ارتفعت في السنوات الماضية نسبُ المشاهدة لقنوات بعض صناع المحتوى الموريتانيين على "يوتيوب"، وأسهمت أحداث سياسية ورياضية في تنامي أعداد المتابعين لهذه القنوات.
وعلى الرغم من أن الموريتانيين حديثو العهد في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنهم أحدثوا طفرة فى حجم محتواهم على "يوتيوب"، الذي جذب ملايين المشاهدات، وجعل كلمة موريتانيا معروفة في محركات البحث العالمية.
ومثّل تأهل المنتخب الموريتاني لكرة القدم إلى بطولة كأس الأمم الأفريقية، المقامة في مصر، فرصة لصناعة محتوى مميز على "يوتيوب"، إضافة إلى المناخ السياسي الذي فرضته الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية، التي كانت وقود الإنتاج البصري الموريتاني على الموقع.
استغلال تقليدي
كان "يوتيوب" قبل عقد من الزمن ملاذاً للمغتربين الموريتانيين الباحثين عن ما يربطهم ببلدهم. ووفق المدون أحمد جدو، فإن المحتوى الموريتاني آنذاك كان "عبارة عن فيديوات لمناظر طبيعية من البلاد، مدمجة مع بعض الأغاني المحلية، فلم يكن هناك إنتاج إبداعي يُذكر".
ويضيف جدو "منذ عام 2013، بدأت تظهر محاولات جدية لخلق محتوى إبداعي موريتاني أصلي".
ويعدد المدون الموريتاني، الحائز على جائزة البوبز عام 2013 عن فئة أفضل مدونة عربية التي منحتها DW الألمانية، التجارب المهمة التي حاولت تطوير المحتوى الموريتاني على "يوتيوب". ويقول جدو "من تلك التجارب المهمة تجربة قناة أدلكان، التي كانت تقدم اسكتشات تنتقد واقع المجتمع، وكذلك تجربة برنامج الموجب وبرنامج خدمة العللاء وبرنامج التحريك مجانينوس، إضافة إلى تجارب غنائية".
تحول كبير
ومع انتشار ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي، وحجم تأثيرها في المجتمع الموريتاني، ظهرت تجارب شبابية لفتت الانتباه إلى محتواها البصري، الذي يتلقفه الشارع الموريتاني بكثير من الانبهار والتشجيع.
كان آخر هذه التجارب، قناة الشاب الموريتاني عبد الرحمن محمد على "يوتيوب"، التي يتابعها الموريتانيون بشغف. ومحمد هو كاتب وصانع محتوى، ذاع صيته بعد نجاح برنامجه الساخر "اتكلبيتي" وتعني الشقلبة، وهو سك مصطلحه من ترحال السياسيين الموريتانيين من أحزابهم في المعارضة إلى الغالبية.
ويتحدث محمد عن الهدف من برامجه، بقوله إنه "محاولة للتعبير عن آرائي بطريقة ساخرة تعالج القضايا، وتطرح الأسئلة وتبحث عن الإشكاليات في قالب كوميدي يعتمد أسلوبين". الطريقة التفاعلية، وهي استخدام ردة الفعل على الفيديوات من خلال الاسكتشات التي تُصوّر خارج الاستديو، أو من خلال صنع نكات (إفيهات) تناسب المحتوى المعروض. أما الطريقة الثانية فهي السردية، أي استخدام الأسلوب التقريري في إيصال المعلومة إلى المشاهد. ويعتمد هذا الأسلوب على ردة فعل واحدة ونبرة صوت واحدة (ريتم واحد) وتكون الكوميديا فيه سريعة وعميقة.
قنوات رائدة
يُفضل الموريتانيون متابعة أغاني الفنانين الشعبيين أكثر من أي منتج بصري آخر معروض على "يوتيوب". وتليها في تفضيل المشاهدات المقابلات مع نجوم الفن والسياسة ورجال الحقوق.
وتتصدر قنوات مثل "تواتر" و"بلوار ميديا" وقناة برنامج "خدمة العللاء" صدارة القنوات الموريتانية من حيث المشاهدة. وتعتمد قناة "بلوار" مبدأ أرشفة النشرات والبرامج التي تبثها القنوات التلفزيونية الموريتانية، بينما تنتج قناة "تواتر" محتوى إلكترونياً يتوزع بين القصص الإخبارية والإنفوغراف.
ومع هذا التنامي الملحوظ في المحتوى الموريتاني، لا يزال جدو يأمل مزيداً من العمل. ويقول "لا يزال المحتوى الأصلي على يوتيوب ضئيلاً ولا ينافس كثيراً، وحتى الحضور الموريتاني التفاعلي على الموقع لا يزال خفيفاً، مقارنة بما يحدث على فيسبوك مثلاً. ويمكن القول إن صناعة المحتوى الموريتاني على يوتيوب لا تزال في بدايتها، على الرغم من وجود بعض النجاحات الفردية، لكنها لا تستمر في الغالب".
السياسة تكسب
لا مناص من متابعة أخبار السياسة والسياسيين في موريتانيا. وهذا ما التقطه صناع المحتوى في بلد يتنفس أهله السياسة. وتُثبت نسب مشاهدة الفيديوات التي تنتقد الحكومة ولع الموريتانيين بالسياسة. ووفق الكاتب وصانع المحتوى عبد الرحمن محمد، فإن "مجموع متابعي قنواتنا على كل وسائل التواصل الاجتماعي بلغ 37 ألف متابع وإجمالي المشاهدات والتفاعلات يفوق المليون".
وتحظى قناة الإعلامي الطالب عبد الودود، المقيم في كندا، بشعبية كبيرة بين الموريتانيين، إذ بلغ عدد مشتركي قناته 12 ألف متابع، ومئات الآلاف من المشاهدات. وتعتمد فيديوات عبد الودود على النقد السياسي للعمل الحكومي وتوجيه سهام النقد إلى الذهنية الموريتانية بشكل عام.
ويبقى الفن وأهله محط اهتمام الموريتانيين على "يوتيوب"، إذ تغص قنوات النجوم من أمثال مغنيَيْ الراب حمزة براين والطالب لاتيمور بآلاف المتابعين.