تعمد السلطات المغربية في الآونة الأخيرة إلى سياسة تشتيت تجمعات المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في مدن شمال المغرب، التي يترصدون فيها فرص "الهجرة السرية" إلى الضفة الأوروبية عبر مدينتي سبتة ومليلية (الواقعتين في التراب المغربي والخاضعتين للسيادة الإسبانية).
وترحل السلطات المغربية بين الفينة والأخرى عدداً من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين عبر دفعات من مدن الشمال، بخاصة الحسيمة والناظور ونواحي سبتة ومليلية، إلى مدن توجد في الداخل لا سيما تزنيت وأزيلال وطاطا.
وتظل مدينة تزنيت الواقعة في الجنوب المغربي أكثر المدن استقبالاً لأفواج المهاجرين الأفارقة السريين، الشيء الذي دفع نشطاء حقوقيين إلى انتقاد سياسة الترحيل والتشتيت، خشية تحول المدن التي يُرحل إليها المهاجرون إلى مراكز إيواء.
أرقام رسمية
وتفيد أرقام رسمية كشفت عنها وزارة الداخلية المغربية أخيراً، بأنه تم إجهاض 40 ألفاً و589 محاولة للهجرة غير النظامية، كما فككت السلطات 125 شبكة إجرامية متخصصة في الهجرة غير الشرعية خلال سنة 2022.
وأقدمت السلطات العمومية في المغرب وفق أرقام وزارة الداخلية على ترحيل 2326 مهاجراً أفريقياً غير نظامي إلى دولهم الأصلية منذ بداية سنة 2022 إلى اليوم أغلبهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء بتنسيق مع المنظمة العالمية للهجرة في المغرب.
وتنهج الحكومة، وفق المصدر ذاته، سياسة "الرجوع الطوعي" للمهاجرين الموجودين في وضعية غير قانونية إلى بلدانهم في ظروف آمنة تحترم كرامتهم، بالتنسيق مع الهيئات الدبلوماسية لبلدان هؤلاء المهاجرين.
وسجلت الداخلية المغربية ارتفاع الهجرة غير الشرعية الوافدة من دول الساحل جنوب الصحراء الأفريقية إلى المملكة، جراء عديد من العوامل أبرزها تبعات جائحة كورونا، التي أفضت إلى هجرة آلاف الشباب من تلك البلدان نحو المغرب، لقربه من إسبانيا على وجه الخصوص.
وتقول وزارة الداخلية إنها تعمل على مواجهة التحديات الأمنية والإنسانية التي ترتبط بتدبير ملف الهجرة غير الشرعية من منظور شامل ومندمج، يراعي السياقات الأمنية والسياسية والاجتماعية في الوقت نفسه.
مراكز إيواء؟
ومقابل هذه الرواية الرسمية للحكومة المغربية، فإن عديداً من النشطاء الحقوقيين والهيئات المدنية، سجلت أن السلطات تعمل على ترحيل العشرات من المهاجرين الأفارقة من مدن الشمال إلى مدن في جنوب البلاد، سيما مدينة تزنيت.
ويقول في هذا السياق الناشط المحلي عبدالله أوترغيت، إن "ترحيل المهاجرين الأفارقة غير النظاميين إلى مدينة تزنيت المعروفة بصغرها وهدوئها، هو واقع حاصل عاينه عديد من الناس وأضحى حديث الخاص والعام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطرد المتحدث ذاته "لا توجد تفسيرات منطقية لاختيار مدينة تزنيت مركزاً لإيواء هؤلاء المهاجرين الأفارقة المرحلين من مدن الشمال، الذين ينتظرون الفرصة المناسبة للهجرة السرية صوب إسبانيا عبر قوارب الموت في البحر، أو عبر التسلل إلى سبتة ومليلية".
ووفق الناشط الجمعوي، فإن اختيار تزنيت جاء بعد أن كان الترحيل صوب مدن أخرى مثل بني ملال وأزيلال (وسط البلاد) وطاطا (جنوب)، مبرزاً أن الأسباب قد تكون بعد المدينة من الشمال، حيث تكثر محاولات الهجرة السرية، وأيضاً لهدوء المدينة وسكانها المسالمين.
المتحدث نفسه لفت إلى المشكلات التي بات يسببها ترحيل هؤلاء المهاجرين الأفارقة من الشمال إلى مناطق الجنوب، وتحديداً تزنيت، منها تفاقم عمليات السرقة والاعتداء التي يكون وراءها المهاجرون الوافدون في مدينة وديعة مثل تزنيت، وهو ما أثار حفيظة مسؤولي المدينة أيضاً.
وفي السياق، طالب أخيراً المجلس الجماعي الذي يسير شؤون هذه المدينة، وزارة الداخلية بوقف ترحيل هؤلاء جراء تزايد التخوفات الأمنية باحتضان هذه الفئة من المهاجرين، حتى لا تتحول مدن الجنوب المغربي إلى مراكز إيواء، وهو ما سبق أن اقترحته الدول الأوروبية على المغرب، غير أن الرباط ترفض هذه المقترحات.
خطة لتفتيت التكتلات
ويعلق الناشط الحقوقي مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبدالإله الخضري على الموضوع بقوله، إن انتقال المهاجرين غير الشرعيين إلى مدن الشمال هدفه الفرار عبر المعابر الحدودية لمدينتي سبتة ومليلية نحو الضفة الأخرى.
وأضاف الخضري شارحاً، أن هؤلاء يقتنصون فرصة التكتل للتخطيط والهجوم بطريقة جماعية على المعابر الحدودية، كما وقع قبل بضعة أسابيع في ما بات يسمى "الجمعة الدامية".
واسترسل المتحدث قائلاً "من أجل الحد من هذه الهجمات، وما يترتب عنها من حوادث تعقبها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتزهق فيها الأرواح، تقوم السلطات بنقل هؤلاء المهاجرين نحو مناطق الوسط والجنوب، بغرض تفادي الوصول إلى تكتلات تخطط وتنفذ عمليات اجتياح جماعي لتلك المعابر الحدودية".
وأكمل الحقوقي بأنه على رغم أن "نقل المهاجرين غير الشرعيين بطريقة قسرية قد ينطوي على بعض التجاوزات، إلا أن هكذا خطوة من شأنها تفادي اضطرار السلطات العمومية، مغربية كانت أم إسبانية، للقيام بردود أفعال تتسبب في انتهاكات لحقوق الإنسان، كما وقع يوم الجمعة الأسود 24 من شهر يونيو (حزيران) الماضي".
ولفت الخضري إلى أن تلك الأحداث ما زالت حيثياتها غير واضحة، وما زالت تداعياتها الحقوقية قائمة، ما دام التحقيق الموعود لم يسفر عن نشر تقرير مفصل حول ما جرى وترتيب الجزاءات اللازمة حتى لا تتكرر المأساة".
وتسببت محاولة اقتحام المعبر الحدودي لمليلية من قبل 2000 مهاجر غير نظامي في مقتل 23 شخصاً، ما أفضى إلى اعتقال وسجن العشرات من المهاجرين غير النظاميين بتهم "الدخول بطريقة غير قانونية إلى التراب المغربي، واستخدام العنف ضد موظفين عموميين، والتجمهر المسلح، والعصيان"، غير أنه في المقابل أنكر المتهمون تهمة العنف، وقالوا إنهم طالبوا باللجوء فقط".