قالت صناديق الاقتراع كلمتها وأعادت بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل، وتحولت الأنظار من التساؤل في شأن فوزه إلى ترقب شكل حكومته الجديدة، وطريقة تعاطيها مع الملفات المختلفة، بخاصة دول الجوار، فرئيس الوزراء صاحب التوجه اليميني يبدو في طريقه لنسخة أكثر تشدداً من حكوماته، وهو ما قد يؤثر في علاقاته مع الدول العربية التي تربطها علاقات سلام مع تل أبيب، بخاصة مصر صاحبة الحدود الطويلة مع إسرائيل، والوسيط التقليدي في الاشتباكات المتكررة بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.
وعاد نتنياهو إلى رئاسة الوزراء من الباب الكبير بعد أقل من 18 شهراً من إطاحته، بعد أن حقق معسكره 65 مقعداً في الكنيست، وهي غالبية مريحة تؤهله لتشكيل الحكومة، وتجنبه أخطار الحكومات ذات الأكثرية الهشة، التي دفعت إسرائيل إلى خمسة انتخابات تشريعية خلال نحو ثلاثة أعوام.
تطرف مضاعف
نتنياهو الذي يصنف على أنه من "صقور" إسرائيل يبدو أن حكومته ستكون متشددة أكثر من حكوماته السابقة سواء في عهدته الأولى (1996 - 1999) أو الثانية (2009 - 2021)، التي جعلته أطول رؤساء الحكومات بقاءً في الدولة العبرية، باعتبار أن حليفيه في الانتخابات هما حزب "شاس" الذي حصد 11 مقعداً، و"الصهيونية المتدينة" بـ14 مقعداً، فيما حصل حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 32 مقعداً، وفق ما أظهرته النتائج، التي نشرها الإعلام الإسرائيلي.
ويعد صعود حزب "الصهيونية المتدينة" أبرز المفاجآت في نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، التي أجريت الثلاثاء الماضي، فقد حصل على 14 مقعداً، أي إنه أصبح ثالث أكبر حزب في الكنيست، مما يعني أن إيتمار بن غفير أحد أبرز قيادات الحزب سيكون طرفاً في الحكومة المقبلة، وهو أحد أعضاء حركة "كاخ" اليهودية المتطرفة، التي جرى تصنيفها إرهابية داخل إسرائيل وفي الولايات المتحدة.
واتهم بن غفير ثماني مرات بالضلوع في عنف ضد الفلسطينيين والتحريض ضدهم، وكان من بين التهم إثارة الكراهية ودعم منظمات إرهابية، كما كرس جانباً كبيراً من عمله محامياً في الدفاع عن قضايا المستوطنين. ويناصر بن غفير فكرة أن إسرائيل دولة يهودية صهيونية، ويدعو إلى طرد المواطنين العرب "غير الموالين"، في إشارة إلى الإسرائيليين ذوي الأصل العربي (عرب 1948)، ويرفض قيام دولة فلسطينية.
حكومة فاشية
يرى أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أيمن الرقب، أن وجود ذلك الفكر المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية سيجعلها حكومة "فاشية متطرفة"، وسيؤثر في تعاملها مع مختلف الملفات، في حال لم يتمكن نتنياهو من "لجم" أعضاء اليمين المتشدد داخل حكومته بخبرته السياسية.
وقال الرقب لـ"اندبندنت عربية"، إن بن غفير صاحب أفكار "رفض الآخر"، الذي يطلق شعارات "الموت للعرب" في كل المحافل، في حال توليه حقيبة وزارية "سينفذ خططاً لتهويد القدس، وقد يشن هجوماً على الفلسطينيين أو يهجرهم، وسيضغط على الدول العربية بخاصة مصر والأردن، اللتين ترتبطان بعلاقات سلام مع إسرائيل، وسترفضان بطبيعة الحال تلك الممارسات المتشددة المتوقعة، مما قد يوتر علاقة البلدين بتل أبيب"، مشيراً إلى أن الضغط على الأردن سيكون أكبر باعتباره المشرف على المقدسات في القدس.
استشعار الخطر
كان بن غفير قد أعلن قبل الانتخابات أنه سيطلب تولي حقيبة الأمن الداخلي في حال الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومة مع نتنياهو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحسب القاهرة من الحكومة الإسرائيلية المقبلة بدا واضحاً في تطرق وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال مباحثات هاتفية مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، الخميس الماضي، إلى نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، حيث أكد شكري "أهمية الحفاظ على التهدئة في الأراضي الفلسطينية، وضرورة تجنب أية إجراءات تصعيدية أو استفزازية ضد الشعب الفلسطيني، وتكثيف الجهود من أجل استئناف عملية السلام عقب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة"، بحسب بيان للخارجية المصرية.
أوضح الرقب أن القاهرة تستشعر الخطر من اليمين المتطرف بشكله الحالي، وتخشى على استقرار الأوضاع في فلسطين، وتدرك ارتفاع مؤشر التطرف، مشيراً إلى أن مصر "ستلعب دوراً كبيراً في محاولة فرض التهدئة، ولن تسمح بترك الفلسطينيين للحكومة الإسرائيلية".
بدوره، يعتبر مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، حسن أبوطالب، أن الحكومات الإسرائيلية بكل تصنيفاتها تتعامل مع مصر بصورة براغماتية، إذ يرونها شريكاً يلعب دوراً في القضية الفلسطينية، على رغم جهود نتنياهو السابقة لتحييد دور مصر في القضية أو بأن يكون دورها أقل أهمية، لكنه في النهاية يدرك أهمية ما يمكن أن تفعله القاهرة لمنع تدهور الأمور في فلسطين، مثلما تكرر عدة مرات خلال الاشتباكات مع الفصائل في غزة.
حل الدولتين
وقال أبوطالب لـ"اندبندنت عربية" إن علاقة مصر بنتيجة الانتخابات "ليست مباشرة، إنما تتعلق بالسياسات والممارسات التي ستقوم بها الحكومة الجديدة تجاه الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة أو في الداخل الإسرائيلي من عرب 1948"، موضحاً أن المتغير الأهم في تلك الانتخابات هو التطرف الشديد الذي سيطبع على الحكومة الإسرائيلية المقبلة، وأنه من خلال متابعة الحملات الانتخابية وتصريحات المرشحين "يمكن توقع أن تقوم الحكومة المرتقبة بمزيد من الاستيطان، مما يعني مزيداً من الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية، وهنا على مصر أن تتحسب من انتهاء صلاحية السلطة الفلسطينية وحل الدولتين".
وأكد أبوطالب أنه على رغم كل الملاحظات على أداء السلطة الفلسطينية فإن بقاءها "يبقي على حل الدولتين"، وفي المقابل سيدفع نتنياهو وكل المتطرفين حوله باتجاه إفشال وإنهاء حل الدولتين، مما يعيد القضية الفلسطينية إلى ما قبل اتفاق أوسلو للسلام الموقع عام 1993، مشيراً إلى أن نتنياهو في حكومته السابقة دعا إلى أن تكون إسرائيل دولة "يهودية خالصة" بما ينكر حقوق حتى العرب ذوي الجنسية الإسرائيلية، ومن المنتظر أن يعيد تفعيل تلك الدعوات ويعمل على تهجير الفلسطينيين وتوسيع عمليات القتل والاستيطان، وهنا ستكون الدول العربية معنية بتلك الممارسات، بخاصة مصر والأردن، وكلما زادت إجراءات التشدد الإسرائيلية سيكون على القاهرة وعمان العمل على الحفاظ على حل الدولتين.
تعامل براغماتي
وشدد أبوطالب على أن القاهرة ستتعامل مع عودة نتنياهو للحكومة بصورة براغماتية، ولا يعني ذلك الترحيب بتطرفه، إنما وجود قنوات حوار مباشر وغير مباشر معه، مع محاولة إشراك الجانب الأميركي في الحوار بهدف "ترشيد" سلوك الحكومة المتطرفة تجاه الفلسطينيين، وهذا الدور ستلعبه مصر مع الدول الأوروبية أيضاً، بخاصة أن الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث عن تأييده حل الدولتين، لكنه أشار إلى أن ضغط واشنطن على إسرائيل سيكون له حدود، باعتبار أن الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد أقل من عامين.
كان وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، قد كشف في 22 أغسطس (آب)، عن وجود أزمة في العلاقات المصرية – الإسرائيلية على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، التي انتهت بهدنة بوساطة مصرية في مطلع ذلك الشهر، لكن غانتس أكد أن "مصر لاعب إقليمي رئيس ومن أهم أصدقاء إسرائيل"، وبدا حرص تل أبيب على تحسين العلاقات في زيارة رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" رونين بار، إلى القاهرة، واجتماعه برئيس الاستخبارات العامة المصرية لمتابعة وقف إطلاق النار في غزة والحفاظ على الهدوء في القطاع.
خطوات للتقارب
وخلال العامين الماضيين، شهدت العلاقات المصرية - الإسرائيلية عدة خطوات للتقارب، حين زار رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت شرم الشيخ في سبتمبر (أيلول) 2021، وكانت الزيارة الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر منذ عام 2011، ثم زيارة أخرى في مارس (آذار) الماضي. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021 تم تسيير رحلة الطيران الأولى لشركة "مصر للطيران" الحكومية إلى إسرائيل، بعد عقود من استخدام شركة تابعة تسمى "سيناء للطيران"، وهي الخطوة التي وصفتها إدارة الطيران الإسرائيلي بـ"السابقة التاريخية".
كما جرى تعديل الملحق الأمني لاتفاق السلام، بما يسمح بتعزيز الوجود العسكري المصري، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها، في منطقة رفح الحدودية شمال جزيرة سيناء، وفق ما أعلنه الجانبان في نوفمبر 2021، نتيجة لاجتماع اللجنة العسكرية المصرية - الإسرائيلية المشتركة. وقالت القوات المسلحة المصرية إن الاتفاق ضمن مساعي الحفاظ على الأمن القومي المصري وضبط وتأمين الحدود.