تشهد غداً الولايات المتحدة انتخابات التجديد النصفي، التي سيتحدد من خلالها سباق حكام 36 ولاية، وعما إذا كان الحزب الديمقراطي الحاكم سيحتفظ بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، أم سيستعيد الجمهوريون السيطرة على الكونغرس، وسط توقعات باحتمال فوزهم بمجلس النواب جراء الإحباط العام من الوضع الاقتصادي والمزايا التي يمكن أن يجنوها من عملية إعادة تقسيم الدوائر التي تحدث كل 10 سنوات.
التاريخ في واشنطن يشير إلى أن حزب الرئيس الذي يتولى رئاسة الولاية الأولى عادة ما يخسر مقاعد في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي. فبعد عامين من رئاسة باراك أوباما، فقد الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس النواب لصالح تيار المحافظين بالحزب الجمهوري. وفي منتصف ولاية دونالد ترمب، سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب وأعادوا تنصيب نانسي بيلوسي كرئيسة للمجلس. ووفقاً لمجلة "تايم" الأميركية، تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أنه من المرجح أن يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب أكثر من حظوظهم في ما يتعلق بمجلس الشيوخ، لكن كلا النتيجتين تظلان ممكنتين.
ما سيحدث في هذه الانتخابات سيعيد تشكيل العامين المقبلين قبل أن يترشح الرئيس جو بايدن، لإعادة انتخابه حين سيكون عمره 81 سنة في عام 2024 - ويحتمل أن يخوض المنافسة ضد خصمه السابق دونالد ترمب مرة أخرى. ومن ثم فإن بقاء الكونغرس تحت سيطرة الحزب الديمقراطي، يمنح بايدن فرصة أخرى لتمرير أجندته السياسية، في حين أن سيطرة الجمهوريين جزئياً أو بالكامل على الكابيتول يعني أن إدارة بايدن ربما تقضي العامين المقبلين في الدفاع عن نفسها في مواجهة التحقيقات، وربما حتى محاولات عزل الرئيس، حيث يعد الجمهوريون بالتحقيق في المعاملات التجارية لنجله هانتر بايدن، وفق صحف أميركية.
لبايدن كل شيء على المحك
تمنح الانتخابات النصفية الفرصة للناخبين للتعبير عن آرائهم حول الرئيس، إذ يعدها بعضهم استفتاء غير مباشر على الإدارة الأميركية. ووفقاً للمراقبين في الولايات المتحدة فإنه مفصلي بالنسبة إلى بايدن، فإن نتيجة انتخابات الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تتجاوز كثيراً ما يتعلق بمن يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ. فإضافة إلى أن الانتخابات النصفية ستحدد ما يمكن أن يفعله بايدن لبقية فترة ولايته، وما إذا كان أي من أهدافه السياسية المتبقية يمكن تمريرها عبر الكونغرس، فإن هزيمة الديمقراطيين يمكن أن تضعف حجته لإعادة انتخابه، إذ إنها تعكس الموقف العام تجاه الرئيس، فضلاً عن تقويض جهوده لغرس الثقة لدى الأميركيين وفي جميع أنحاء العالم بأن الحكومة الأميركية لا يزال بإمكانها أن تتفوق على الخلافات السياسية وتعمل من أجل الصالح العام. ويقول دوغلاس برينكلي، المؤرخ الرئاسي بجامعة رايس، إنه "كل شيء على المحك" بالنسبة إلى بايدن في منتصف مدته الرئاسية الأولى.
ويضع المراقبون سيناريوهات لما يمكن أن تفعله نتائج الانتخابات النصفية خلال العامين المقبلين، التي بدورها ستكون عاملاً مؤثراً في الانتخابات الرئاسية 2024.
ففي حال سيطرتهم على مجلس النواب، يتوقع المراقبون أن يطلق الجمهوريون مجموعة تحقيقات محيطة بإدارة بايدن وأسرته، وأولها التحقيق في استفادة نجله هانتر من اسمه وعلاقاته في التعاملات التجارية الخارجية مثل الصفقات مع شركة الطاقة الصينية المملوكة للدولة، فضلاً عن التحقيق فيما إذا كان ارتكب احتيالاً ضريبياً وكذب لتجاوز فحص الخلفية لشراء سلاح، وهو ما يعتقد العملاء الفيدراليون أن هناك أدلة كافية لتوجيه الاتهام له، بحسب "واشنطن بوست".
وربما تشمل التحركات الجمهورية التحقيق في كيفية إنهاء حرب أفغانستان - التي أراد بعض الديمقراطيين أيضاً التحقيق فيها - والتحقيق في السياسات الحدودية لإدارة بايدن التي تسببت في فوضى أحياناً. ويتوقع آخرون أن يتم حل "لجنة السادس من يناير" (كانون الثاني) المسؤولة عن التحقيق في الهجوم على مبنى الكابيتول في عام 2021 من قبل مؤيدي ترمب بعدما طعن في نتائج الانتخابات الرئاسية زاعماً تزويرها، بل على النقيض فإن نواباً جمهوريين ألمحوا برغبتهم في إطلاق تحقيقات ضد أعضاء اللجنة، وهدد كيفين مكارثي زعيم الأقلية في مجلس النواب، بالتحقيق مع شركات الاتصالات التي تقوم بتسليم سجلات الهواتف الخاصة بأعضاء الكونغرس الذين شاركوا في مسيرة "أوقفوا السرقة"، إلى اللجنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السيناريو الأكثر قتامة
ومع ذلك يبقى السيناريو الأكثر قتامة بالنسبة إلى بايدن والديمقراطيين هو سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، إذ يتوقع المراقبون أن تتحول العلاقة بين البيت الأبيض والكونغرس إلى ما يشبه وضع الفيتو من خلال عرقلة مشاريع القوانين، إذ من المتوقع أن يرفض الجمهوريون أي طلبات بشأن زيادة الإنفاق يطلبها الرئيس، مع احتمال حدوث إغلاق إذا سعى الطرفان إلى استعادة نفوذه بشأن الموازنة. وقال برينكلي، إن خسارة المجلسين "ستحول بايدن إلى رئيس منكمش"، وسوف "تحفز" جيلاً جديداً من الديمقراطيين الذين ينتظرون فرصة لتولي قيادة الحزب. في مثل هذا السيناريو، قد يصبح احتمال ترشح بايدن لولاية ثانية أقل قابلية للاستمرار. وأضاف "أن تصبح طائر القطرس الملتف حول عنق الحزب الديمقراطي هو عمل أناني بالنسبة إلى بايدن".
وسابقاً قال بايدن إنه يستطيع هزيمة ترمب مرة أخرى، وأنه قد يكون الديمقراطي الوحيد الذي يمكنه ذلك. لكن تقول مجلة "تايم" إنه إذا فقد حزب بايدن السيطرة على الكونغرس تماماً، فمن المرجح أن يواجه الرئيس الأميركي ضغوطاً متزايدة لإعلان تنحيه جانباً في نهاية فترة ولايته الأولى وتأييد ديمقراطي آخر، كما فعل تيدي روزفلت في عام 1908 عندما قرر عدم الترشح لولاية ثالثة، إذ كان ذلك مسموحاً آنذاك، معلناً تأييده لوزير حربه ويليام هوارد تافت. وهناك نقطة مرجعية تاريخية أخرى فلقد أيد الرئيس هاري ترومان، حاكم ولاية إلينوي أدلاي ستيفنسون لخوض سباق الرئاسة، بعد أن خسر الرئيس الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيو هامبشاير في عام 1952. لكن في النهاية فاز بالرئاسة الجمهوري دوايت أيزنهاور على ستيفنسون.
الاقتصاد يقلص سيناريو النجاة
وفي حين أن استمرار سيطرة الديمقراطيين على مجلسي النواب والشيوخ يعني النجاة، فإنه السيناريو الأقل احتمالاً. فبعيداً من المؤشرات التاريخية التي تقول إن الحزب الحاكم دائماً يخسر مقاعد في الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي، فإن إعادة تقسيم الدوائر وتركز الديمقراطيين في المدن يضع الحزب في وضع هيكلي غير موات لاستمرار السيطرة، وبخاصة داخل مجلس النواب. كما أن معاناة المواطن الأميركي من التضخم الاقتصادي وقلق الناخبين بشأن الجريمة وسياسات الهجرة التي تتبعها الإدارة الحالية، تدفع بتوقعات قاسية لبايدن.
تظهر الاستطلاعات الأخيرة أن الاقتصاد هو أهم قضية بالنسبة إلى الناخبين قبيل الانتخابات النصفية، حيث قال 79 في المئة من الناخبين في استطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث في واشنطن، إن الاقتصاد سيكون مهماً للغاية في توجيه أصواتهم. ومن بين أولئك الذين صنفوا الاقتصاد على أنه مهم للغاية، فضل 47 في المئة المرشحين الجمهوريين في مقابل 34 في المئة أعربوا عن تفضيلهم للديمقراطيين. ومع ذلك، بالنسبة إلى الناخبين القلقين بشأن مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة ووصفوها بأنها عامل "مهم للغاية" في أصواتهم، فإن الحزب الديمقراطي كان خيارهم، حيث قال 46 في المئة من المهتمين بالديمقراطية أنهم يدعمون المرشحين الديمقراطيين في مقابل 40 في المئة يؤيدون الجمهوريين.