تخطط تونس في مشروع قانون المالية للعام المقبل لفرض ضريبة على الثروة والممتلكات العقارية في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في البلاد منذ بضعة أيام، إثر حوار لوزيرة المالية سهام نمصية مع إحدى القنوات التلفزيونية التونسية الخاصة.
وبررت الوزيرة اتخاذ مثل هذه الخطوة في إطار تقاسم الأعباء والتضامن بين مختلف شرائح المجتمع التونسي، وقالت مدافعة على قراراها الذي استحسنه أعضاء المجلس الوطني للجباية المنعقد أخيراً، إن "من يكسب كثيراً من واجبه أن يدفع أكثر".
وفي المقابل أعلنت الوزيرة أنه سيتم تقليص العبء الضريبي الذي يتحمله اليوم الأشخاص الطبيعيون، أي الموظفين، في اتجاه التخفيف منه لأجل مزيد من تحسين قدرتهم الشرائية، لا سيما وأن أكثر من 70 في المئة من العائدات الضريبية في تونس تأتي من الخصم الضريبي على الأجراء والموظفين.
وأكدت الوزيرة أن الضريبة على الثروة ستشمل فئة ميسورة وتندرج في إطار التضامن مع الفئات الهشة وفق قولها، مضيفة أن "هذه الضريبة لا تزال محل نقاش في شأن نسبتها وكيفية احتسابها، وقد لقيت استحساناً من قبل مختلف الأطراف الممثلة في المجلس".
قرار شعبوي
وما إن تم إعلان هذا الإجراء حتى ثار جدل واسع في عدد من الأوساط بين مرحب ومحذر من أن تكون له تداعيات سلبية على مناخ الاستثمار في البلاد، فالجانب المؤيد اعتبر أن هذه الخطوة جريئة ومهمة بخاصة في مجال محاربة المهربين ومقاومة تبييض الأموال عبر فرض ضريبة على الثروة والممتلكات العقارية، لا سيما أن عدداً من المهربين والمتهربين من الضرائب يلجأون إلى شراء العقارات لتبييض الأموال وغسلها،
أما الجانب المعارض فقد دافع عن موقفه بأن القرار سينفر المستثمرين الأجانب في تونس.
وقال المتخصص أنيس الوهابي إن تقريراً لمحكمة المحاسبات الفرنسية حول قرار الحكومة الفرنسية إقرار ضريبة على الثروة أفاد بأنه لم يفض إلى تسجيل نتائج إيجابية على مستوى عائداته، بل إن كلفة تنفيذه منهكة لجهاز الضرائب الفرنسي.
وبين أن نسبة استخلاص الأداء على العقارات يعد نوعاً من أنواع الضريبة على الثروة لا تتجاوز 20 في المئة، متسائلاً عن جدوى هذا الإجراء الذي وصفه بالشعبوي.
خسائر ضريبية كبيرة
وتعاني تونس خلال السنوات الأخيرة أزمة مالية خانقة بسبب اقتصادها العليل وعجزه الذي عمقته تداعيات أزمة كورونا ولحقت به كذلك تأثيرات النزاع الروسي – الأوكراني، وطالب عدد من المتخصصين في الاقتصاد بوجوب القيام بإصلاحات ضريبية في البلاد ومحاربة المتهربين من الضرائب، لا سيما أن هناك دراسات تشير إلى أن تونس تخسر سنوياً نحو 5 مليارات دينار (1.6 مليار دولار) جراء عدم تحصيل الضرائب في عدد من القطاعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه أبدى المستشار الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية محمد صالح العياري معارضته الشديدة لما أطلق عليه "الضريبة على الثروة"، موضحاً أن وزيرة المالية التونسية وإن تحدثت عن ضريبة الثروة فإن الأمر يتعلق بفرض ضريبة على الأملاك العقارية.
وأبرز أن مجلس الجباية الذي انعقد أخيراً تداول هذه النقطة من خلال اقتراح فرض ضريبة على الأملاك العقارية بنسبة 0.5 في المئة على كل عقار تتجاوز قيمته 3 ملايين دينار (مليون دولار)، لكنه شخصياً لا يوافق على فرضها، موضحاً أن هناك حزمة من الإجراءات المماثلة التي تم اتخاذها في السابق ولم يتم تفعيلها بالشكل المثالي، وفي حال تطبيقها بفاعلية أكبر فإن مداخيلها ستكون أفضل.
وبرر العياري رفضه الإجراء الجديد بأنه سيكون منفراً للمستثمرين التونسيين والأجانب، متابعاً "لست مع إقرار ضريبة على الممتلكات لأنه سيجهز على المطالبين بالأداء وينهكهم".
وخلص إلى أنه خلال الاجتماع المقبل للمجلس سيدافع عن إلغاء هذا الإجراء الجديد والتفكير في طرق وآليات أخرى ذات جدوى وأكثر عدالة ضريبية.
خطوة جريئة وشجاعة
وفي المقابل قال أستاذ الاقتصاد عبدالرحمن اللاحقة إن إقرار ضريبة على الثروة يعد قراراً شجاعاً وجريئاً في محاربة التهرب الضريبي، بخاصة أن عدداً من المتهربين يلجأون إلى العقارات كواجهة للتهرب الضريبي الذي نخر البلاد لسنوات.
ولفت إلى أن هذا القرار ينخرط ضمن الإصلاحات الضريبية التي اشتغلت عليها وزارة المالية مع مطالبة اتحاد الشغل بإقرار نوع من الضريبة على الثروة في إطار العدالة الضريبية التي يجب تكريسها في البلاد.
ومن المنتظر أن يتضمن مشروع قانون المالية للعام المقبل الترفيع في الضريبة على الشركات من 15 إلى 20 في المئة، وأحكاماً وإجراءات ضريبية عدة تهم محاربة التهرب الضريبي في تونس، مع مراقبة أكثر لتحصيل عائدات الأداء على القيمة المضافة.
واقترحت وزارة المالية ضمن النسخة الأولية للمشروع مراجعة الحوافز الجبائية المسندة إلى الشركات والقطاعات الاقتصادية قصد حوكمتها وعدم إهدار المال العام، علاوة على اقتراح إلغاء الامتيازات الجبائية المسندة إلى الجهات الداخلية.
وتعتزم وزارة المالية أيضاً شن حرب على التهرب الضريبي في تونس عبر مزيد من المراقبة المشددة على المتهربين من أجل تحصيل العائدات المالية للدولة بشكل كامل.
وكشفت وزيرة المالية أن الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية للعام المقبل ستتضمن مزيداً من تضييق الخناق على النظام الضريبي التقديري بإضافة قائمة جديدة من الأنشطة والقطاعات التي تجني أرباحاً كبيرة ولكنها منضوية تحت هذا النظام الذي يقوم بتصريح ضريبي لا يتجاوز 200 دينار (64 دولاراً) خلال السنة، في حين أن إيجار هذه الأنشطة يتجاوز 1000 دينار (322 دولاراً) شهرياً.