين بيان الاتحاد الأوروبي وبيان لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، التي تضم كلاً من الأمم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وتضمن دعوة مباشرة إلى "أعضاء البرلمان لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون تأخير، رئيس يوحد الشعب اللبناني من أجل المصلحة الوطنية".
التمديد لقرار العقوبات اتخذ بالإجماع
ولم يكن قرار العودة إلى التلويح بالعقوبات الأوروبية في حق المسببين باستمرار الأزمة اللبنانية وليدة اللحظة المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي اللبناني. فالحديث عن إمكانية معاقبة المسؤولين اللبنانيين من أفراد وكيانات، التي قد تستهدف أحزاباً، سبق الانتخابات النيابية التي حصلت في موعدها ولاحقاً خلال مرحلة تأليف الحكومة الجديدة والمماطلة في وضع الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ الوضعين الاقتصادي والسياسي، وهي إصلاحات ضرورية لإنهاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. واتخذت حينها بعض الإجراءات، وخصوصاً من قبل فرنسا، بحق بعض السياسيين اللبنانيين بقيت أسماؤهم غير معلنة، وقيل إن الإجراءات حصرت بوضع قيود على السفر ومنع دخولهم الأراضي الفرنسية، بعد أن حال تحفظ كل من النمسا وهنغاريا دون تعميم أي قرار بالعقوبات على كل الدول الأوروبية. وقد كان اعتراض النمسا لأسباب لها علاقة بسياستها اللاتصادمية، فيما اتخذ الاعتراض الهنغاري طابعاً مختلفاً ارتبط بانتماء رئيسها إلى اليمين المسيحي المتطرف وهو ما نجح رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل في الاستفادة منه بعد أن قدم نفسه لهنغاريا كضحية "اضطهاد" يتعرض له المسيحيون في لبنان عبر وضع اليد على حقوقهم. ومع التمديد لاتفاق إطار العقوبات الأوروبية لعام إضافي، كشفت مصادر دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية" أن الإشكالية النمساوية قد عولجت وكذلك المجرية بحيث تم الاتفاق على تحييد مبادرة العقوبات عن باقي الملفات الخلافية الأوروبية، على اعتبار أن موضوع العقوبات يجب ألا يدخل في صراعات وبازارات وابتزازات لها علاقة بالسياسة والطاقة كونه يدخل مباشرة في صلب قيم الاتحاد الأوروبي التي وجد من أجلها الاتحاد كما لحماية المؤسسات في العالم، لكن لماذا أعيد تحريك عصا العقوبات الأوروبية الآن؟
تؤكد المصادر الدبلوماسية الأوروبية أنه مع استمرار الإخفاق في وضع الإصلاحات، والفشل في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ودخول البلاد مرحلة شغور قد تطول، ارتفعت مجدداً داخل أروقة الاتحاد الأوروبي مستويات النقاش في شأن الأزمة اللبنانية، وعاد الحديث ليتطرق إلى وسائل الضغط الكفيلة بتحريك الجمود ومنها العقوبات على المسؤولين عن التعطيل، وقد علمت "اندبندنت عربية" أن ألمانيا كانت السباقة في الدفع باتجاه هذا النقاش، كما يترافق ذلك، وفق المعلومات، مع نقاش يحصل داخل مجلس النواب الفرنسي ومجلس الشيوخ يطرح جدوى الاستمرار في سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانفتاحية على طهران وحليفها "حزب الله" في لبنان.
من هم المعطلون وفق المعيار الأوروبي؟
ويحدد النص ثلاث حالات يمكن أن تصبح فيها العقوبات الأوروبية ممكنة، أولها إذا تمت ملاحظة عرقلة للمسار الديمقراطي (يعني عرقلة انتخاب رئيس جديد للبلاد)، وثانيها في حال عرقلة أو أكثر من عرقلة البنود المتفق عليها مع مجموعة الدعم الدولية، التي ذكرت بها المجموعة، في بيان. وأشارت إلى ضرورة تنفيذ الإجراءات المسبقة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي بالكامل، أما الحالة الثالثة التي قد تدفع باتجاه فرض عقوبات فهي حصول ارتكابات خطيرة خاصة بالمال العام.
وشرح الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية محيي الدين شحيمي أن الاتحاد الأوروبي وسع، منذ يوليو الماضي، إطار عمل العقوبات الأوروبية المخصصة لمعالجة الوضع في لبنان ومدده سنة واحدة في تقييم إضافي لنمط الإجراءات التقييدية الموجهة لتصحيح الوضع المأزوم في البلاد. وأكد شحيمي أن العقوبات يمكن أن تطال شخصيات طبيعية من سياسية واقتصادية ونافذة اجتماعياً وعلى مستوى القرار والشراكة في الحكم، وكذلك الكيانات المتمثلة بالشخصيات الاعتبارية التي تقوض الديمقراطية وسيادة القانون، وتمنع أن يكون لبنان شريكاً استراتيجياً في الإجماع الاستقراري الدولي. والعقوبات يمكن أن تفرض أيضاً على كل معطل للعملية السياسية والديمقراطية التعاقبية للسلطات، وعلى كل معرقل للاستحقاقات الدستورية كانتخابات رئاسة الجمهورية، ويمكن أن تستهدف العقوبات، وفق النص أيضاً، كل المقوضين لتنفيذ الخطط التي وافقت عليها السلطة اللبنانية والتزمت بها بدعم من الجهات الدولية بما فيها الاتحاد الأوروبي، وبخاصة الداعية إلى تحسين المساءلة والحوكمة في القطاع العام وفي تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المالية والمصرفية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من تأكيد الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية تمتع قرار العقوبات المعروف بـCFSP الذي يحمل الرقم 20022/1314، بمظلة واسعة، إلا أنه يعترف بوجود عراقيل قد تصطدم بها عقوبات الاتحاد الأوروبي أهمها:
1- التعامل الكيفي المهجن للشخصيات والكيانات المستهدفة من هذه العقوبات وبطريقة ملتوية نتيجة بعض الثغرات فيها ما يجعلها تصبح عقوبات غير مجدية وغير منتجة، إما لشللها التنفيذي أو لعجزها عن إحداث أي أثر على المدى القريب والسريع.
-التشابك والاشتباك في الصلاحيات بين المواد القانونية المؤلفة للعقوبات والمنقسمة إلى نوعين أممي قاري اتحادي من جهة ووطني لكل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
-الحواجز والموانع للآليات التنفيذية الذاتية المؤسسة للعقوبات.
العقوبات قد تشمل رؤساء
لا استهداف لأشخاص محددين مسبقاً. يقول مصدر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي لـ"اندبندنت عربية" مؤكداً أن الكل مستهدف وتحت المنظار، والمعطلين يعرفون أنفسهم، كما لا خط أحمر على أي شخصية ولا على أي كيان اعتباري معرقل لبناء الدولة والسياق الديمقراطي. والنقاش الدائر حالياً، وبشكل جدي، يتمحور داخل الاتحاد الأوروبي حول اعتبار المعرقلين للاستحقاق الرئاسي هدفاً أولياً للعقوبات، ولا يستبعد المصدر أن تشمل العقوبات رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وأن يتم رفع مستوى العقوبات من رئيس "التيار الوطني الحر" إلى مؤسس التيار، ويكشف المصدر نفسه الذي رفض الكشف عن اسمه، أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يكون أيضاً مستهدفاً بالعقوبات انطلاقاً من مسؤوليته في تحديد موعد جلسات الانتخاب، وقد تكون عصا العقوبات هي التي حركت عودة الجلسات، فتم تحديد موعد لجلسة خامسة في 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد أن سقط خيار طاولة الحوار، كما أن نواب "حزب الله" و"التيار" و"حركة أمل" وحلفاؤهم من "تيار المردة" والمستقلين قد يكونون أيضاً في مرمى العقوبات الأوروبية ضمن خانة معطلي الاستحقاق الرئاسي عبر تعطيل نصاب جلسات الانتخاب حتى الآن كما حصل في الجلسات الأربع الأولى عندما غادروا القاعة بعد الاقتراع بورقة بيضاء في الدورة الأولى ومنعوا انعقاد الدورة الثانية.
والنقاش الدائر في الاتحاد الأوروبي يبحث أيضاً بشكل جدي أن يكون معطلو أعمال الحكومة من الوزراء، حتى لو كانت في مرحلة تصريف الأعمال، أهدافاً لهذه العقوبات وتعريضهم للمساءلة، لأن سلامة المجتمع والشعب اللبناني هي في أعلى هرم الأولويات كما يقول المصدر الأوروبي.