مشهد متكرر للحداد على شباب غرقوا في مياه البحر المتوسط خلال رحلة العبور إلى أوروبا، كان مكانه هذه المرة قرية "كوم زمران" في محافظة البحيرة شمال شرقي العاصمة المصرية القاهرة.
غرق 17 شخصاً من أبناء قرية "كوم زمران" كانوا على متن قارب قبالة السواحل اليونانية في رحلة للهجرة غير الشرعية خرجت من تركيا باتجاه إيطاليا.
وكان خفر السواحل اليوناني قد أعلن، الأربعاء، انتشال 22 جثة لأشخاص كانوا على متن مركب للمهاجرين غرق في البحر بين جزيرتي إيفيا وأندروس، شرق العاصمة اليونانية، خلال الساعات الأولى من الثلاثاء الماضي، فيما استمرت عملية الإنقاذ والبحث عن المفقودين من ركاب القارب الذي كان يقل 68 شخصاً.
لا سترات للنجاة
كشف خفر السواحل اليوناني عن عثوره على 12 شخصاً فقط على قيد الحياة جميعهم رجال، موضحاً أن من بين الجثامين المنتشلة خمسة أطفال على الأقل، فيما أجريت عملية الإنقاذ الأولية في خضم أمواج عاتية في مضيق كافيريس بين الجزيرتين، وهي منطقة تشتهر بشدة الأمواج.
واشتركت في عمليات البحث طائرة هليكوبتر وسفينتان وسط ظروف مناخية صعبة، فيما أوضحت السلطات اليونانية أن جميع من كانوا على متن المركب وعددهم حوالى 68 شخصاً لم يمتلكوا أي سترات للنجاة، وفق ما قاله الناجون.
من جهتها، أعلنت وزارة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج أن السلطات اليونانية أبلغت السفارة المصرية لدى أثينا أنها أنقذت سبعة مصريين وثلاثة أفغان وإيرانيين اثنين، من بين ركاب القارب الذي كان يحمل 68 شخصاً تقريباً من تلك الجنسيات الثلاث وأخرى غير معلومة، وفق بيان الوزارة الذي ذكر أن السفارة تلقت أسماء 24 مصرياً كانوا على متن القارب المنكوب.
وأفاد البيان بأن وزيرة الدولة للهجرة سها جندي تواصلت مع سفير مصر لدى اليونان عمر عامر، فور ورود معلومات عن غرق قارب للهجرة غير الشرعية أمام السواحل اليونانية، لمعرفة عدد المصريين على متن القارب المنكوب، ومعرفة إذا ما كان هناك ناجون، وموقف جثامين المتوفين، مضيفاً أن السلطات اليونانية انتشلت حتى مساء الجمعة 24 جثماناً من الغرقى نقلوا إلى المشرحة.
أقارب الضحايا
استقبلت البعثة الدبلوماسية المصرية لدى أثينا مواطنين مصريين تربطهم صلة قرابة بعدد من الضحايا وأصدقائهم من قرية كوم زمران، ومن خلال تواصل السفارة والتنسيق مع السلطات اليونانية تم التعرف بصورة غير رسمية على هويات ثلاثة مواطنين جثثهم موجودة في مشرحة رافينا باليونان، بناءً على إفادات الأهالي وهم "أدهم جمال أمين عمر، ومحمد رضا عبد الدايم موسى، ومحمد حسن غنيم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر البيان أن سفير مصر لدى بأثينا أكد أنه تم إبلاغ أهالي الضحايا لموافاة السفارة بصور حديثة للضحايا وصور جوازات السفر، حتى يتسنى للبعثة موافاة السلطات اليونانية بها والبدء في عملية مطابقة الجثامين.
وأشار إلى أنه وفق الحوادث الماضية، ستتعذر مطابقة الجثامين التي تحللت بسبب عوامل البحر، والتي ستتطلب إجراء تحاليل الحمض النووي "DNA" من الأب أو الأم.
كما نسقت السفارة مع مسؤولي مشرحة أثينا المركزية للقيام بمطابقة الجثامين بالصور التي يعدها حالياً أقارب الضحايا، وسيوفد مندوب من القنصلية لحضور عملية المطابقة، وموافاة وزارة الهجرة بأية تطورات في هذا الشأن.
خدعة الوسيط
قال عمر جمال شقيق "أدهم" أحد ضحايا المركب الغارق، إن شقيقه يبلغ من العمر (18 سنة) وهو أول من خرج جثمانه بعد غرق المركب، لافتاً إلى أن الضحايا تعرضوا لخدعة من قبل الوسطاء والسماسرة المسؤولين عن المركب، بعد أن أوهموهم بدفع مبالغ مالية كبيرة مقابل رحلة مريحة، لكن ما حدث كان عكس حديثهم تماماً.
وأوضح جمال لـ"اندبندنت عربية" أن المركب الغارق كان على عكس ما توقعه، غير مؤهل لاستقبال هذا الكم من الركاب، وسط غياب وسائل الأمان والحماية، مع غياب أي من أطواق النجاة التي قد يستخدمها في حالة غرق المركب، وهو السبب الأساس لوفاة أغلب الركاب.
وكشف أن السمسار المسؤول عن الرحلة المنكوبة هو أحد أبناء القرية، موضحاً أنها ليست الرحلة الأولى له، بل نظم عديداً من رحلات الهجرة غير الشرعية الناجحة لإيطاليا.
وأضاف جمال أن "السمسار وأعوانه يخدعون الشباب بأوهام الثراء السريع في أوروبا مستغلين الأوضاع الاقتصادية الحالية وارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، وهم السبب الرئيس في بيع الشباب والعائلات لكل ما يملكون من أجل وصول أبنائهم إلى إيطاليا".
وأوضح "على رغم أننا عائلة ميسورة الحال، إلا أنهم خدعوا شقيقي وزرعوا هذا الوهم بين أفكاره وأجبرنا على دفع الأموال ليستقل رحلة الموت".
قيمة تذكرة الموت
عن المبالغ المالية التي تقاضاها السمسار، قال شقيق أحد ضحايا المركب الغارق "اتفقوا معنا على دفع ما يقرب من 10 آلاف يورو واشترطنا عليهم وصول نجلنا إلى إيطاليا قبل حصولهم على المال، لكن في البداية دفعنا ما يقرب من 40 ألف جنيه (1700 دولار)، وهي ما قالوا إنه قيمة استخراج فيزا لتركيا".
ولفت جمال إلى أن شقيقه خرج من مصر من طريق تأشيرة سياحية وسافر من خلال طائرة ووصل ترانزيت في الإمارات ومنها إلى تركيا قبل شهر من واقعة غرق المركب، وخلال تلك المدة حاول السمسار خوض الرحلة أكثر من مرة من تركيا إلى اليونان، لكن الظروف الجوية كانت دافعاً لفشلهم ورجوعهم مرة أخرى إلى تركيا.
وغرق المركب خلال طريقه إلى إيطاليا، وكانت هي المحاولة الرابعة لإنهاء الرحلة، لكن الموت كان أسرع من أي شيء، حسب تعبير جمال.
وقال "أخي تعذب في كل خطوة"، مؤكداً أنه يتمنى لو عاش شقيقه بجانبه، حتى لو وصل الدولار 50 جنيهاً، وأشار إلى أنه تلقى اتصالاً هاتفياً مساء الثلاثاء الماضي من أحد المقربين للوسيط أو السمسار ليبلغه بغرق المركب، ولم تمر أكثر من 30 ساعة قبل أن يستقبل هاتفه صورة لشقيقه بعد استخراج جثمانه من المياه على أحد مراكب الإنقاذ اليونانية، موضحاً أن جثامين 25 شخصاً مساء الجمعة استخرجت، لكن من دون ملامح نهائياً.
الطقس السيئ
أكد خفر السواحل اليوناني أنه أنقذ قرابة 1500 شخص خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، مقارنة مع أقل من 600 السنة الماضية، موضحاً أن المهربين باتوا يسلكون الآن في معظم الأحيان طريقاً أطول وأكثر خطراً لتفادي دوريات الاتحاد الأوروبي في بحر إيجة، سعياً للوصول إلى إيطاليا.
ونقلت تقارير إعلامية تصريحات لوزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراخي لإذاعة محلية أكد فيها أنه من المستحيل مراقبة آلاف المراكب التي تبحر في المياه الدولية جنوب اليونان.
وأضاف "في 2021 توجهت قرابة 80 في المئة من رحلات المهاجرين المنطلقة من تركيا مباشرة إلى إيطاليا، وحالياً بالتأكيد عندما تكون ظروف الطقس قاسية لا تتمكن هذه المراكب من الوصول".
دعم أوروبي
كان الاتحاد الأوروبي قد أعلن توقيع اتفاق مع مصر الأسبوع الماضي، ينص على دعم برنامج لإدارة الحدود بقيمة 80 مليون يورو، توجه إلى مساعدة حرس الحدود وخفر السواحل في مصر للحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على الحدود.
كما يتضمن الاتفاق تمويلاً لشراء معدات مراقبة مثل سفن البحث والإنقاذ والكاميرات الحرارية وأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية، وفق وثيقة نشرتها المفوضية الأوروبية الشهر الماضي.
وشهدت الهجرة غير الشرعية لأوروبا من ساحل مصر الشمالي تراجعاً كبيراً منذ أواخر 2016، حيث تقول السلطات المصرية إنه منذ سبتمبر (أيلول) 2016 لم يخرج مركب للهجرة غير الشرعية باتجاه شمال البحر المتوسط، لكن تقريراً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة صدر في مايو (أيار) الماضي كشف عن زيادة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين المصريين من خلال تتبع عدد الواصلين إلى الشواطئ الإيطالية.
ويظهر التقرير أن الجنسية المصرية احتلت المرتبة الثانية في تصنيف المهاجرين بعد البنغاليين بنسبة 18 في المئة ممن استطاعوا الوصول إلى الشواطئ الإيطالية منذ بداية العام.
تزايد المهاجرين
ارتفع عدد المصريين العابرين من المتوسط إلى إيطاليا من 22 في يناير (كانون الثاني) 2021 إلى 1893 في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، وانخفض العدد إلى 238 في مارس (آذار) الماضي ليعاود الارتفاع إلى 1188 في مايو وفق التقرير الأممي المستند إلى أرقام وزارة الداخلية الإيطالية.
وأشار تقرير وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي الصادر في يوليو (تموز) الماضي إلى أنه على رغم انخفاض عدد المهاجرين المصريين في إيطاليا مطلع العام الحالي عن فترة الذروة بين أغسطس (آب) ونوفمبر 2021 حين كان العدد أكبر من 1200 مصري شهرياً، لكن نسبة المصريين من بين الواصلين في فبراير (شباط) الماضي كانت كبيرة، إذ كان واحد من بين كل ثلاثة مهاجرين يحمل الجنسية المصرية.
وأكد التقرير الخاص بوضع الهجرة واللجوء من مصر إلى الاتحاد الأوروبي أعدته الوكالة التابعة للاتحاد ومقرها العاصمة المالطية فاليتا، أن معظم المراكب التي تقل مصريين إلى إيطاليا تخرج من ليبيا، بينما نسبة قليلة تبحر من تركيا، فيما لم يغادر السواحل المصرية سوى عدد قليل جداً من مراكب الهجرة غير الشرعية منذ عام 2016.
توقعات بارتفاع الأعداد
إجمالاً، بلغ عدد المصريين الذين وصلوا إلى السواحل الإيطالية في الفترة بين بداية العام الحالي و13 يونيو (حزيران) الماضي 3935 مصرياً مع الإشارة إلى زيادة ملحوظة في نسبة المهاجرين منذ أغسطس 2021.
وبحسب أرقام الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل ألقي القبض على 3292 مصرياً حاولوا دخول الأراضي الأوروبية عبر البحر المتوسط في الفترة بين يناير ومايو الماضيين، وبذلك تسجل الجنسية المصرية النسبة الأعلى من بين الموقوفين على الطريق الخاص في وسط البحر المتوسط، بما يعادل 20 في المئة ممن ألقي القبض عليهم في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
وتظهر بيانات لوزارة الداخلية الإيطالية أنه منذ أول يناير وحتى 28 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، وصل 16413 مهاجراً مصرياً على متن قوارب إلى إيطاليا، ما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين.
وأشارت وثيقة المفوضية الأوروبية إلى أنه من المرجح أن تشهد مصر "تدفقات كثيفة" من المهاجرين على المدى المتوسط إلى الطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية وتراجع الفرص الاقتصادية.